نغادر الصمت لنكتب عن شخصية فريدة من رجال الدولة والجيش والسياسة اليمنية، ومن كان له دور في أحداث كثيرة ومحورية في حياة الشعب اليمني.
نعم أتحدث عن شخصية عرفته عن قرب في فترات عمره الأخيرة الزاخرة بالمواقف، التي كانت وما زالت محفورة في ذاكرتي، صعب النسيان، وهو الفريق الركن “يحيى محمد الشامي”، مساعد القائد الأعلى للقوات المسلحة.
من أين أبدأ في خضم تزاحم الأفكار والمواقف، فالفريق “يحيى الشامي” ذاكرة الوطن العسكرية التي لا يشق له غبار، ومسيرة النضال الطويل التي تشير إلى شخصية تتسم بالصفات القيادية المتميزة.
فمنذ الصغر، وأنا أسمع عن “يحيى الشامي”، ويتداول هذا الإسم على لسان والدي رحمه الله وأهل قريتي، وذلك عند ذكرهم للتجنيد والمجندين من أبناء القرية وهم ضمن أفراد معسكر “الحمزة” ب”قاع الجامع” بمنطقة “ميتم”.
كثيرا ما يرددون مواقفه الحازمة والقوية في أدائه العسكري، ولعل أبرز ما سمعناه عنه كثيرا هو ضبط مجموعة من الخونة في المعسكر في القضية الشهيرة التي اتخذ فيها إجراءات قوية ومحاكمة عسكرية ميدانية تكاد تكون هي الأولى في اليمن تحدث بتوجيهات قائد الحزم “يحيى الشامي”.
كان لهذا الأجراء تداعيات كبيره وغضب القيادة والرئيس الأسبق العقيد “علي عبد الله صالح”، رحمهما الله جميعا، الذي وجه أمرا بتوقيف “الشامي” والتحقيق معه، لأنه اتخذ قرار دون العودة إلى القيادة، لأنه كان القائد القوي والمجتهد الذي لا يقبل الخروج عن التعليمات العسكرية، ولا يقبل في صفوف معسكره الخيانة التي كادت أن تودي بحياة المعسكر بأكمله.
يقال بأن القاضي “أحمد الحجري” هو من راجع الرئيس لإخراجه من التوقيف، طبعا ما ذكر وثقه الفريق “الشامي” في كتابه الذي صدر بعنوان (رجال صدقوا)، والذي أهداني نسخة منه شخصيا، وطلب مني، بتواضعه الذي أخجلني، بأي ملاحظات حول محتويات أو صياغة الكتاب، وقلت له “العين ما تعلى على الحاجب منكم نتعلم ونتلقى الدروس كصاحب تجربة عتيقة في الحياة ومنعطفاتها الحرجة”.
وكنت قد وعدته بأن أهديه نسخة من رسالة الدكتوراه التي سألني عن عنوانها، فقلت له معظمها في صميم عملك في الجانب العسكري الذي اقتحمته ولست عسكريا ولا متخصصا، ولكن تلميذا وثقت ما دار في هذا الوطن بحيادية إن جاز لي التعبير.
عموما كانت وفاته مفاجأة لي، ولم يسعفني الوقت لتسليمه النسخة لا سيما وأنه كان أثناء العدوان، وهو الرجل المستهدف الأول على مستوى الوطن من قبل دول العدوان وطيرانه الحاقد، فكنا حين نتواصل معه لأي قضية عبر التليفون وتحويلته الخاصة به.
كم كان بالنسبة لي مرجعا وداعما، وما أتيته من قضية لأصحاب من منطقتي إلا ووجه بها، أو يتصل أو يعمل توصية، وكنت وما زلت ممنونا له ولأخلاقه العالية، ولكرمه ونبل تعامله معي، والذي أثر في نفسي كثيرا، وكان حديثي في مناسبات عدة.
وهناك مواقف عديدة، منها ما هو تنظيمي، ذا صلة برآسته لهيئة الرقابة التنظيمية للمؤتمر الشعبي العام في عهد الرئيس “صالح”، ثم اختلف معه وأسس حزبا مع الأخ “محمد أبو لحوم” والأخ “عبد العزيز جباري”، وكان اسمه حزب “العدالة والبناء”.
ومن أطرف المواقف عندما حضروا في حفل التأسيس للحزب في محافظة “إب”، وكلفت حينها، وأنا المسؤول السياسي للمؤتمر، بأن أحضر الحفل، وألقي كلمة بالمناسبة، فكان ذلك، وما أن بدأت بكلمتي، ونحن في الصالة الرياضية المغلقة، وهي ممتلئة عن بكرة أبيها على أساس أنهم مع الحزب الجديد.
وما أن ذكرت المؤتمر والزعيم “علي عبد الله صالح”، إلا وانتفضت القاعة بالتصفيق والهتافات والزغاريد من القطاع النسوي، وترديد الشعارات “المؤتمرية”.
وكان البعض حاول قطع خيط الميكرفون، ولكن أصر الفريق “الشامي” و”جباري” على مواصلة كلمتي والقبول بها وبعلاتها، وهذا من سعة صدر الفقيد “الشامي”، الذي كان يستوعب الجميع.
المهم في نهاية الكلمة دعاني الفريق “يحيى الشامي”، رحمه الله، وقال لي وبالبلدي (اليوم يا علي أتنهجلت علينا)، وضحكت معه وقدمت اعتذاري لأي إزعاج، والأخ “محمد أبو لحوم” (قال لي هذا حفل لحزب العدالة والبناء وقلبته مهرجان للمؤتمر الشعبي العام هههههه، وضحكنا وقلت له ما دراني أن القاعة كلها مؤتمر ما أفصحوا إلا عندما ذكرت الجمالي”.
عموما على أثر هذا الموقف وصل وشاهده الرئيس الأسبق “صالح”، وفي المساء، اتصل بي، وهذه لأول مره أتحدث عنها وجلست معه على التليفون قرابة ١١ دقيقة، وهو يطلب مني أن أشرح له الموقف بالتفصيل، أيش الذي حدث، الخلاصة كان مسرورا ويضحك بقوة بالوقت المحرج “للشامي” و”أبو لحوم” و”جباري”، باعتبارهم كانوا مؤتمر، وانشقوا عنه.
وقال في الأخير والله ما اتصلت إلا لأشكرك على هذا الموقف التي عجزت عنه الأمانة العامة بكلها في صنعاء، تعمل هكذا ورفع لي المعنوية قوي، قلت لونا داري أنه با يتجمل ويتصل لي أننا زيت العيار قليل هههههههههه، رحمهم الله جميعا؛ تلك أمة قد خلت.
وأنتقل بكم إلى حدث أخر مع الفريق “يحيى الشامي”، كان عام 2011م ينوي تشكيل نواة لمعارضة داخل حزب المؤتمر الشعبي العام، وبدأ يختار عددا من الشخصيات في بعض المحافظات، وكنت من من وقع عليهم الاختيار.
كانت القائمة الأولية تحت مسمى “كتلة تصحيح المؤتمر”، ومع أنني كان لي رأي مخالف لذلك، ولم أوافق بسبب ذلك، فقد قلت له بأن هناك ربيع، وما يسمى ثورة ضد المؤتمر، فكيف نعمل حراك معادي لسياسة المؤتمر في هذا التوقيت، إن الأمر يعد تماهيا مع ثورة الشيخ “حميد الأحمر” والأخت “توكل كرمان” ومن لف لفهم.
المهم تفاجأت بعد فتره إلا وأسمى وأسم زميلي بالمؤامرة المفترضة التي لم نوافق عليها الشيخ “عقيل فاضل” في قناة “سهيل” بأننا أعلنا انضمامنا لثورة الربيع العبري.
وبعد ذلك حاولت أتواصل مع الفريق “يحيى الشامي” فلم أتوفق ولم يجبني إلا الدكتور العزيز بشير العماد تقريبا، وقد كان ضمن الأسماء المعلنة معنا، فأبلغته انزعاجي لما نشر في “سهيل”، وهو كذلك شاطرني واتفقنا ننفي وهي الحقيقة.
المهم، أن الفريق “الشامي”، شخصية رائعة، وسياسي محنك ولديه قدره عالية في التعامل مع الآخرين بطيبة ودبلوماسية تجذبك إليه فتشعر بعمق العلاقة معه.
لقد كان حديثه وبالتالي رحيله قد مثل خسارة كبيرة للوطن، كيف لا والرئيس السابق، كان يستعين به في إطفاء الحرائق في عدد من محافظات الجمهورية ك”البيضاء” و”مأرب” و”صعدة”، لما يمتلكه من ملكة تجمع بين الحزم واللين الذي يتمتع به.
فلسفته لا إفراط ولا تفريط في كل المهام التي أسندت إليه العسكرية والمدنية والتنظيمية، حتى وهو محسوبا على “أنصار الله” حتى أخر الأيام، وهو يسدي النصح الصادق للزعيم في محاولة لإنقاذ الموقف وتجاوز تلك الأزمة وتداعياتها المؤسفة هذا على حد علمي، ولكن قدر الله وما شاء فعل.
عموما كان آخر عهد به في لقاء جمعنا مع الأخ العميد “عبد الرحمن الزكري”، وكيل محافظة “إب”، في صنعاء، حيث تحدثنا كثيرا عن أوضاع “إب”، وكان مهتما بالتفاصيل، وفاجأني بأنه متابع جيد، ويسألني عن مقال كتبته بشأن وضع المحافظة، حيث ذكر لي عنوانه بالضبط.
رحم الله الوالد العزيز الفريق “يحيى الشامي” كشخصية يعتز المرء بمعرفتها والجلوس معها والاستفادة من خبراتها التراكمية، والأهم من هذا، فهمه بذكاء، كيف يتعامل مع مختلف النفسيات بصورة إيجابية ويترك انطباعا رائعا.
هذا هو الفريق “يحيى الشامي” ولعل لدى الآخرين الكثير مما يقولون عنه وعن مواقفه فليس لدي إلا اليسير، وما في جعبتي لا يمكن سرده بمقال، ونكتفي في هذه الذكرى بما أشرنا إليه، بصورة مختصرة، والله يرحمه رحمة الأبرار هو ونجله اللواء “زكريا الشامي”.
ستظل ذكراهما وسيرتهما مدرسة وكتابا مفتوحا تنهل منه الأجيال، وكل المحبين والشغوفين لمعرفة “يحيى الشامي” من أكثر من زاوية، بحجم نضاله وسيرته، وتضحيته باعتباره رجل الجيش والدولة والسياسة.
واجتماعي، حيث كان قريبا من الكل، ونجد أبنائه الأعزاء يمضون على خطى والدهم، ونحن بهم ومعهم نواصل تلك العلاقات التي بدأت بشخصية بحجم وطن، والوطن باق لنكمل المشوار معا….
التعليقات مغلقة.