المواطن المغربي بين “بوطة” الحكومة وحكومة “البوطة” فأي”بوطة” لأي سياسة نريد؟
محمد حميمداني
مع إطلالة فجر اليوم الاثنين، انتشر خبر الزيادة في ثمن “البوطة” بعشر دراهم. واختارت الجهات الرسمية شهر رمضان المبارك لتمرير لغة جس النبض عبر تسريب إشاعة البشرى التي أوجدتها للمغاربة. حاملة لهم بشرى العيد و”الصولد” الحكومي المعد للتنفيس عن ضيق وكرب المواطنين. لكن سرعان ما تبين أن الأمر يتعلق باستقراء ردود الأفعال من قبل الحكومة على الحكومة نفسها بعد أن عبرت عنه في مناسبات وخرجات متعددة.
فما دلالة هذا التسريب الحكومي؟ ولم سارعت الجهات المهنية لنفي الخبر بسرعة وعجالة فاقت سرعة البرق؟. وأين المسؤولية المؤسساتية ومكاتب الدراسات في التعاطي مع الأحداث قبل التسريبات؟. أم أن الفشل طال كافة مؤسسات وأجهزة الدولة؟!!!.
الزيادة في ثمن قنينة الغاز “البوطة” من التسريب إلى سحبه
حطمت الحكومة المغربية الرقم القياسي العالمي في تسريب المعلومات وتوظيف جهات من خارج الجسد الحكومي لنفيها في نفس الوقت، على حد فعل السفسطائيين الذين تفننوا تاريخيا في إتباث الحقيقة ونقيضها في نفس الوقت.
فالسفسطة الحكومية تجاوزت كل الحدود. فلم يعد المحدد في غوغائية قراراتها سوى التحليل المعد في الغرف السوداء التي تساعد الحكومة على تمرير قراراتها. عبر تسريبات ومتابعة لردود الأفعال على هاته التسريبات ووقعها على المجتمع والاستقرار.
الزيادة في ثمن البوطة بين الواقع والتخدير الحكومي
أن تنتظر الحكومة الخميس لتزف بشرى التأكيد أو النفي لهو الانعكاس الفعلي لواقع حال الحكومة التي لا تعير الرأي العام المغربي أي اهتمام.
لأنه وفي باب الأعراف الحكومية في جميع بلدان العالم. فإن شيوع مثل هاته التسريبات يقتضي من الجهات الرسمية الخروج بسرعة لتأكيد أو نفي الخبر. درءا للفثنة وتأكيدا لمسؤولياتها التدبيرة. إلا أن الحكومة المغربية شكلت الصورة القبيحة النشار في المشهد الكوني.
تحول مهنيي “البوطا” لناطقين رسميين بدل الحكومة و”بايتاسها”
أمام الصمت الرسمي الحكومي حول تسريبات الزيادة في ثمن قنينة الغاز التي انتشرت بشكل كبير مثيرة ردود أفعال منددة وغاضبة وشاجبة. فظلت الحكومة الركون للصمت. مستجيرة بالقول المأثور “الصمت حكمة”. فآثرت الوصول للحكمة من خلال الصمت الذي يعفيها من “حريق الرأس”.
في المقابل تحول مهنيو قطاع الغاز لناطقين رسميين باسم الحكومة المغربية لنفي الخبر. ليتحولوا بقدرة قادر إلى “بايتاس” مهني يعوض صمت “بايتاس” الحكومي.
قال محمد بنجلون، رئيس الجمعية المهنية الوطنية لموزعي الغاز السائل بالمغرب. إن الجمعية لم تتوصل بأي إشعار من الشركات المنتجة أو أي جهة حكومية. في موضوع زيادة ستدخل حيز التطبيق ستطال أسعار بيع أسطوانات الغاز من فئة 12 كيلوغراما.
وتوقع “بنجلون” أن تؤجل الحكومة الإعلان عن هاته الخطوة إلى ما بعد شهر رمضان.
واقعية أم خرافية تسريبة “البوطة”
الأكيد أن هاته الخطوة مدروسة ومحبوكة من الناحية الإخراجية. وأنها تتجاوز منطق التسريبة إلى منطق التنزيل. خاصة بعدما أنهت الحكومة خطوات الدعم الاجتماعي. وبدأت في صرفه كشكل من أشكال امتصاص ردود الأفعال الشعبية على خطوة تحرير السوق وضرب صندوق المقاصة.
أخنوش وتأكيد الزيادة في البوطا
في باب هذا النقاش المثار حول الزيادة في ثمن “البوطة”. وحالة اللغط المصاحبة، والتيهان الحكومي في باب التنزيل وأثر القرار على الاستقرار المجتمعي بآثاره السياسية.
سبق لرئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، أن صرح، خلال شهر أكتوبر الماضي، من على قبة البرلمان. عبر كلمة ألقاها في جلسة عمومية مشتركة داخل البرلمان حول الدعم الاجتماعي المباشر. عن بدء تنزيل الإلغاء التدريجي للدعم المخصص لقنينات “البوطا” من قبل صندوق المقاصة ابتداء من عام 2024. حيث سيرتفع ثمن “البوطة” من 40 درهم إلى 50 درهم. وذلك ابتداء من شهر أبريل المقبل.
“بايتاس” الناطق الرسمي باسم الحكومة يصمت ويرفض قول الكلام المباح
على الرغم من مسؤوليته الحكومية التي تقتضي التواصل والتفاعل مع كافة الأحداث التي تهم بلادنا الداخلية والإقليمية والدولية. إلا أنه وعلى الرغم من الشائعات التي دوت. فإن “بايتاس” بلع فاه، ولم ينبس ببنت شفة، في موقف غريب وغير مفهوم رغم أن التسريبات تمس الاستقرار المؤسساتي.
وهو موقف ليس بجديد. إذ عمد “بايتاس” في لقاءات سابقة مع وسائل الإعلام إلى رفض الجواب عن السؤال المتعلق بالزيادة في ثمن “البوطة”. فيما اكتفى في جواب آخر باستعمال الأسلوب الإنشائي من خلال لغة التعويم التي استعملها. رابطا صندوق المقاصة بورش الحماية الاجتماعية و”البوطة”.
وأضاف أنه سيتم تطبيق قرار الزيادة في سعر “البوطة” حينما يحين وقته. دون توضيح الوقت الذي يعنيه الكرم الحكومي. وأين توجد المحطة التي سيصل عبرها، في استهثار بالمواطن وتنقيص من كرامته وحقه في الوصول للمعلومة.
“البوطة” من غول السعر إلى إخفاء الحكومة رأسها تحت الرمال كما النعامة
من مآثر النعامة أنها تخبئ رأسها تحت الرمال وتترك باقي الجسد مكشوفا معرى. وجه الشبه في الحالة المغربية، أن الحكومة المغربية، ومن موقع لامسؤوليتها واحتقارها للمواطنين أقفلت بوابة التواصل الفعلي ونقل الحقيقة بصدق وقوة كركن من اركان تدبيرها. وعمدت على العكس من ذلك إلى تمرير مخططاتها كما لو أنها تمرر المواد المهربة من أمام أعين “الديوانة”.
فهل تحولنا لزمن يصبح فيه التوجه الحكومي ب”جوج وجوه” ، غير قادر حتى على البوح بتاريخ ما يصرح به يوميا. يعيش تبعا لذلك ضمن متلازمة التصريح والصمت مع انتظار الفرصة الملائمة للانقضاض على الطريدة.
وليس هناك من بأس إن تمت الاستعانة بالبصاصين والمخبرين والأذناب والأزلام لخدمة مشروع الحكومة بدون وجع رأس. ولا حاجة ل”لبايتاس” الحكومة، ولتتركة ل”بايتاس” المهنيين وللإعلام الخادم للسلطة دور القيام بالمهمات المملاة من “توهج” قريحة الأداء الحكومي.
الحقيقة القائمة المغيبة في الخطاب الرسمي
أن ينفي باطرونا البوطا نيابة عن الحكومة خبر تنزيل الزيادة بعد تسريب حصول زيادة بمقدار 10 دراهم في القنينة، فهذا أمر يخصها. وليس غريبا من باب اللامسؤولية في اتخاذ القرارات من ممارسة اللغط. لأن تلك القرارات ليست نابعة من دراسة معمقة لحالة السوق وآثارها الاجتماعية وتداعياتها على الاستقرار السياسي لبلادنا.
لكن الوقائع على الأرض تؤكد التوجه الحكومي نحو إنجاز هاته الخطوة بإرادة وخطوة تابثة للأمام. فلم الفزع الحكومي والتراجع كالمهرول للخلف علما أن هاته الخطوة هي من ضمن أولويات استراتيجيتها. اعتبارا لكونها تلميذ نجيب في مدرسة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. وهما المؤسستان اللتان تقدمان القروض ومعهما الوصفات العلاجية. ومن بين أخطر هاته الوصفات نجد التخلي عن القطاعات غير المننتخة والقضاء بشكل كلي عن صندوق المقاصة. في إطار سياسة رفع يد الدولة عن هاته القطاعات، وهو ما تطبقه حكومتنا المبجلة باقتدار مع ميزة مشرف جدا. دون مراعاة الآثار الناجمة عن كارثية التطبيق، والفاتورة الاجتماعية الكبيرة من ارتفاع الأسعار والبطالة والتضخم بما ينعكس على الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد.
وفي هذا السياق يعد كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مؤسستين ماليتين أُنشئتا في إطار اتفاقيات “بروتن وودز” عام 1944 عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، بهدف إعادة إعمار ما دمرته الحرب داخل البلدان الرأسمالية، وخاصة بأوروبا.
كما حُدِّدَتْ لبلدان الجنوب نفس الوظيفة التقليدية، ارتباطا بالتقسيم الاستعماري، المتمثل في تصدير المواد الأولية وتوفير يد عاملة رخيصة وسوق لتصريف منتجات الشمال.
فأصبحت المؤسستان تبعا لذلك أداة للتحكم في مصير الشعوب، من خلال استعمال الديون واتفاقيات التبادل الحر كآليتين للتدخل وتوجيه السياسات الداخلية لبلدان الجنوب، وبطبيعة الحال ضمنها المغرب.
وتركز برامج صندوق النقد الدولي في العادة على معالجة مشكلات تخص الميزانية العامة للدول. وما يرتبط بها من قضايا الدعم والديون والعجز. وكذلك ميزان المدفوعات وما يعتريه من عجز مؤثر على العلاقات الاقتصادية الدولية للبلدان. وتأثير هذا العجز على سعر الصرف، واحتياطي النقد الأجنبي.
إلا أن هاتين المؤسستين لا تعملان على محاربة الفساد والبيروقراطية رغم أنهما يعتبران من معطلة النمو الاقتصادي لدول الجنوب. وهنا يكمن تناقض المؤسستين ارتباطا بمصالحهما، ضمن تلازمية سياسة ثلاثية. السيولة القائمة على القرض، وصرف القرض بما يعود بالنفع على دول المركز المانحة، مع إغراق تلك الدول بالديون مما يفقدها استقلالها وسيادتها.
ويكفي أن نشير إلى أن المغرب لديه 4 اتفاقيات متعاقبة مع صندوق النقد في إطار ما يعرف بـ “خط الوقاية والسيولة”.
وخلال الفترة الماضية تقدم المغرب بطلب لصندوق النقد الدولي للدخول في برنامج تمويلي آخر تصل قيمته ل5 مليارات دولار.
التعليقات مغلقة.