أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

بين أقلية الإيغور المسلمة في الصين وعلكة البوكيمون اليابانية، وصراع القوى العالمية الكبرى!!!!

بقلم الحقوقي : نورالدين عثمان

 

مع مطلع الألفية الثالثة انتشرت دعوات على وسائل الإعلام والأوروبية والأمريكية سرعان ما امتدت إلى وسائل الإعلام العربية وعموم المواطنين في العالم العربي وطبعا من بينها المغرب ،كانت هذه الدعوة تنتشر كالنار في الهشيم وتدعوا المواطنين العرب إلى مقاطعة منتوج ياباني علكة تسمى ” البوكيمون” بدعوى أنها تحتوي مكوناتها على مواد خطرة على صحة الإنسان وهذا الخطاب كان موجه إلى الشعوب الغربية فيما كان الخطاب الموجه إلى الشعوب العربية والإسلامية يتخذ منحى آخر يتخذ من الدين مطية لدغدغة عواطف الشعوب الإسلامية وفي هذا الصدد تركزت الدعوة الموجه لها هو أن هذه العلكة ” البوكيمون” تحتوي مواد محرمة في الشريعة الإسلامية (مادة مصنوعة من لحم الخنزير) كما كانت تروج بالتوازي معلومات أن هذا المنتوج الياباني كانت تصنع جزء منه شركة إسرائيلية وجزء من الأرباح تذهب إلى الكيان الصهيوني الإرهابي الذي يقتل أشقائنا الفلسطينين وكانت هذه الدعوة تستهدف القوميين العرب وعموم المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، وبخطابات ودعوات كهاته وبدعم اعلامي غربي وعربي واسع تم إقناع الشعوب العربية والإسلامية على الخصوص أن “البوكيمون ” خطر على صحة الإنسان ومحرم شرعا واقنتاءه يعتبر دعما مباشرا للكيان الصهيوني ومساعدته على تقتييل الشعب الفلسطيني.

ومن أجل إعطاء هذه الحرب على علكة “البوكيمون ” المصوغ الديني تم تجنيد علماء الدين المسلمين والتيارات الإسلامية وخطباء المنابر بالمساجد بغاية تحريم هذا المنتوج الياباني والتحذير من شرائه وإستهلاكه بدعوى أنه محرم بإجماع الفقهاء، ولعل البعض يذكر كيف خرج كل من مفتي السعودية وخطيب المسجد الحرام لتحريم البوكيمون وتبعهم في ذلك الكثير من علماء الدين المسلمين كما انخرط في هذه الحملة مشاهير عرب من مختلف المجالات.

وهكذا وبعد أشهر من هذه الحملة الشرسة تم تكبيد الشركة اليابانية المصنعة لهذه العلكة خسائر مالية فادحة ليختفي هذا المنتوج من الأسواق مع مرور الوقت بشكل نهائي ولم يعد له أثرا دون أن يكلف أحد نفسه عناء البحث في اسباب محاربة هذا المنتوج والخلفيات الحقيقية وراء ذلك.

ورغم أن بعض الأصوات آنذاك كانت تشكك في هذه الرواية وتطالب بضرورة بالتقصي وإعمال العقل بل كانت تعتبر أن تلك الحملة على البوكيمون تدخل في سياق الصراع بين القوى الدولية وشركاتها العابرة للقارات لكن لا أحد كان مستعد لسماع هذه الأصوات التي كانت تغرد خارج سرب الإجماع لينصاع الملايين كالقطيع بتحريك من القوى الغربية واعلامها القوى والموجه، لكن بعد سنوات انقشعت حقيقة هذه الحملة المسعورة على العلكة اليابانية ليكتشف العالم أنها كانت مجرد خدعة وأن الأمر يتعلق بصراع بين الشركات العالمية الكبرى فلم تكن تحتوي البوكيمون لا على مواد مسرطنة ولا محرمة ولا كانت الشركة مملوكة للصهاينة ولم تكن تربطها بهم أي علاقة كما روج ذلك الإعلام ورجال الدين بل كان سبب الحرب على هذا المنتوج يرجع إلى جودته العالية وثمنه المناسب الأمر الذي أدى إلى إلحاق ضرر بالغ بالشركات الغربية التي كانت تنتج نفس المنتوج مثل علكة “فلاش…”التي كانت بجودة أقل وثمن مرتفع.

ليست لدي معلومات دقيقة ومؤكدة حول مايقع في الصين حاليا حول ما يسمى الإبادة الجماعية في حق مسلمي أقلية الإيغور التي تستوطن بإقليم شنيجيانغ ورغم أن وسائل الإعلام الغربية والعربية ومن يدور في فلكهم تتحدث عن مجازر جماعية وتعذيب واعتقالات واسعة في حق اقلية الإيغور المسلمة مع نشر مقاطع فيديو حول ما يقال أنه تعذيب في حقهم وهي أفعال إن صحت تدخل في نطاق جرائم ضد الإنسانية بمقتضى القانون الدولي وهي جرائم مرفوضة ومدانةإن كانت صحيحة فعلا من منطلق إنساني رغم أن الصين تنفي كل هذه التهم الموجهة إليها كما أن بعض الشهادات من مسلمين وعرب يقيمون في هذا البلد يفنذون كل هذه المزاعم ويؤكدون أنهم يمارسون عقيدتهم بكل حرية ودون أي مضايقات ، لكن هذا لا يمنع من طرح بعض الأسئلة حول هذه القضية الشائكة، لماذا يتم استهداف أقلية الإيغور المسلمة دون غيرها من الأقليات المسلمة التي تستوطن هذا البلد طبعا إن صح مايتم تداوله على وسائل الإعلام؟ وكيف تم توثيق أشرطة الفيديو حول تعذيب مسلمين من الإيغور، علما بأن الصين بلد شمولي ويفرض رقابة شديدة على وسائل التواصل الإجتماعي ولا يتسامح في هذا المجال حتى مع نشر وتسجيل المواضيع البسيطة؟ وكيف دخلت كاميرات التسجيل إلى مخافر التعذيب وكيف تم تسريب الأشرطة رغم المراقبة الصارمة في هذا البلد الشيوعي؟ لماذا الدول الغربية ووسائل اعلامها ومن يدور في فلكها هي وحدها من تنشر وتروج لمثل هذه الجرائم؟ أليس الأمر يتعلق بصراع بين القوى الدولية الكبرى حول مناطق النفوذ في العالم؟ لماذا انتشرت الدعوة إلى مقاطعة المنتوجات الصينية بهذه السرعة خصوصا في الدول العربية دون التأكد أولا من صحت هذه الإتهامات؟ لماذا الدول التي تدعي دفاعها عن مسلمي الإيغور وحقوق الإنسان في العالم لم تتقدم بمشروع قانون إلى مجلس الأمن ولو لإحراج الصين أمام العالم، أو على الأقل المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية؟ لماذا الصمت تجاه جرائم الكيان الصهيوني الإرهابي في حق شعبنا الفلسطيني، وكذا لماذا الصمت عن الجرائم التي يرتكبها التحالف العربي بقيادة السعودية بحق الشعب اليمني؟ ماذا تفعل تركيا في سوريا أليس الأكراد بشر أولا ومسلمين ثانيا؟

خلاصة القول ورغم أن كل أشكال القتل والتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة مدانة ومرفوضة من منطلق إنساني أولا وإن كان ما يتعرض له أقلية الإيغور المسلمة صحيح فهو مدان ومرفوض ويتطلب المساءلة والمحاسبة أمام العدالة الدولية، فإننا في المقابل يجب ألا نسقط في فخ الصراعات الدولية وألا نستيقظ يوميا على مسرحية شبيهة بقصة البوكيمون.

 

التعليقات مغلقة.