أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

بين المال والسعادة: كيف تؤثر القيم المعاصرة على الزواج في عصر التحولات

بقلـم الأستاذ محمد عيدني

في زمن يسير فيه كل شيء بسرعة البرق، ويعيش فيه الأفراد تحت وطأة القيم المتغيرة، يُعد الزواج من أبرز المؤسسات الاجتماعية التي شهدت تحولات عميقة. ومع تطور العصر، نجد أن مفهوم الزواج لم يعد مقتصرًا على الارتباط العاطفي فقط، بل أصبح يحمل العديد من الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر في اختيار الشريك بناءً على مجموعة من المعايير المعاصرة التي تطرح أسئلة جديدة: ما أهمية المال في العلاقات؟ وهل يمكن للسعادة أن تتحقق بعيدًا عن القيم التقليدية؟

قصة القيم المتغيرة

عندما نعود بذاكرتنا إلى العقود السابقة، نجد أن الزواج كان يُنظر إليه كعلاقة تستند إلى مفاهيم الاستقرار والعواطف. كان الاختيار يتم بناءً على التوافق القيمي والأخلاقي. ولكن مع مرور الزمن، وخاصًة في العقود الأخيرة، تداخلت قيم جديدة مستندة إلى التطلعات الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية، ما جعل المال يُعتبر أحد العوامل الأساسية في بناء العلاقات. وبات الشاب يبحث عن شركاء يمتلكون قدرات مالية تسمح له بعيش حياة أكثر رفاهية، ما يشي بتغير مفهومات الحب والتفاني في العلاقات.

المال كمقياس للقيمة

هذا التحول إلى ربط المال بالقيمة الإنسانية قد أدى إلى ظهور ظاهرة جديدة تُعرف بمسألة “السعادة الاقتصادية”. إن بعض الأفراد باتوا يفضلون البحث عن شريك وفق معايير مادية قد تكون بعيدة عن القيم الحقيقية التي تعبر عن الحب والاحترام. إن العلاقات التي تستند إلى أساسيات مادية فقط قد تدفع الناس نحو اختيارات غير موفقة، تُفقد العلاقات عمقها ومعناها الحقيقي.

العلاقة بين المال والسعادة

ومع الاعتراف بأن المال يُمكن أن يساهم في توفير الرفاهية، فإن السؤال الأهم يبقى: هل تضمن الأموال السعادة؟ تشير العديد من الدراسات إلى أن الاستقرار المالي قد يزيد من مستويات الرضا في الحياة، لكنه ليس العامل الوحيد أو الحاسم. إذ أن الحب المتبادل، والاحترام، والتواصل الجيد قد يكونون عوامل أكثر أهمية من مجرد الحالة الاقتصادية. وهنا يأتي دور الزوجين في العمل على تطوير علاقتهما من خلال التركيز على تلك القيم العاطفية والتي قد تضمن استمرارية العلاقة.

التحديات المقبلة

ومع انتشار تلك القيم الموروثة عن عصر التكنولوجيا والشبكات الاجتماعية، تواجه العلاقات تحديات كبيرة. يمكن أن يؤدي الضغط المستمر للظهور بمظهر مُتألق اجتماعيًا واقتصاديًا إلى بناء علاقات تُركز على القشور دون أن تتوفر فيها المقومات الأساسية للنجاح. لذلك يُعتبر من الضروري دعم القيم التقليدية التي تركز على الحب، الإلتزام، والرغبة في مساعدة الآخر لتحقيق الأهداف المشتركة.

في ختام الأمر، يُعتبر الزواج مؤسسة إنسانية قائمة على التعاون والشراكة. إن التوازن بين القيم التقليدية والأبعاد المادية أمر ضروري لضمان جودة العلاقات الزوجية. وعليه، يبقى في متناول الأجيال المقبلة القدرة على إعادة تحديد أولوياتهم في العلاقات، مقدرين أن الحب هو القاعدة الأساسية، وأن المال ليس إلا وسيلة لتوفير بيئة صحية تنمو فيها تلك العلاقات. إن العودة إلى القيم الحقيقية قد تشكل مفتاح السعادة المستقبلية للأزواج، والتمتع بحياة مليئة بالمعنى والتواصل الحقيقي

التعليقات مغلقة.