عقب توقيع المملكة المغربية، صباح اليوم الخميس، على البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقية “بودابست” أكد وزير العدل السيد عبد اللطيف وهبي، أن المملكة المغربية تواقة لاستكشاف بعد جديد من أبعاد التعاون القضائي، عبر الآليات المقررة في هذا البروتوكول.
جاء ذلك خلال كلمة ألقاها بحضور الكاتب العام لمجلس أوروبا، ووزيرة العدل الإيطالية، ووزراء وسفراء وممثلو الهيئات والبعثات الدبلوماسية، بمناسبة التوقيع على هذا البروتوكول، بمدينة ستراسبوغ الفرنسية، في موضوع تعزيز التعاون والكشف عن الأدلة الالكترونية و”مواجهة الجريمة السيبرانية”، حيث عبر عن أمله في الوصول إلى الحد من نسبة الجرائم المعلوماتية التي أصبحت تشكل وضعا مقلقا، وزجر مرتكبيها.
وفي هذا السياق دعا عبد اللطيف وهبي، الجميع إلى التعاون من أجل تنزيل مقتضيات البروتوكول الإضافي، الثاني و تطوير آلياته، مؤكداً أن المملكة المغربية حاضرة من أجل تحقيق هذه الأهداف، ومستعدة للتعاون الكامل مع باقي الدول، وصولا لتحقيق الأمن السيبيراني لجميع الدول الأطراف.
واعتبر الوزير أن هاته المهام ليست باليسيرة وعلى الجميع أفرادا ومؤسسات أن يستحضروا جسامة و ثقل هاته المهام لأن الوضع هو تجسيد للعولمة في أبهى تجلياتها في الميدان القضائي، حيث قال ” فإذا كان كبار الفقهاء والمنظرين يتحدثون عن العولمة في المجال الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي أو التكنولوجي، فقد آن للعولمة أن تدخل المجال القضائي من أوسع أبوابه”.
وأضاف “أن التغيرات في مجتمعاتنا أصبحت تفرض علينا كأمم و كدول إعادة النظر في العديد من المفاهيم التي كانت تعتبر إلى حد قريب من المسلمات.
فإذا كان الانتقال بين الدول استوجب إلى أمد قريب الانتقال المادي من تراب دولة إلى أخرى، فإنه في الوقت الحالي أصبح يكتسي مفهوما آخر غير مرتبط لا بالمكان ولا بالفضاء، و إذا كان ارتكاب الجريمة يقتضي في سابق الأيام الانتقال من مكان إلى آخر – يعتبر هو مكان الجريمة -، فإن التطور التكنولوجي أباد هذا التجسيد المادي وبدد هذا التصور الكلاسيكي”.
وفي مضمار تقييمه للجرائم الإلكترونية قال وهبي “إن الجرائم المعلوماتية أو الجرائم المرتبكة باستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة أو الأنترنت بطبيعتها هي جرائم عابرة للقارات، لا تعترف لا بالحدود الجغرافية للدول و لا بمبررات الاختصاصات القضائية أو الأمنية. و لهذه الغاية جاءت اتفاقية بودابست لتعطي أجوبة و حلولا لمجموعة من الاشكاليات و التساؤلات التي لطالما طرحتها الدول الأعضاء و المتعلقة بالجرائم المعلوماتية. و قد أفضت اتفاقية بودابست التي تم اعتمادها في لجنة الوزراء بمجلس أوروبا بتاريخ 8 نونبر 2001 إلى توحيد السياسة الجنائية للدول الأعضاء في مجال الجريمة المعلوماتية، كما سهلت التنسيق بين مختلف السلطات الوطنية في مجال مكافحة الاجرام المعلوماتي والحد منه، إضافة إلى إرساء قواعد إجرائية للتعاون الدولي تتميز بالسرعة والفعالية و الدقة”.
وأوضح وهبي أنه وارتباطا بالوضع الإقليمي ووعيا من المملكة بدورها في التصدي للجريمة الإلكترونية، في ظل تنامي التطرف والإرهاب واعتماد الوسائط المعلوماتية التي أصبحت تحمل أضرارا اجتماعية و اقتصادية ونفسية، بل وحتى أمنية، أمام اتخاذ هذا الفضاء آلية للترويج لأطروحاتها الداعية لسفك الدماء و ترهيب الأبرياء، وهو ما دفع المغرب للانخراط مع الدول الأعضاء في اتفاقية بودابست، وهو الأمر الذي تم بتاريخ 01/10/2018 تاريخ الانضمام الرسمي للملكة للاتفاقية.
وفي هذا السياق قال وهبي “وتأكيدا على انخراط المملكة في محاربة الجريمة الالكترونية بكل هوادة، انخرطت المملكة المغربية في البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية بودابست بشأن تجريم الأفعال ذات الطبيعة العنصرية وكراهية الأجانب التي ترتكب باستعمال الأنظمة الالكترونية والتي صادقت عليها المملكة بتاريخ 29/06/2018 و دخلت حيز التطبيق بتاريخ 01 أكتوبر من نفس السنة”.
وأبرز وزير العدل مجهود الوزارة المساير لبنود الاتفاقية من خلال إعداد مسودة لقانون المسطرة الجنائية لملاءمتها مع اتفاقية “بودابست”، وأيضا إعداد مسودة للقانون الجنائي تجرم العديد من الأفعال المتعلقة بالجرائم الالكترونية، والتي كانت إلى أجل قريب تشكل تحديات كبيرة أمام القضاء المغربي.
وخلص الوزير إلى التأكد أن البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقية بودابست، يسعى إلى تعزيز التعاون والكشف عن الأدلة بين الدول الأعضاء عبر ميكانيزمات و آليات مستحدثة من شأنها وضع حد لمجموعة من الإشكاليات المتمثلة في بطء الإجراءات المترتبة عن مساطر التعاون القضائي الكلاسيكية، أو عن مساطر الانابات القضائية، إضافة إلى تعزيز قدرات الفاعلين في مجال العدالة الجنائية في كل ما يتعلق بجمع الأدلة الالكترونية، فضلا عن إتاحته و لأول مرة الامكانية للتعاون المباشر بين مزودي الخدمات وسلطات الدول الأطراف مما سيوفر الوقت والجهد في سبيل الحد من الظواهر الاجرامية المرتكبة عبر الوسائل الرقمية.
التعليقات مغلقة.