عبد السلام انويكًة
ما كانت عليه حاضرة تازة من اشعاع فكري على الأقل منذ العصر الوسيط، يجعل هويتها وكيان ومشهد
مجالها العتيق بدون معنى في غياب أضرحة متصوفتها وفقهائها وعلماءها، ومن ثمة ما هناك من أولياء
صالحين في مخيال ووجدان الأهالي الشعبي، ولعل باستثناء ما أثير من هامش نقاش على محدوديته
حول وعاء أضرحة المدينة باعتبارها تراثا محليا جديرا بالعناية، على هامش موعد علمي غير مسبوق
هو الأول والأخير قبل حوالي ربع قرن ويتعلق الأمر بالملتقى الأول للمدينة العتيقة بتازة، وقد حمل
شعارا طموحا بقدر كبير من الوعي التراثي المحلي في وقته" تازة: تراث حضارة ومعمار، موعد
علمي بلورت رهانه واشغاله واطرته جمعية انقاذ المدينة العتيقة، تلك التي كانت من أثاث الفعل
الجمعوي الرصين آنذاك بالمدينة.
وبقدر ما توزع سؤال هذا اللقاء العلمي التراثي الترابي حول انقاذ تراث تازة المادي واللامادي، بقدر
تناول محاور ثلاث محاور جوهرية في علاقتها بهذا الإشكال، أولا قضية المدينة العتيقة تازة كإرث
حضاري مغربي اصيل، ثانيا مسألة اندماج وادماج المجال العتيق لتازة ضمن تراب المدينة الحضري
العام، ثم أخيرا قضية استراتيجية وآليات وسبل التدخل لإنقاذ هذا الوعاء العتيق باعتباره ذخيرة وطنية
وانسانية في شموليته. ولعل تعدد مداخلات وتنوع مقاربات باحثين متدخلين ممن أثث هذا الملتقى في
نسخته الأولى والأخيرة مع الأسف، كان بأثر معبر في تشخيص واقع حال مدينة عتيقة مع حديث عن
تجارب وسبل انقاذ في علاقتها باكراهات معطى عقاري، ومعه واقع وخصوصية معالم أثرية بطبع
انساني خاص، تجمع بين جوامح ومدارس ودروب ومرافق عامة وزوايا وأضرحة وغيرها مما تزخر
به روح تازة العتيقة.
ملتقى تازة الأول حول المدينة العتيقة هذا الذي من المفيد جداً احياءه، انتهى بنقاشات وطروحات بقدر
عال من الأهمية آنذاك، لم تغب عنها ما يخص أهمية العناية بالرصيد التراثي المحلي الرمزي الثقافي
الأصيل، كما الحال بالنسبة لرمزية ما تحتويه المدينة من أضرحة صلحاء وأولياء ومتصوفة ومزارات
زوايا هنا وهناك، تلك التي تعكس ما تعكس من هوية محلية وطبيعة انتماء ثقافي روحي ووجدان شعبي
في جميع الأحول كذاكرة ومشترك جمعي. وغير خاف ما يرتبط بهذه المكونات الرمزية الثقافية التراثية،
من انسانية انسان وقيم حياة وتعاون وتآزر وتعايش ووسطية وغيرها.
إن ما تحتويه تازة من مشاهد امتداد زمن تراث رمزي ووجود فكري ومن أضرحة فقهاء متصوفة كانوا
بما كانوا عليه من صدى واشعاع وتفاعل في الماضي، يقتضي ما ينبغي من ترميم وصيانة وحماية
عرفانا لِما كان عليه متصوفة وفقهاء وعلماء وصلحاء هذه المدينة العتيقة عبر الأزمنة، وعرفانا لهم
ايضا بما كانوا عليه من نشر فكر وثقافة وإشاعة قيم إنسانية بنوع من الخصوصية والكونية، تلك التي
جعلت المغرب بما هو عليه الآن من طابع انفتاح ومكانة حضارية بين دول العالم. فأضرحة صلحاء
ومتصوفة تازة العتيقة وهذه المشاهد الروحية المرتبطة والمنتصبة هنا وهناك، هي أرشيف مادي يترجم
مجد من تميز من رجالات تازة بالأمس ومن ثمة المغرب، ليس فقط في مجال التصوف والصوفية انما
ايضا في مجال الأدب التاريخ والفكر والفقه والعلوم والقراءات وغيرها. مجد واسهامات تستحق ما
ينبغي من توثيق وبحث ودراسة وابراز وعناية بأضرحة هؤلاء، عوض ما يشاهد من واقع اهمال ولا
مبالاة ومناظر مقززة تطرح اكثر من سؤال. علما أن تراث تازة الفكري العلمي الحضاري يعود في
امتداداته الى العصر الوسيط، ما يجعل هذه الحاضرة التي كانت بفترة ذهبية خلاله بمكانة خاصة
لعلمائها ومتصوفتها في خريطة ارث المغرب الثقافي الأصيل.
إن اضرحة صلحاء تازة جزء من ذات هذه الحاضرة التي الآن تراثا وطنيا، وهي ايضا جزء من ثقافة
تلاقح بين الأجيال وآلية هوية محلية ووطنية، من المفيد أن تكون بوعي وتدخل التفات خاص من قبل
الجميع كل من موقعه وكما يقال من لا تاريخ ولا تراث له لا حاضر ولا مستقبل له. وعليه، لتجاوز ما
هو عليه من واقع حال، من المفيد فضلا عن انقاذ هذا الارث المادي واللامادي، الانفتاح أكثر على سبل
ادماج تراث المدينة الرمزي في ورش التنمية المحلية، وعندما نتحدث عن صورة تراث تازة فهي في
شموليتها بما في ذلك أضرحة صلحاء وعلماء ومتصوفة المدينة، وما تستحقه هذه الأضرحة كمكونات
هوياتية من تقدير واعتبار وحرمة، عوض مشهد خراب وعبث واهمال، ولعل واقع ضريح سيدي عيسى
ومقبرته تغني عن أي وكل وصف وتعبير، وشتان بين حال وأحوال ورمزية ضريح هذا الولي الصالح
قبل أزيد من قرن من الزمن وحلال فترة الحماية الأجنبية، وبين ما هو عليه الآن من وضع يدعو للشفقة
بالنظر لِما آلت اليه معالم المدينة الأثرية ومنها أحوال اوليائها الصالحين.
جدير بالاشارة الى أن ممن ينبغي أن يكون بدور وأثر ومقترح يخص سبل حماية تراث المدينة عموما،
هناك المجتمع المدني الذي لا شك أن من شأن وجود ووقع رصين له أن يكون بقدر معين داعم في
انجاح ورش حماية ذخيرة هذا الارث الرمزي الوطني، فضلا عن تشارك وترافع بقدرة اقتراحية هادفة
متبصرة واستشرافية، لجعله ضمن هاجس فكر وتدبير وقناعة تنمية محلية تأخذ بعين العناية صالح مدينة
وصالح بلاد وعباد.
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث
التعليقات مغلقة.