أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

تازة: الفعل الثقافي الابداعي بالمدينة وواقع تراجعات معبرة خلال السنوات الأخيرة ..

عبد السلام انويكًة

 

في تقدير مساحة واسعة من مثقفين ومبدعين فاعلين ومهتمين ومتتبعين، لم يعد شأن الثقافة والابداع بتازة كما كان عندما فقد ما فقد من بريق اشعاع وسلطة رمزية وهيبة وحضور ونوعية أنشطة ومواعيد ودور في التنمية المحلية كان عليه الى عهد قريب.

 

وفي أعين الكثير من هؤلاء ايضا بات وجود هذا القطاع كعدم وجوده، على اساس ما ينبغي من حصيلة ليست سوى اضافات محدودة في سوادها الأعظم تعود لفترة سابقة وهي انجازات ومشاريع مصالح وهيئات محلية كانت مبرمجة.

هكذا هو فعل ومشهد الثقافة، في غياب برامج بمرجعية ترابية ورؤية واضحة منسجمة مع ما يطبع الاقليم من موارد وغنى وتميزات.

وغير خاف أن قطاع الثقافة بتازة كان يضرب به المثل لِما كان عليه من ديناميته وطنيا الى عهد قريب، وعلى اساس ما كان عليه من حضور عبر كل تفاعلاته وتجلياته الابداعية ومواعيده منذ تسعينات القرن الماضي والأرشيف يشهد.

فقد كانت ثقافة تازة ومثقفيها ومجتمعها المدني المبدع، ليس فقط أنشطة متجددة ومواكبة، بل مواعيد وملتقيات ببعد ورسائل وتيمات بقدر كبير من الأهمية لفائدة كل بناء وتكوين وتأهيل وفرجة وأدوار في النماء المحلي، عبر ما كان قائما من تدافع ابداعي في كل المجالات ومنها المسرح مثلا.

كما أن قطاع الثقافة بتازة كان الى عهد قريب عبر مصالحه الفاعلة عن هذا وذاك من المعنيين به، أداة محركة نظرا لِما كان يطبع المدينة على امتداد فصولها من أنشطة ثقافية هادفة منسجمة مع فترات السنة، وقد جمعت بين مهرجانات اقليمية ووطنية مستحضرة كل الطيف الفني والابداعي الثقافي، فالمسرح لوحده مثلا كان الى عهد قريب فعلا ثقافيا بارزا بصدى واسع، قبل أن ينزل سهمه وموقعه خلال السنوات الأخيرة الى أسفل سافلين، بعدما حصل من تشتت في مكوناته وأسمائه المتميزة وتجاربه اللامعة، التي منها من اختار وجهات أخرى بعيدا عما باتت عليه الثقافة بالمدينة، ومنها المسرح، من واقع باهت.

لقد كانت تازة الى عهد قريب تجد ملاذها وسبيلها فيما هو اشعاع ثقافي مؤسساتي لرفع صوتها عاليا، من خلال ما كان يوفره قطاع الثقافة بالمدينة والاقليم من دفئ وحرارة ابداع لمبدعين ومثقفين ولجمعيات مجتمع مدني، ومنها فروع منظمات وطنية من قبيل فرع “اتحاد كتاب المغرب” مثلا، وكانت الحركة الثقافة بتميز ليس فقط في تجديدها وتجددها وإنما فيما كانت تتيحه من فرص تنافس رافع بين مبدعين ومثقفين وجمعيات موازية، ومن ثمة ما كان من جودة فعل هادف وخدمة ثقافية للتنمية المحلية، وايضا من أنشطة بقدر كبير من روح فكر وجدل وتكامل ونوع جامع لمختلف مكونات مشهد ثقافي محلي، تسربت اليه مع الأسف الشديد، خلال السنوات الأخيرة، كل تجليات البرودة والنمطية والاجترار، فضلا عن جفاف ثقافة وابداع، اللهم ما يسجل وما بات ينعت من قبل رأي عام محلي واسع بالضجيج؛ بحيث لم ينجح قطاع الثقافة في تازة بكل مكوناته المعنية، هيئات منتخبة ومصالح معنية ومجتمع مدني وفاعلين انفسهم، من ضخ روح من شأنها ارجاع ما كانت عليه المدينة من ايقاع ثقافي الى عهد قريب، ذلك الذي كانت عليه تازة من مسرح وسينما وموسيقى وفنون تشكيلية وانشطة ابداعية تعبيرية ومواعيد وطنية كبرى.

على العكس من ذلك وعوض التفكير فيما ينبغي من محتوى وبرمجة سنوية جادة لفائدة ثقافة رافعة، حصل تعايش وتطبيع مع أنشطة بهرجة بتعبير كثير من المعنيين، فضلا عن نمط تدبير وعناوين وتيمات مهترئة، لدرجة سير بالثقافة والابداع وبتراكمات المدينة في هذا الاطار على امتداد عقود من الزمن الى تفاهات ومتاهات لا غير.

ولا يمكن القفز فوق واقع واحوال الثقافة بالمدينة وما بلغته من تراجعات معبرة غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، عن طبيعة ما هناك من تدبير ومن تحديات تخص ما هو قدرة وتجديد من اجل كل اضافة وفائدة وأثر على أرض الواقع؛ لدرجة تساؤل الرأي العام الواسع حول ماذا قدم الجهاز الوصي على التدبير الثقافي بالإقليم، خلال السنوات الأخيرة، كقيمة مضافة للقطاع؟، وحول ما هناك من تدبير انفرادي عوض ما ينبغي من تشارك وتنويع أدوار ووجوه وتجارب وفق ما ينبغي أن تكون عليه الادارة والتدبير العمومي الثقافي من حيادية؟.

وحول ما حصل من انحسار ثقافي محلي قد يكون نتاج عقليات تدبير كان ينبغي ان تكون منفتحة لتحقيق ما هو منشود من القطاع، وعيا بأن الثقافة أداة من شأنها أن تكون بدور رافع للتنمية المحلية ومن ثمة لتنمية الوطن.

عوض ما بلغه هذا المجال الحيوى من بؤس خلال السنوات الأخيرة، والذي يرى البعض من المتتبعين أن اسلوب أداءه أعاد تازة الى الخلف بعدما كانت عليه من صدى ثقافي ابداعي وطني.

اين هي تازة الآن ومنذ عدة سنوات من شعار الثقافة والابداع، ومن برامج الوزارة الوصية المنشودة، ومن رهانات البعد الجهوي والجهوية ودور الثقافة في الورش الترابي الوطني الاستراتيجي، وأي وعي بهذا وذاك في تدبير القطاع؟، وأية إنجازات منسجمة مع توجهات الوزارة الوصية والجهوية المنشودة وخدمة الثقافة للتنمية الترابية؟، أين تازة من كل هذا وذاك ثقافيا، ما دامت المدينة هي بحصيلة متواضعة جدا طيلة هذه المدة؟، وكيف يمكن للثقافة بتازة أن تسترجع مجدها وحيويتها وأن تسهم بما يفيد من موقعها باعتبارها شأنا عموميا، في اشعاع الاقليم وتسويق ما هو عليه من مؤهلات واسعة ومن تراث مادي ولا مادي متفرد، عوض ما هناك من تجليات لا تسمح بإبراز طاقات المدينة، ولا بضخ دماء جديدة وبرامج رافعة وعوض ما هناك من تكرار بات مألوفا.

وإذا كان ما ينبغي من حرص في تدبير الشأن محليا، فهو التجويد ومقاومة كل تفاهة وبهرجة وهدر للمال العام مع ما ينبغي من حكامة جيدة وشفافية وجديد انشطة، من شأنه ابراز ما يدفع باتجاه تقوية صدى المنطقة الثقافي وطنيا.

هكذا نعتقد ما كان ينبغي أن تكون عليه الثقافة بتازة، من حيث خدماتها وموقعها وبرامجها واسهاماتها، لجعل موارد الاقليم في خدمة ما هو محلي وجهوي، ومن خلالهما في خدمة ما هناك من أوراش ترابية ورهانات استراتيجية وطنية كبرى، فهل حقا هوى هذا المجال الثقافي والابداعي بتازة الى اسفل سافلين؟، وهل بات فعل المدينة الثقافي والابداعي بدون لا لون ولا طعم ولا رائحة خلال السنوات الأخيرة؟.

التعليقات مغلقة.