صرخة ماض لحفظ ما ينبغي من شاهد ومشهد خوفا مما قد يطويه جدل مجتمع وما قد يحصل من طمس ونسيان وشرخ وسوء تقدير، تلك هي سِيَر الذَّاتِ عموما، ومنها سير فنانين مسرحيين سينمائيين، والتي ليست أيضا سوى سلاح سفر وحرية ونداء ومساحة تفكير وعمل ترميم. ولعل بقدر ما هذه السِير هي تأسيس لعالم ما، ورغبة ما، وحلم وأفق ما، بقدر ما هي نبش وبوح عبر عرض وترتيب محطات تجربة حياة.
وغير خاف عن المهتمين والباحثين كون سِيَر الذات بمعنى من المعاني هي تأملات وقراءات وفضاء رحلات وجود، ومن ثمة نصوص على درجة من الأهمية والأثر صوب ما ينبغي من تلاقح طبائع وهوية مسارات ورؤى، يسجل أنها لا تزال بخجل تعبيرا والتفاتا وانصاتا.
ذلك أنه بقدر ما يحكم حال وأحوال وسياقات هذه السير على تباين نهجها ووقعها، بقدر ما من شأن كائنها على ندرته أن يكون بوقع رافع بين الميكرو والماكرو في العلاقة بين جدل سلف وخلف؛ ما قد يحصل معه من فهم أهم لتحولات مجتمع وايقاع سيرورات دهنيات وعقليات وظواهر انسانية، من خلال تقاطع مؤشر زمن فرد مع مؤشر زمن محيط.
ولا شك أن ذاكرة نخب الفن من مسرحين وسينمائيين، تشكل مداخل هامة لإغناء أثاث وجدل وعلاقة المسرح بالسينما، فقد استفادت واستعانت هذه الأخيرة في نشأتها بكبار الممثلين المسرحيين كما هو خاف عن المعنيين والباحثين، وكما يذكر “ادغار موران” السوسيولوجي الفرنسي في مؤلفه “نجوم السينما”، ذلك الذي أطر يوما ندوة افتتاح مهرجان طنجة الوطني للسينما المغربية، في شأن تاريخ الفن وتياراته ونظرياته النقدية، بل ترأس لجنة تحكيم دورة 2012، وكان بما كان عليه في هذا الموعد من إثارة وردود فعل ونظر وجدل.
إشارات ارتأينا أنها ذات أهمية وعلاقة، لإثارة قيمة سير نخب الإبداع والثقافة والفن هنا وهناك، ومنهم مسرحيين وسينمائيين صوب ما ينبغي من تلاقح نهج ووعي ومسار، فضلا عن السؤال عما ينبغي أن يطبع نقاش هؤلاء على تباين تجاربهم فلسفة قناعتهم، وما ينبغي أيضا أن يشغل بال ما هناك من نقاد ومخرجين وممثلين ومصورين وتقنيين.. كذا مهتمين تجاه قضايا المجال الكبرى، من قبيل وقع وواقعية تيمات ودرجة تناغم طرح وطروحات كذا طبيعة كتابة ونصوص وتخصصات ونجاعة وفرجة وتشارك وتجويد..، ومن ثمة قيمة انتاج وآليات فعل ومقامات ملتقيات وغيرها. ناهيك عن سؤال بدايات وحال وانتظارات ومجازفات واثارات وردود. دون قفز طبعا عن سؤال وعاء خزانة فنية من سِير مسرحيين وسينمائيين مغاربة، يسجل أنه رغم ما هي عليه من اضافات تخص المجال، هناك بياضات لا تزال بحاجة لمزيد من بادرة وشجاعة ادبية في أفق جمع شتات إرث جمعي رمزي وايقاع تجارب فاعلين، من شأنها ابراز وفرز خطوط تحرير وطبيعة مسارات ومن ثمة ما ينبغي من تنوير وحفز على أساس ماض واسهامات أعلام ماض.
الى حين ما ينبغي من أفق في هذا الاطار والى حين سير ذاتية مغربية أوسع مع إقبال معبر على قراءة تجارب فاعلين سينمائيين مغاربة هنا وهناك، وفق ما ينبغي من وعي وتوثيق وجسور تواصل بين وقع ماض مسرحي وسينمائي مغربي وطبيعة حاضر ورهان مستقبل، ارتأت تازة من خلال علامة رصينة عن فعلها الجمعوي”نادي المسرح والسينما”، ذلك الذي ارتبط اسمه منذ سنوات بتقليد سينمائي وطني سنوي موسوم ب: “سينما الهواء الطلق”. ارتأت تازة المدينة والمثقف والثقافة والمسرح والسينما احتفاء ربيعيا، تثمينا منها وحضنا منها وانصاتا منها لسيرة ذات ابداعية سينمائية متميزة موسومة ب”بالأبيض والأسود” لمؤلفها الفنان والممثل القدير نور الدين بنكيران، احتفاء جاء إعلانا من نادي المسرح والسينما بتازة، عن افتتاح موسمه الثقافي إعداداً واستعداداً منه للاحتفاء بذاته وكيانه وأحلامه كذا بمرور عقدٍ من زمن فعله وتفاعله وعطاءه وتميزه واشعاعه.
ولعل ضيف حفل تازة هذا ليس بغريب وقع، فهو نص شامخ يجمع صفحات نصف قرن من فعل وجذب وتجاذب في شعاب الدراما المغربية، وهو نص شامخ أيضا يعكس زمن ومسار مبدعٍ ممثل فنان مقتدر زاوج بين أب فنون وفن سابع منذ مطلع سبعينات القرن الماضي ولا يزال، ما جعله بهيبة تجربة وطبع تعبير وأداء ومن ثمة هوية ، ذلك أنه عايش كل الطيف ودروب المجال هنا وهناك. وعليه، ما طبعه من تأثر وتأثير وأخذ وعطاء ونماء وعي وقدرة وتمرس، كذا من حس درامي جمع بين فعل وممارسة لعقود من الزمن وبين تأليف مسـرحي واخراج وكتابةِ قصةٍ وسناريو وبادرة أدبية مؤثثة، كل هذا وذاك ضمن تشارك وتدافع هنا وهناك، لا شك أنهما سبلا كانا بأثر في مساحة تجربة وخبرة ومن ثمة ما هو عليه من رمزية ومهنية وصنعة.
هكذا بنفَسِ نشأة وتنشئة قل نظيرها هو مسار الفنان “نور الدين بنكيران”، وهكذا وبإرادة ذاتٍ وروح قل نظيرها أبان هذا الأخير عن قوة شخصية فنية بلغت ما بلغت من تميز موقع وهيبة وتفرد بصمة في حقل مسرح وسينما محليا وطنيا وعربيا، وهكذا بقيم أدبٍ درامي ابداعي قل نظيره كانت طبيعة تجربة الرجل قدوة جيلٍ بل مرجعا بقدر هام من الأثر والفضل لفائدة ناشئة درب، وهكذا ايضا ما طبع مساره من عقيدة انتماء وعمل وحلم وورش، كذا من اخلاص أولا لأثاث مسقط رأس ظل دوما عنوان تعبيره وحنينه اينما حل وارتحل، وثانيا لصورة ماض وتأسيس ورفقة وفسيفساء تنشئة فضلا عن صدق خيار وقناعة ابداع من اجل ابداع لا غير.
في “بالأبيض والأسود” سيرة فنان صدرت مؤخرا عن دار النشر “سوماكرام” بالدار البيضاء في طبعة أولى، في” بالأبيض والأسود” الذي جاء بحوالي ثلاثمائة صفحة كان بوح استُهل بقول حول جدل متاهات وكائن ايام ودوران زمن، معرجا على ما يطبع فهم ومفهوم زمن الحكي من ذكاء يجعله الأقوى والآخر الأضعف، فضلا عما أثاره في مستهل جذبة سيرته الذاتية من تهافت وتخبط وخيال قوة واستقواء لا يغدو مجرد وهم، ارتآه هيهات فحسب وليس الا هيهات بين أمس ويوم مآلها أصل لا غير ومن ثمة أبيض وأسود. صرخات وخرجات وخطوات وبيوتات وبدايات وحال وأحوال ورحلات وفصول عوالم ومساحة حنين وغربة، كذا تيه وزقاق جرح وخيبات ضن ومضْيِ زمن ولون ورقص على شوك، كل هذا وذاك مشاهد ذكرى هائم هي سيرة ذات فنان مسرحي سينمائي مغربي تازي شامخ، سيرة بنبض هوية ارتآى الهائم لسفريتها وعودها ودليل مقامها لغز غربةٍ وحنين رحمة. هكذا تبسط سيرة ذاتِ الفنان نور الدين بنكيران، ذاكرة وتشعب تجربة وشجون وتماسات وبدايات ومسافات على امتداد نصف قرن من الزمن ، وفي بسطه تحضر قصة خيوط دخان وموج بحر ومولد حلم ونشأة وفعل ومنعطفات وشدو ونَزْلِ فصول.
ولعل الفنان نور الدين بنكيران الذي ارتأى نادي المسرح والسينما بتازة الا أن يؤثث له احتفاء يليق بمقامه الفني وعظمة تجربته ومساره، تثمينا واعتبارا منه لمقام مبدع فنان أنيق شامخ وحضنا منه أيضا لإسم من أسماء دراما المغرب يستحق ما ينبغي من التفات وانصات رصين ووقفة تأمل. ولعل نور الدين بنكيران مَعْلمَة وعلامة فنية في سماء مسرح وسينما المغرب، وواحدا من أعلام هاذين المجالين المكافحة التي تبلورت على ايقاع نصف قرن من التفاعل. إسم فسيفسائي وفنان بكل ما في القصة والمسار والكلمة من معنى، لِما يتملكه من طاقة فعلٍ درامي وارادة وعزيمة قل نظيرها ظهرت جلية فيما أسندت له من مهمات وأدوار ضمن أعمال تلفزيونية وسينمائية عدة مغربية وعربية رفيعة، لعلها وغيرها من سبلٍ وتدافعات شكلت مجتمعة روافد مدرسة فنية حقيقية قائمة، جعلته بما هو عليه من تجربة وخبرة وموقع فني وكاريزما مشهود له بها.
يذكر أن آخر اعمال الفنان السينمائية، ذاك الموسوم ب”الهايم”، عمل درامي كان هو مخرجه ومؤلف نصه الذي جمع بين جدل نسيان وانسانية انسان. عمل درامي رفيع توزعت مشاهده على مواقع أطلس تازة حيث ما هو أدغال وعلو وجبل وثلج وشلال وأودية، ناهيك عن عمران بيئة محيط أصيل كما قصبة امسون. “الهايم” الذي كان بأثاث طاقات سينمائية ادهشت ما ادهشت في عرض افتتاحي أول له في احدى دورات مهرجان سينما الهواء الطلق الأخيرة بتازة، ذلك التقليد الذي ينظمه نادي المسرح والسينما ودأب عليه جمهور المدينة ربيع كل سنة منذ عدة سنوات. دورة مهرجان وعرض أول افتتاحي لشريط “الهايم”، كانت قد حضرته وأشادت به أسماء سينمائية مغربية رفيعة المستوى من قبيل فاطمة بوبكًدي مخرجة سلسلة”رمانة وبرطال”، المبدعة المغربية التي نجحت في جعل تراث البلاد الرمزي بمساحة فرجة غير مسبوقة في تاريخ دراما المغرب والمغارب والعالم العربي، ناهيك عن نقاد سينمائيين ممن يُشهد لهم بتكوينهم ورصانتهم وتملكهم وتتبعهم للمجال.
جدير بالاشارة الى أن مخرج”الهايم” هذا والمحتفى به وبسيرته الذاتية ضمن فعاليات ربيع نادي المسرح والسينما بتازة لهذا المرسم، هو عضو في الفدرالية الدولية للممثلين وفي النقابة المغربية لمهني الفنون الدرامية، كان قد انفتح على عالم التمثيل مطلع سبعينات القرن الماضي عبر عشرات الأعمال المسرحية والتلفزية والسينمائية مع مساحة واسعة من كبار المخرجين المغاربة والأجانب، هذا فضلا عن اسهامات دولية درامية بكل من تونس والأردن ومصر والعراق وغيرها. ونور الدين بن كيران المحتفى به من قبل مجتمع تازة المدني من خلال جمعية نادي المسرح والسينما وذاكرة سينما الهواء الطلق، قامة فنية بتفرد طاقة وزخم كفايةٍ درامية وسمو وقْع على امتداد عقود جَمعٍ وعبرها بين ممارسة وتأليف واخراج وكتابةِ وسناريو…، وهو ما اسعفه كخبرة وتجربة لبلورة ورش واعد منذ بضع سنوات، وعليه ما بلغه من اسهامات واضافات اغنت حقل الأدب المسرحي والسينمائي بنصوص رفيعة، منها من شكل جسرا مؤسسا لحضور وتمثيل المغرب في مواعيد عدة وطنية ودولية.
يذكر أن في كيان الفنان نور الدين بنكيران الممثل القدير والوجه السينمائي المغربي المتميز، عشق حتى النخاع للفن والثقافة عموما وللمسرح خاصة منذ سبعينات القرن الماضي، ما ارتبط به في مسقط رأسه تازة كواحدة من قلاع المسرح المغربي المكافحة. وفي وصيده وجعبته أيضا أزيد من خمسين عملا مسرحيا، وهو عضو فرقة اللواء المسرحي بالمدينة نفسها باعتبارها فرقته الأم والبداية، أسس نهاية ثمانينات القرن الماضي جمعية الكوميديا وفي أواسط تسعيناته أسس رفقة دربه فرقة المسرح البلدي التي ترأسها لحوالي عقدين من الزمن، اطار جمعوي درامي تازي سمح له ولتجربته من خلال جملة اعمال مسرحية رائدة بتقديم عروض عبر عدد من المدن المغربية والدول العربية، فحصل على ما حصل ونال ما نال من جوائز وتقديرات وطنية ودولية في المجال المسرحي، تلك التي شملت هو تأليف وتمثيل، واخراج وسينوغرافيا…
وكان الفنان نور الدين بن كيران قد اختير كأحسن ممثل لعمل مشترك مغربي تونسي أواخر ثمانينات القرن الماضي، كما شارك في عديد أعمال ونصوص الدكتور عبد الكريم برشيد المسرحية بعدة محطات عربية حاز فيها على جوائز عدة تخص ما هو تشخيص وتأليف واخراج. له فيلمين قصيرين متميزين: فيلم “الهايم” الذي تم تصويرة كما سبقت الاشارة في مدينة تازة وجرسيف مع نخبة فنانين وفنانات، وقد حازت التجربة على جوائز وطنية ودولية عدة، وأما الفيلم الثاني فهو “رقص على الأشواك” وقد تم تصويره في جماعة عين الشعير اقليم فكًيكً نواحي مدينة بوعرفة وهو من انتاج المرحوم عبد الله بعزيز اخراج نورالدين بن كيران وتشخيص نخبة من المبدعين والمبدعات. كما حضر عددا من الملتقيات والمهرجانات كعضو لجنة تحكيم وكمدير فني وكعضو منظم، وله جملة اصدارات أدبية فنية درامية منها من تم توقيعها في تظاهرات وطنية ودولية. ومن نصيب كتاباته عدد من المسرحات منها مسرحية:” المنسية” التي رأت النور على خشبة المسرح المغربي مؤخرا، وهي من اخراج الفنان عبد الرحيم النسناسي وتشخيص الفنانة امنة البطاش، كذا مسرحية “عيشة كونتيسا” اخراج الفنان المتميز سعيد غزالة ومسرحية، كذا مسرحية “دار الرضواني” اخراج الفنان يوسف الساسي وتشخيص فرقة الفضاء المسرحي بمدينة القنيطرة.
والفنان نور الدين بنكران المحتفى به بتازة اثر صدور سيرته الذاتية، يرتبط بأعمال مسرحية عدة كممثل منها على سبيل الذكر مسرحية “مونامي” تأليف الأستاذ ادريس طيطي واخراج المبدع سعيد غزالة، مسرحية “ضجر” من تأليف واخراج المبدع عبد الرحمن بن دحو، مسرحية “الحكرة” من تأليف الأستاذة بديعة الراضي واخراج المبدع محمد الزيات. وغير خاف عن مهتم متتبع أن للفنان نور الدين بنكران حضور في عدد من المسلسلات التلفزية المغربية على امتداد سنوات من فعل وتفاعل، آخرها مسلسل “دار السلعة” من اخرج المبدع محمد مونة، ومسلسل “الغريبة” من اخراج المبدعة جميلة البرجي، ومسلسل “باب البحر” من اخراج المبدع شوقي العوفير، ومسلسل “سلمات ابو البنات” من اخراج المبدع هشام الجباري، فضلا عن فيلم وثائقي بعنوان “عبق من تراث” من انتاج القناة الأولى المغربية.
ولعل من المفيد الاشارة الى أن مسرحية”المنسية” للفنان نور الدين بن كيران، تمثل المغرب رسميا في سماء المهرجان الدولي للمنودراما قرطاج بتونس خلال ربيع هذه السنة. علما أن ادارة المهرجان الدولي للمنودراما بقرطاج هذا توصلت بحوالي مائة عمل مسرحي من كافة دول العالم، ليتم انتقاء واحد وثلاثين عمل فقط منها للمشاركة في المسابقة الشرفية، كذا أربعة عشرة عمل فقط للمسابقة الرسمية منها المسرحية المغربية الموسومة ب”المنسية”. وهي هي عمل درامي من تأليف الأستاذ نورالدين بن كيران سينوغرافيا واخراج الأستاذ عبد الرحيم النسناسي تشخيص الفنانة أمينة بطاش تقديم وعرض وتشخيص فرقة القناع الأزرق للمسرح والثقافة بالجديدة، وهي من قلاع الدراما المغربية التي يعود تأسسها لنهاية ثمانينات القرن الماضي والتي توجد على ايقاع هام من اسهامات وتراكمات رفيعة، بقيادة وادارة عبد الرحيم النسناسي أحد رواد ومخرجي المسرح الفردي والجماعي المتميزين، مع اهمية الاشارة هنا لما يطبع هذه الفرقة التي يرتبط بها الفنان نور الدين بنكيران من اشعاع وتفاعل، لما قدمته من عروض سواء داخل المغرب أو خارجه مثل الجزائر وتونس ولبنان وفرنسا والمانيا واليابان وبلجيكا واسبانيا وغيرها..
يسجل ختاما نادي المسرح والسينما ولربيع موسمه الثقافي لهذه السنة، انه كان في الموعد مع بصمة فنية مسرحية سينمائية مغربية وعربية رفيعة مقاما ومسارا وخطوة وموهبة. اسم بقدر كبير من غنى نفس وانسانية انسان عن زمن نبوغ ومدارس دراما، كانت بما كانت عليه من أثاث وتأثيث وفرجة ونبل ووطن. ولا شك أن الاحتفاء بسيرة الفنان نور الدين بنكيران في مسقط رأسه هو بوقع وجداني خاص، كذا بعميق دلالة واعتبار وحضن وجميل اعتراف وحفز، لِما لتازة في كيان الرجل وبخاصة منها العتيقة كدروب وأزقة ومشور وابواب ومعالم وأعلام وأحبة ومخيال، من وقع ملأ تدفقات وتقاسيم سيرته الذاتية، التي بقدر ما تستحق تنويها ووقفة اجلال لشجاعتها الأدبية، بقدر ما تعد قيمة مضافة بقدر عال من الأهمية لخزانة تازة والمغرب المسرحية. ونعتقد أن سيرة الفنان نور الدين بنكيران ومن خلالها سِيَر ذات فنانين مسرحيين وسينمائيين، مكامن تجارب وهويات زاخرة بمخزون تمثلات واحالات ومتغيرات وتجليات رافعة، من أجل جسور تلاقح بين سلف وخلف صوب ما ينبغي من نماء ومعان وتخصيب على أساس ما هناك من ارث. ولعل سيَرُ السَّلف بقدر هام من الأهمية كموارد زمن جمعي رمزي، ذلك أن ما تحتويه من اشارات ومشهد فيه من نبض ما هو داعم لنَفَسٍ استمرارية وابداع واشعاع ووقع وموقع ونوع في الدراما المغربية، تلك التي كانت دوما بأزمنة وعلامات ونبل رسالة ونهج جدل وسبل تعبير وقراءات.
التعليقات مغلقة.