أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

 تازة : من أرشيف تصوفٍ شعبي ومشاهد أضرحةِ متصوفة

عبد السلام انويكًة

 

ما حصل من التفات كتابة تاريخية حديثة صوب زمن مدن المغرب العتيقة خلال العقدين الأخيرين، ومن هذه المدن ما يسجل لفائدة تاريخ وتراث مدينة تازة، لا شك أنه كان بأثر معبر في إغناء مقروء من جهة ونصوص خزانة تراثية مغربية من جهة ثانية، إن في اطار ما أنجر ضمن أعمال بحثية بقدر معبر من الأهمية أو ما تحقق من قيمة مضافة عبر اجتهاد واسهامات مهتمين ناشطين وفاعلين. وبقدر ما كان ما تراكم بنوع من تباين مبحث وسؤال تاريخي تجاه منعطفات ومحطات ووقائع محلية ومكونات رمزية، بقدر ما استفاد هذا التراكم من شروط معرفية متدفقة داعمة فضلا عن نهج علمي وجوانب جاذبة عدة.

 

سياق كان موضع تثمين وتحفيز عدد من مكونات المجتمع المدني الفكري البحثي كما بالنسبة لمركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث، من خلال دعوته لمزيد من العناية والانصات لتاريخ وتراث المدن العتيقة عموما وتاريخ وتراث تازة خاصة، وفق ما ينبغي من طبيعة موضوع وموضوعية ومعايير نبش.

وغير خاف أن من شأن مسلك بحثي بتطلعات محددة أن يكون بأثر فيما يجب من اعتبار لحواضر البلاد الأصيلة التراثية، ومنها حاضرة تازة التي تحفل بأحداث وتطورات عدة ومتداخلة كانت بصدى في حينها منذ العصر الوسيط، وهو ما لا نجده بما ينبغي من مقاربة وانصات شاف في ثنايا ما هو حديث من أبحاث ودراسات.

 

ولعل جزء مما يطبع مدن المغرب العتيقة من إرث واسع على مستوى مجالها الأصيل، يحيلنا على مساحة مقدس وتمثلات روحية شعبية، تلك التي بقدر ما تجمع بين رمزية جوامع ومساجد وزوايا وأضرحة صلحاء ومتصوفة وغيرهم، بقدر ما تدفع للسؤال حول تاريخ المدينة الثقافي الذي يخص ما هو ذهنيات وعقليات وشواهد وغرائبية واعتقاد وقناعات وغيرها.

 

ولا شك أن ما يتقاسم روح هذه المدن التاريخية وروح دروبها وأزقتها من أضرحة صلحاء على امتداد قرون من الزمن، هو إرث وذاكرة بخصوصية وهوية ثقافية في علاقة حاضر بماض وعلاقة خلف بسلف. مع أهمية الإشارة لِما بات عليه موضوع الذاكرة عموما من عناية أبحاث تاريخية وسسيولوجية وانتروبولوجية حديثة، ولِما بات ضمنه لأضرحة الصلحاء كمكون ثقافي من مرجعية ووظيفية لدرجة حضور موت في خدمة حياة كما يذكر الأستاذ عبد الأحد السبتي، ولدرجة كون التاريخ معنى من المعاني تاريخ معاصر في جميع الأحوال كما في فهم لوسيان فيبفر.

 

وضمن مدن المغرب العتيقة، يسجل أنه رغم ما هو عليه إرث تازة الرمزي الروحي من أهمية وما يطبع وعاءه من جذب وإغراء بنبش وجمع وتعريف واضافة وتحليل وابراز وتنوير، فهو لا يزال بنصوص في حكم النادر دون ما ينبغي من إقبال دارسين وباحثين ومهتمين. لدرجة قد يجد المهتم بالموضوع نفسه أمام بياضات ومتاهات، لشدة ما هناك من غموض جوانب وجهل بمواقع وعناوين وأسماء وتباين رواية فضلا عن تأويل وقراءات.

 

وغير خاف كما شأن عدد من مدن البلاد حيث مساحات روحية عدة عالقة شاهدة هنا وهناك، أن ما تحضنه تازة من أضرحة صلحاء وعلماء وفقهاء ومتصوفة رغم ما هناك من تحولات مجتمعية وتدفقات قيم جديدة، لا يزال بمكانة وهيبة خاصة لدى الأهالي. وأن ما يرتبط بهذه الأضرحة من تقاليد وعادات، يكاد كائنها كطقوس يتشابه في كل جهات وبوادي ومدن البلاد العتيقة منها طبعا، فضلا عما هناك من تقاليد زيارات مؤثثة ودعاء ولمس وهبة وهدايا وغيرها، ناهيك عما يحصل من حين لآخر من احتفاء وقراءات قرآنية وذكر ومديح وسماع. بل ما لا يزال يطبع بعض أضرحة تازة من ذبيحة وما يتم من طواف عبر دروب وأزقة خلال عيد المولد النبوي مثلا، لجمع تبرعات حفل وموسم واحتفاء. واذا كانت بلاد المشرق أرض أنبياء ورسل، فإن المغرب بلد أولياء وصلحاء.

التعليقات مغلقة.