سلط المشاركون في الندوة العلمية، المنظمة على مدار يومي الأربعاء والخميس 25 -26 ماي الجاري بتازة، من طرف الكلية المتعددة التخصصات، مختبر المجال، التاريخ، الدينامية والتنمية المستدامة، الضوء على المناطق الهشة، من خلال الموروث والأخطار وأشكال التدبير، حوض إيناون نموذجا.
ويأتي تنظيم هذه الندوة العلمية، التي تعرف مشاركة مجموعة من الأساتذة الباحثين والمهتمين والطلبة الباحثين، وشخصيات بارزة ومسؤولين وخبراء وطنيين ودوليين في الميدان، لبحث العديد من القضايا التي تميز المناطق الهشة بصفة عامة، وحوض إيناون بصفة خاصة.
وتميزت أشغال هذه الندوة، بتعميق النقاش في دراسة الموضوع وفق مقاربة تاريخية تسعى لدراسة بعض الإشكاليات التي يطرحها حوض إيناون بتركيبته القبلية، ومن أبرزها تغييب أغلب النصوص المصدرية التقليدية لهذا المجال، وإزاحته من دائرة الضوء، على اعتبار أنه من القضايا التي تستحق الكثير من التحليل والبحث، لما ارتبط بعلاقة قبائل “إيناون” فيما بينها، ومستويات علاقاتها كقبائل هامشية طرفية بالسُّلَط المركزية المتعاقبة على حكم المغرب، وذلك بالنظر لتاريخها الحافل بالأحداث، وطبيعة العلاقة التي كانت بينها، سواء في فترات السلم والانفراج أو في أوقات الصراع والأزمات.
وتضمن برنامج هذا اللقاء ثلاث جلسات علمية، ناقش خلالها المشاركون، مجموعة من المواضيع والتي همت: الهشاشة المجالية والمجتمعية، المؤشرات والمقاربات التقييمية؛ المناطق الهشة وتدبير الموارد الترابية والأخطار الطبيعية؛ حركية السفوح بالمناطق الهشة بين هشاشة الأوساط والاكراهات الطبيعية واستغلال الإنسان للمجال؛ تأثير التباينات المناخية على المجال والإنسان بالمجالات الهشة؛ الاقتصاد التضامني بالمناطق الهشة؛ رافعة للتنمية المستدامة.
وقد تطرق المشاركون إلى الموارد الطبيعية بحوض “إيناون”: التدبير والتحولات وتشكيل المجال؛ السكان والسكن بحوض “إيناون”: التثمين والتأهيل وسبل تحقيق التنمية؛ البنيات التحتية رافعة التسويق الترابي بحوض “إيناون”؛ مكانة حوض “إيناون” من النموذج التنموي الجديد؛ المؤسسة الترابية رافعة لتأهيل الرأسمال البشري وتحقيق التنمية بحوض “إيناون”.
كما تم تسليط الضوء على حوض “إيناون” كمجال جغرافي تاريخي لحركة البشر والسلع والأفكار، وممر تازة كأداة من أدوات المخزن لمراقبة المنطقة وإخضاعها؛ التغيرات والتحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها منطقة “إيناون” عبر تاريخها الطويل؛ علاقة السلطة المركزية بالمجالات الهامشية بالمغرب: أنموذج حوض “إيناون”؛ وسائل وآليات ربط مجالات “إيناون” كأطراف هامشية بالحكم المركزي؛ علاقة “تازة” كحاضرة هامشية بمجالها القبلي المتنوع.
وفي تصريح للدكتور “حسن بوكى”، عميد الكلية المتعددة التخصصات بتازة بالنيابة، قال إن الموضوع يعد من مواضيع الساعة، على اعتبار ان حوض “إيناون” يعتبر من بين الأحواض المهمة بالمنطقة باعتباره أحد الروافد المهمة على أكبر نهر بالبلاد، والموضوع يلامس من جوانب متعددة موضوع البيئة والماء على الخصوص، والذي بدأ يستأثر باهتمام كبير لدى الجميع خصوصا بعد توالي سنوات الجفاف، وظهور نقص في المياه الناجمة عن التقلبات المناخية التي تعرفها الكرة الأرضية بصفة عامة.
وأضاف، كما تعلمون فموضوع البيئة والماء هو موضوع لا بد من التعاطي معه لكونه دائما يستقطب أهمية وجود الماء للأفراد والجماعات، وأعان على إقامة مجتمعات، وإرساء قواعدها، ونشوء التجمعات السكنية بالقرب من الموارد المائية الطبيعية التي تشمل كل نظم الحياة (الزراعة والصناعة والتجارة …)
واستكمل قائلا، إن حوض “إيناون” لا يشكل الاستثناء، حيث عرف عبر العصور نشوء عدة حضارات انتجت تجمعات سكنية مهمة سواء كانت حضرية أو قروية، إلا أن الزيادة السكانية والتوسع العمراني، وارتفاع مستوى المعيشة، والنمو الاقتصادي والصناعي بالمنطقة، كلها عناصر ساهمت في زيادة الضغط على البيئة الطبيعية، وشكلت تهديدا للأجيال القادمة، ولضمان استمرارية الحياة والعيش والتقدم، وبالتالي وجب التفكير في التخفيف من استعمال الموارد الطبيعية، واسعمالها بالشكل الأنسب لضمان حق الأجيال القادمة في هذه المواد الآخذة في النفاذ إذا لم يحسن استخدامها.
وأضوح أن منطقة حوض “إيناون” تعتبر موقعا استراتيجيا مهما جدا، وتعد بمثابة جسر يربط شرق البلاد بغربه، وهو ما جعلها تلعب دورا مهما في تاريخ المغرب، بل في شمال افريقيا، حيث ساهمت بشكل كبير في نشأة الدولة الحديثة.
وفي هذا الإطار، تندرج هذه الندوة التي أحاطت بالموضوع من جوانب متعددة والتي تضمنتها أرضية الندوة.
من جهته قال الدكتور “محمد أبهرور”، رئيس مختبر المجال، التاريخ، الدينامية والتنمية المستدامة، إن موضوع الندوة هام، فالمجال المغربي يعرف انتشار مجالات هشة شاسعة، نتيجة تداخل عوامل طبيعية وبشرية، وبالدرجة الأولى نجد تأثير التغيرات المناخية التي تقلق العالم ككل، فالمجال المغربي يعرف سيادة النطاقات البيو -مناخية غير الملائمة، حيث أن حوالي 70 بالمئة من المجال المغربي يعرف مناخا صحراويا، ومناخ شبه جاف، إضافة إلى التجزيئ التضاريسي وسيادة الأتربة الضعيفة التطور، وتراجع المساحات الغابوية، الشيء الذي يساهم في تدهور المجالات الصالحة للاستغلال، وهو ما أصبح يهدد التراب الوطني بمجموعة من الأخطار، والمتمثلة بالأساس في انجراف التربة، والحرائق الغابوية، والفيضانات، والانزلاقات، إضافة إلى إشكالية الفقر والتوزيع المتباين للموارد والبنيات التحتية للمناطق المغربية.
وأضاف، أن حوض “إيناون” لا يخرج عن هذه النطاقات، واختيار هذا الحوض جاء لعدة اعتبارات، أولها، تواجد المؤسسة داخل هذا النطاق، كما أن اهتمامات أغلب الأساتذة بالمختبر والانشغالات العلمية للطلبة على مستوى جميع الأبحاث تنصب حول حوض “إيناون”؛ فرغم هذه الأهمية على مستوى الخصوصيات الطبيعية والمؤهلات السياحية والبشرية والمكانة التاريخية للحوض في تاريخ المغرب، فإنه يعاني من مجموعة من الاختلالات في مجالات عدة بسبب الهشاشة التي يعاني منها، سواء من الناحية الطبيعية، حيث يضم كل مظاهر الهشاشة نتيجة عدم انتظام التساقطات المطرية زمانيا ومكانيا، والتجزيئ التضاريسي، وسيادة التكونات السطحية الهشة، وأتربة غير متوازنة، بالإضافة إلى الاستغلال المفرط، الشيء الذي ساهم في تعدد أشكال تدهور التربة خاصة الجزء المنتمي إلى مقدمة الريف، والريف، حيث تقدر كميات فقدان التربة بالريف بأكثر من 20 طن بالهكتار، وما بين 10 و20 طن بالهكتار بمقدمة الريف سنويا، حسب المخطط الوطني لتهيئة الأحواض المائية لسنة 1999.
ثم إشكاليات الفيضانات التي تهدد التجمعات السكنية الحضرية على طول المجاري المائية، والحركات الكتالية بما فيها الانزلاقات والانهيارات، الشيء الذي يساهم في عدم استقرار المجال، ويتطلب تدخلات مستمرة للحد من الظاهرة، والحرائق الغابوية بالجزء المنتمي للأطلس المتوسط بالشمال الشرقي على الخصوص، وكذلك تراجع المساحات الصالحة للاستغلال، هذه الوضعية ساهمت في طرد مجموعة من السكان خارج المجال، مما جعله عرضة لكل مظاهر الهشاشة الطبيعية.
وختم “محمد أبهرور” تصريحه، بأن هذه العوامل المساهمة في هشاشة المجال، ساهمت في تنظيم الندوة العلمية من أجل فك شفرات الظاهرة، وتحديد العوامل المسؤولة عنها للحد منها وتوجيه الجهات المعنية من أجل تحقيق تنمية مستدامة وحقيقية.
التعليقات مغلقة.