يسجل أنه ضمن معايير درجة تخلف أو تقدم الدول الشعوب، يدخل مستوى رعاية هذه الأخيرة لذوي الاحتياجات الخاصة أو ما يعرف ايضا بالأشخاص في وضعية اعاقة.
ولعل واقع وحاجيات هذه الفئة من المجتمع المغربي، أحيطت بعناية معبرة من انصات والتفات خلال العقدين الأخيرين، ليس فقط من حيث ما هو انساني اجتماعي بل ايضا من خلال ما أنجز حولها من دراسات وتوجه اليها من مبادرات استهدفت سبل تدخل ورعاية وحماية. فكانت هذه الفئة مساحة لجملة أوراش فضلا عن لقاءات استحضرت ما هناك من خصوصية، وكذا جوانب ذات طبيعة قانونية في أفق ما ينبغي أن يسمح لهذه الفئة من مشاركة وتأهيل وانخراط.
ولعل دستور مغرب 2011 يشكل اطارا مرجعا وطنيا صوب هذه الفئة من المجتمع، فضلا عما هناك من مرجعية دولية ممثلة في الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الأشخاص في وضعية اعاقة.
وكان ما أنجز من تقارير رسمية وطنية خلال العقدين الأخيرين، بقدر ما أبان عن معطيات عدة تخص هذه الفئة بقدر ما أبان عن تباين ما هناك من طبيعة حالات وشدتها.
وعليه، ما تم أفرزه من تصنيفات تخص هذه الفئة، ومن ثمة ما ينبغي من سبل تدخل وسياسة عمومية دامجة، من جملة ما تقتضيه أهمية توسيع وعاء وعي مجتمعي وثقافة حضن، من اجل ما ينبغي من دمج في المجتمع وبلوغ ما هو اخلاقي حقوقي، لتجاوز كل تصنيف وعزل ونظرة اجتماعية وسلوك غير مؤسس صوب هذه الفئة.
علما أن عمل الدمج يقوم كما هو غير خاف عن مهتمين مؤطرين وفاعلين في هذا المجال، على خبرات تسمح بتفاعل الأشخاص في وضعية اعاقة مع من هم عاديين، وكذا بزيادة الانسجام والتقبل الاجتماعي لهذه الفئة، بعيدا عن أية تمثلات واحكام.
هذا فضلا عن كون عمل الدمج ايضا هو السماح بفرص لهذه الفئة من المجتمع من اجل الانخراط والاستفادة من كل الخدمات الاجتماعية ومرافقها.
مع ما ينبغي من تكافؤ للفرص عبر أساليب ووسائل من شأنها السماح لكل ولوجية موفرة لخدمات على عدة مستويات ومجالات، وحتى يكون عمل الدمج يسير في الاتجاه السليم والايجابي، لابد من محيط وبنية وتفاعلات وتقاسم مناسب داعم.
وغير خاف ما طبع السنوات الأخيرة من حديث حول ورش مجتمع ومرفق وثقافة وسلوك دامج، ومن اهتمام ورهان عمومي عبر مصالح ومكونات واطارات عدة داعمة بما في ذلك ورش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من أجل كل ما يمكن أن يسهم ايجابا ويكون بفائدة للأشخاص في وضعية اعاقة، من حيث تغيير ما هناك من تمثلات كائنة وقراءات وسلوكات وردود فعل، ومن حيث احاطة هذه الفئة بما ينبغي من احترام وتكوين وتأهيل وإعداد يقوم ويتأسس على مؤهلاتهم وامكاناتهم وعلى درجة تطويرها.
ولاشك أنه لبلوغ هذه التطلعات تعلق الكثير من الآمال على الاطر البشرية في جميع القطاعات عمومية كانت أم خصوصية، انسجاما مع منطوق الدستور المغربي في هذا الاطار، ومع ما هناك من انتظارات وتحديات ايضا، وما هناك من مشروع مجتمعي مستحضر لهذه الفئة، والذي شكل سياق مصادقة المغرب في ربيع سنة 2009 على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص في وضعية اعاقة مع البروتوكول الاختياري الملحق بها، فضلا عما تضمنه دستور 2011 من ثقافة واشارات وتكريس لمنع ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الاعاقة.
فقد نص الفصل 34 من الدستور على ضرورة قيام السلطات العمومية، بوضع وتفعيل سياسات موجهة للأشخاص في وضعية اعاقة وقد تجلى هذا الحرص فيما ورد من اشارات داعمة رافعة ملكية صوب هذه الفئة منذ حوالي العقدين من الزمن.
على أساس كل هذا وذاك من القانوني المرجعي والرهان المجتمعي والتراكمات وانخراط الجهود العمومية مركزيا وجهويا واقليميا، واثارة منها لما هو واقع وحاجيات وانتظارات تخص الأشخاص في وضعية اعاقة، وما هناك من حاجة لمزيد من الاشغال على تعميق الوعي المجتمعي في كل تجلياته.
وتفاعلا مع تأكيد الجهات الوصية على أهمية النهوض بأوضاع ذوي الإعاقة وتحقيق اندماجهم بشكل أفضل داخل المجتمع، وتحسيسا بما يعترض هذه الفئة من تحديات عدة ومتداخلة وما هناك من معاناة تحد من مشاركتها بشكل معبر في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
وانسجاما منها وعملا مع وعلى مضمون الاتفاقية الدولية التي صادق عليه المغرب والتي تخص حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قبل حوالي عقد من الزمن، في أفق جهود جميع الأطراف كل من موقعه بما فيه المجتمع المدني لتجاوز ما هناك من معاناة بسبب عاهات بدنية وعقلية وذهنية وحسّيَة، والتي تمنع هذه الفئة من التعامل مع ما هناك من حواجز ومن ثمة المشاركة بصورة فعالة على قدم المساواة مع الآخرين داخل المجتمع.
وابرازا منها ايضا لمختلف ما تقوم به من أنشطة جامعة بين ما هو تربوي واجتماعي وتأطيري على المستوى المحلي والاقليمي عبر مركز الأمل، وعلى اثر ما هناك من مشروع واعد لفائدة الأشخاص في وضعية اعاقة والذي يخص إحداث مركز مرجعي نموذجي في مواصفاته ومرافقه على صعيد الجهة، وتفاعلا وانفتاحا منها عبر أنشطتها ورهاناتها وانتظاراتها، وتقاسما لتميز مهارات ومواهب من تشرف على تأطيرهم وتربيتهم وخدمتهم من أطفال في وضعية اعاقة واحتفاء منها باليوم الوطني للأشخاص في وضعية إعاقة.
من اجل كل هذا وذاك من التطلعات نظم مركز الأمل من خلال جمعية آباء وأولياء الأشخاص في وضعية اعاقة بتازة تحت شعار “الاعاقة تنوع وتميز في مجتمع دامج”، حفلا فنيا تعبيريا تفاعليا بفقرات وعروض عدة، مساء الأربعاء الأخير من أبريل 2023، بقاعة مسرح تازة العليا.
علما أن ما تم تقديمة بهذه المناسبة من فقرات معبرة ومؤثرة (أناشيد، مسرحيات، رقصات، أغاني فضلا عن ملحمة بالمناسبة)، هو من تأثيث أطفال في وضعية اعاقة عن الجمعية ذاتها بنسبة مائة بالمائة.
ولعل لمركز الأمل للأشخاص في وضعية اعاقة بتازة، داعمين وشركاء من قبيل وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خلال عمالة الاقليم، المندوبية الاقليمية للتعاون الوطني والمندوبية الاقليمية للصحة بتازة، المركز الوطني “محمد السادس” للمعاقين بسلا، الجماعات المحلية وهيئاتها ثم جمعية “وفاق الفلكلور” بفرنسا وغيرها.
يذكر أن حفل اليوم الوطني للأشخاص في وضعية اعاقة والذي استضافه مسرح تازة العليا على امتداد عدة ساعات من مساء الأربعاء الأخير، تضمن برنامجا حافلا بفقرات عدة معبرة حبست انسانيتها وبراءتها أنفاس حضور واسع، لعل منها نذكر نشيد ترحيب، ثم موسومة ب”ماما افريقيا”، مسرحية صرخة معاق، رقصة الحالمون، اغنية حكاية بطل، مسرحية التوحد، تعبيرات فنية صوتية فضلا عن عرض فني موسوم ب”ملحمة تراث بلادي، ناهيك عما تضمنه برنامج احتفاء مركز الأمل من خلال جمعية آباء وأولياء الأشخاص في وضعية اعاقة بتازة باليوم الوطني للأشخاص في وضعية اعاقة، من نشيد وطني وكلمات بالمناسبة وروبورتاجات تخص مؤسسة الاشتغال والخدمات، وكلمة باسم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وللتعاون الوطني وتكريمات وعرفان وشهادات بالمناسبة وغيرها.
هكذا كان الحفل بفقرات وعروض وأداء رفيع المستوى، ذلك الذي قدمه أطفال مركز الأمل للأشخاص في وضعية اعاقة بتازة، ولعل ما كان من تميز حفل هو ثمار جهود أطر تربوية واجتماعية ولجنة منظمة.
ولعل جمعية آباء وأولياء الأشخاص في وضعية اعاقة بتازة، من المكونات النشيطة على صعيد المدينة والاقليم منذ أزيد من عقدين من الزمن، والتي تقوم على أهداف وبرنامج اشتغال وتطلعات وفق ما يقتضيه الأمر من معايير وضوابط وحس بالمسؤولية.
وعليه، فقد باتت تجربة حقيقية في مجال رعاية وحماية تأهيل هذه الفئة من المجتمع، بل نموذجا ليس فقط من خلال ما توفره من خدمات، وانما ايضا من حيث سبل تدبير واجراءات معتمدة على ما هي عليه من موارد وأطر بشرية بنوع من الخبرة الرفيعة في هذا المجال، بل ايضا من حيث ما تقوم عليه من خطة عمل وتخطيط وتبصر واستشراف وتتبع ومواكبة، وكذا من انفتاح على معنيين متعاونين من أسر أطفال ومصالح عمومية ومجتمع مدني وتجارب وغيرها.
ولعل مركز الأمل بتازة من خلال هذه الجمعية هو مدرسة حقيقية بصدى معبر منذ سنوات، ليس فقط على الصعيد الاقليمي والجهوي والوطني بل الدولي، على اساس ما هناك من اسهامات ومشاركات وتميزات، يكفي أن تازة بتعاون بين الوزارة الوصية وعمالة الاقليم استضافت الدورة التاسعة للمهرجان الوطني للأشخاص في وضعية اعاقة سنة 2011، التي خلفت أثرا كبيرا لِما طبعها من تكامل أنشطة وحسن استقبال وتدبير، ناهيك عما هو تنافسي وتباري حرصت جمعية آباء وأولياء الأشخاص في وضعية اعاقة بتازة على توفير شروط رافعة لها، فكانت تظاهرة وتجربة ومحطة وتحديا موفقا وقيمة مضافة هامة في أرشيف المدينة حول هذا المجال.
كل هذا وذاك من التراكم والانجازات والمبادرات يجعل مركز الأمل وجمعية آباء وأولياء الأشخاص في وضعية اعاقة بتازة، مدرسة، بل نموذجا محليا بكل ما في الكلمة من معنى.
وكانت هذه النواة والتجربة قد بدأت بفكرة وفضاء وامكانات صغيرة بمشور تازة ذات يوم قبل اكثر من عشرين سنة، قبل أن تشهد ما شهدته من اضافات في بنيتها وخدماتها وفضاءها ومواردها وبرامجها وكذا من تطلعات في ورشها. بل يسجل ايضا أن مركز الأمل بتازة بات بنك معطيات حول المجال، لِما يوفره من خدمة لفائدة الباحثين والدارسين على مستوى إعداد التقارير والأبحاث وكذا اجراء تدريبات وتكوينات وغيرها.
إن ما هناك من ثمار باتت بمعالم واضحة لدى مركز الأمل بتازة عبر جمعية آباء وأولياء الأشخاص في وضعية اعاقة بالمدينة، وما هناك من تراكمات واسهامات عملية لهذا الاطار الجمعوي الوظيفي على المستوى الاقليمي، يقتضي مزيدا من الحضن والدعم والانفتاح والتطوير والارتقاء بما هو كائن، لبلوغ ما هو أوسع وأهم من نتائج وخدمات.
ولعل مقابل ما يسجل من دعم معبر وتجاوب وانخراط لعدد من القطاعات العمومية، من قبيل الوزارة الوصية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خلال عمالة الاقليم فضلا عن قطاع التعاون الوطني والصحة العمومية.
يسجل أن هناك قطاعات ومؤسسات عمومية عدة لا يزال تفاعلها خجولا محتشما إن لم نقل منعدما، علما أن الورش ورشا ملكيا كما هو غير خاف وعليه ما يقتضيه من عناية.
ولعل من تجليات ثقافة الانخراط، ما ينبغي توفيره من ولوج مادي ورقمي لهذه الفئة من أجل مجتمع دامج تسهيلا لحصول هذه الفئة على المعلومة.
وفي هذا السياق على القطاع الخاص أن ينخرط عمليا في هذا الورش، من خلال توفير فرص شغل لهذه الفئة وفق القانون. كما أن بعض مكونات المجتمع المدني مدعوة للعب بعض الأدوار المنوطة بها من اجل انجاح هذا الورش والارتقاء به وبخدماته وتطلعاته، ومن هذا المجتمع المدني مثلا جمعية حماية المستهلك من خلال أهمية استحضارها لحاجيات هذه الفئة من المجتمع.
كما أن النقل الحضري مثلا على صعيد تازة مدعو للالتفات والانصات لبعض حاجيات ذوي الاحتياجات الخاصة، عبر ما ينبغي من تحفيز ومبادرات داعمة وخدمات تفضيلية وفق ما ينص عليه القانون.
كما أن الهيئات المنتخبة من مجلس بلدي ومجلس اقليمي بتازة ومن مجلس الجهة، أن يستحضر هذا الورش الملكي وفق ما ينبغي من تجاوب أكثر مع جمعيات نشيطة في مجال الاعاقة، لإنجاح أدوارها ومشاريعها تعزيزا لحقوق هذه الفئة (نقل، أنشطة، مهرجانات ..).
دون نسيان ما يمكن أن يسهم مجال الاعلام والصحافة من أدوار داعمة للمجال بإبراز ما هناك من اجتهادات وتراكمات واكراهات، فضلا عن رفع صوت هذه الفئة من المجتمع وابلاغ مطالبها للجهات الوصية والمعنية.
ويسجل أنه الى حين تحقيق مقترح عملي تشاركي طرحه عامل عمالة اقليم تازة مصطفى المعزة، بمناسبة حفل اليوم الوطني للأشخاص في وضعية اعاقة بتازة من خلال كلمة معبرة له بمثابة خريطة عمل.
ويتمثل المقترح في عقد يوم دراسي وطني رصين منفتح على مستويات عدة ذات صلة وأهمية وظيفية، من مرجعيات علمية معرفية مهاراتية رافعة للمجال عبر ورشات، من اجل بلورة توصيات منسجمة قابلة للأجرأة من شأنها إغناء هذا الورش الانساني والاجتماعي.
الى حين ذلك يسجل أن لمركز الأمل ومن خلاله لجمعية آباء وأولياء الاشخاص في وضعية اعاقة بتازة، موعد مع مشروع هام رفيع وواعد من شأنه بلوغ ما ينبغي من مهنية في الاشتغال ونفس لتطوير خدمات تربوية واجتماعية وإدماجية موجهة للأشخاص في وضعية اعاقة.
يتعلق الأمر بمشروع مركز مرجعي متعدد الاختصاصات بل نموذجي على صعيد الجهة، وقد بات ملفه التقني جاهزا لانطلاق اشغاله على مساحة اجمالية بحوالي ألفين وخمسمائة متر مربع منها حوالي ألف وستمائة متر مربع مبنية من طابقين مع آخر تحت أرضي، هذا فضلا عما سيحتويه من مرافق وفصول أشغال وتكوين وتأهيل عدة رافعة لخدمات مركز الأمل بتازة من جهة، وداعمة لسبل ادماج هذه الفئة من المجتمع وإعدادها وتكوينها انجاحا للورش الملكي من جهة أخرى.
التعليقات مغلقة.