أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

“تالبورجت تتكلم فنًّا”.. مهرجان “تالويكاند” يُعيد صياغة الروح الثقافية لأكادير

جريدة أصوات

أكادير، تلك المدينة التي لطالما حملت في ملامحها ثنائية الوجع والانبعاث، وجدت في مهرجان “تالويكاند” منصةً ثقافية تُعانق من خلالها ماضيها، وتحتضن مستقبلها بعين الإبداع وذاكرة الفن. من 26 إلى 29 يونيو، وتحت إشراف والي جهة سوس ماسة، السيد سعيد أمزازي، انطلقت فعاليات الدورة الرابعة من هذا الحدث البصري الحيّ، في قلب حي تالبورجت التاريخي، لتمنح المدينة لحظة استثنائية تعيد فيها تعريف معنى أن تكون الثقافة فعلًا يوميًا وليس موسمًا عابرًا.

“تالويكاند”.. حين ينقلب الحي إلى مسرح مفتوح

ليست ساحة التامري مجرّد فضاءٍ حضري، بل باتت نواةً نابضة بتفاصيل الحياة اليومية، وقد تحوّلت خلال أيام المهرجان إلى مشهدٍ فني شامل: موسيقى حية، عروض سيرك، معارض فوتوغرافية وتشكيلية، أروقة للكتب، وورشات للإبداع والتكوين. هنا، لم تُعرض الفنون فحسب، بل تم عيشها وتذوقها كطقس جماعيّ مشترك بين الفنان والمتلقي، بين الطفل والشاب، بين المرأة والزائر، بين الذاكرة والحلم.

الشارع كمنصة للانبعاث الثقافي

الرهان الكبير الذي تحققه “تالويكاند” ليس فنيًا فقط، بل اجتماعيًا بالدرجة الأولى. فأن تُفتح ساحة عامة على الإبداع، يعني أن تتحول المدينة إلى كائن حي يتحدث، يُحاور، ويُبدع. مهرجان “تالويكاند” لا يُراكم فقط الفعاليات، بل يُراكم الوعي بالثقافة كمكوّن أساسي من مكونات الحياة الكريمة. ففي هذه الفضاءات المفتوحة، نرى لقاءً نادرًا بين المواطن والخيال، بين اليومي والجمالي، في مشهد يُعيد للأكاديريين ثقتهم في الذاكرة والمكان.

رسائل الفن العابرة للحدود

المهرجان، كما أكد بلاغ الجهة المنظمة، يُراد له أن يكون حدثًا يتجاوز الفرجة نحو تأسيس خطاب إنساني متعدد الأبعاد. رسائل المهرجان واضحة: التسامح، التعدد، الحوار، والانفتاح على الآخر. فكل عرض، كل ورشة، وكل تعبير أدائي أو بصري، يحمل في داخله دعوة مفتوحة لإعادة تأمل الذات الفردية والجماعية في ضوء الفن.

وهو ما يُحوّل “تالويكاند” إلى أكثر من مهرجان.. إنه لحظة تصالح مع الذات، مع التاريخ، مع الهوية المتعددة والمنفتحة، بعيدًا عن القوالب الجاهزة أو التصنيفات الضيقة. الفن هنا ليس من أجل النخبة، بل هو حق جماعي مشترك، يُمارَس ويُتذوق ويُحتفى به في الشارع.

تالبورجت لم تكن حيًّا عاديًا يومًا، بل كانت وستظل خزانًا لذاكرة المدينة؛ و”تالويكاند” يأتي ليوقظ هذه الذاكرة ويُعيد صقلها بعد عقود من التهميش والركود. أن يُعاد الاعتبار لهذا الحي من خلال الثقافة، يعني أننا نضع أولى لبنات العدالة المجالية الثقافية، وأننا نعيد رسم خرائط الحضور الرمزي لأكادير.

في الختام.. مهرجان يتجاوز نفسه

ما يُمكن استخلاصه من دورة هذا العام هو أن “تالويكاند” لم يعد مجرد تظاهرة فنية، بل صار مشروعًا حضريًا ثقافيًا متكاملًا، يضع الفن في قلب النقاش حول المدينة، يربط بين الثقافة والتنمية، ويمنح للأكاديريين شعورًا متجددًا بالانتماء والمشاركة.

وبينما يُسدل الستار عن هذه الدورة، فإن صداها سيبقى في جدران الحي، وفي عيون الأطفال، وفي خطوات الزوار، وفي وعي جيل جديد يؤمن بأن أكادير يمكن أن تكتب قصتها من جديد، ولكن هذه المرة بمداد الفن، وألوان الأمل، ونبض الشارع.

التعليقات مغلقة.