تتمثل الأفعى وتحلى بالنرجسية: لقاء السموم في قلب الشخصية الإنسانية
بقلم الأستاذ محمد عيدني
أصوات من الرباط
تُجسد الأفعى رمز الغدر والخداع، وتُعبّر عن القدرة على التهرب والتكتيك من أجل البقاء، وهي صورة تُجسد بشكل قوي شخصية الإنسان النرجسي. حيث يتحلى هذا الشخص بجاذبية ساحرة، تخفي وراءها سمومًا قد تؤذي من حوله، ويبرع في إخفاء عيوبه واستغلال الآخرين لتحقيق مصالحه الذاتية.
يُعتبر النرجسي كالأفعى في قدرته على التلون والتكيف، لكنه يحمل في جوفه سمًا قد يهدد علاقاته الاجتماعية والنفسية. فهؤلاء الأشخاص يعتقدون أنهم فريدون ومميزون، ويحتاجون باستمرار إلى الإعجاب والتقدير، رغم أن ذلك قد يأتي على حساب الآخرين وراحة بالهم.
وفي حين يبدو أن شخصية النرجسي تتلألأ ببريق الثقة والحنكة، فإن جوهرها مليء بالمخاطر والتحديات التي تنكشف عندما يفقد أحدهم السيطرة أو يتعرض لموقف يختبر عزلته ووهمه. إذن، يتحلى النرجسيون بابتكار استراتيجيات للتحكم في من حولهم، مستغلين جاذبيتهم وسلطتهم النفسية، تمامًا كما تفعل الأفعى التي تتلون وترتدي ألوانًا تجذب الفرائس، قبل أن تنقض بالسم الذي يهدد حياة من حولها.
وفي هذا المقال، سنخوض في عمق رمزية الأفعى، وسنحلل كيف يتحلى النرجسيون بصفات تشبه سمات هذا المخلوق، وكيف تؤثر سلوكياتهم على المحيطين بهم، مع استعراض لطرق التعامل مع شخصيات تحمل صفات النرجسية والبحث عن سبل للحد من أضرارها.
السمات المشتركة بين الأفعى والنرجسي
الأفعى، على الرغم من أنها مخلوق هادئ في طبيعتها، إلا أنها تمتلك القدرة على الانقضاض بسرعة ودون سابق إنذار. هكذا هو النرجسي، الذي يُظهر أمام الناس صورة مثالية وجذابة، لكنه يحمل داخله سمومًا قد تضر بنفسه وبمن حوله عندما تفتح له الثقة والأمان.
الجاذبية المفرطة: الأفاعي تتمتع بجمال غامض، وترتدي ألوانًا تبهر الفريسة، تمامًا كما يفعل النرجسي بجاذبيته وحضوره اللافت، الذي يخطف الأنظار ويجعل الآخرين يبحثون عن قُربه، مع أن الغرض من ذلك قد يكون السيطرة أو استغلال القوة النفسية.
التمويه والخداع: تبتكر الأفعى أساليب فريدة للتسلل إلى قلب الفريسة، بينما يُظهر النرجسي نفسه دائمًا كبطل أو ضحية، يختلق القصص ويروج لنفسه بطريقة توهم الآخرين بأنه لا يُقهر، أو أنه الأكثر فهمًا وذكاءً.
السم والضرر: سم الأفعى هو سلاحها الفتاك، الذي يُعد بمثابة تحذير لكل من يقترب منها، تمامًا كما أن سم الشخصية النرجسية يمكن أن يترك آثارًا نفسية عميقة، من شعور بالدونية، والاضطراب النفسي، وانعدام الثقة في الذات لدى من يتعامل معهم.
كيف يتحلى النرجسي بذات السمات؟
الشخص النرجسي يُمثل مزيجًا من الغرور والضعف، إذ أن اعتماده المستمر على مظاهر القوة والجاذبية هو محاولة لتعويض نقص داخلي، أو خوف من الرفض والعدم. هو يتحلى ببعض سمة الأفعى، خاصة في قدرته على خفة اليد والتمثيل، بحيث يظهر بمظهر الشخص الثابت والموثوق، في حين أنه يستخدم أسلوب الخداع والتلاعب ليحصل على ما يريد.
ولا يكتفي النرجسي بمحاولة إظهار نفسه بشكل مثالي، بل يسعى أيضًا إلى إقناع الآخرين بأنه الأهم، وما عليه سوى أن يُخضعهم لسلطته النفسية. غالبًا ما يستخدم أساليب التهميش والتعالي، ويبتعد عن الاعتراف بمسؤوليته عن أخطائه، الأمر الذي يبرز غروره ويؤكد أنانيته تدفعه لاعتقاد أنه مركز العالم.
أما السم الحقيقي في شخصيته فهو في قدرته على تدمير علاقاته دون أن يشعر، عبر إثارة الغيرة، والنميمة، والإقصاء. وكي يظل في موقع السيطرة، يُواصل التحايل والتلون مثل الأفعى، يغير من جلده ويضاعف.
التعليقات مغلقة.