أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

تدريب العضلات النفسية على تحمل الضغوط

إعداد المرحوم مبارك أجروض

“حسن” موظف ذكي ومجتهد، يعمل كمدير للعمليات في منظمة كبيرة، وتعمل المنظمة بشكل مكثف طوال الوقت، مع برامج متنوعة تتزايد بشكل مطرد، بعضها يبدأ وبعضها في طور الاستكمال، ويتولى “حسن”، بصفته مدير العمليات، مسؤولية التشغيل السلس للعمليات اليومية، فضلاً عن الإشراف على ميزانية المنظمة، والتي تتطلب منظورًا استراتيجيًا.

 

ورغم أن “حسن” يلعب دورًا مهمًا ومحورياً في موقعه، ورغم أنه يتمتع بالخبرة والتدريب اللازم لأداء المهمات المنوطة به، ورغم أنه يبلى بلاء حسناً في وظيفته؛ إلا أنه يلاحظ أنه في أي اجتماع مع الجهات المختلفة التي تتعامل مع المؤسسة، فإن الاجتماع لا يكون مريحاً، حيث يبدو أنهم يشككون في شرعيته وفي كفاءته نظراً لسنوات خبرته الأقل.

يعقد “حسن” اجتماعًا منتظمًا مع هؤلاء الأفراد، وهو مسؤول عن وضع جدول أعمال الاجتماع وإدارته، وبدأ يلاحظ أنه أمام ما يراه تقييما سلبي منهم له؛ فإنه أصبح يفقد “هدوءه”.. هو لا يغضب، ولكن تتزعزع ثقته في نفسه، ويجد نفسه مرتبكا، ويفقد إمكانية الوصول إلى إحساسه بقدراته وعمق ذكائه، ويفقد قدرته على الاستجابة في الفعالية بالشكل المناسب.

نافذة التحمل

يمكن لمعظمنا أن يجد شيئا ما يربطه بما يحدث مع حسن؛ فحينما نجد أنفسنا مستثارين أو معلقين، وحينما نجد أنفسنا في مكان غير مريح عاطفيا (قلقين، غاضبين، محبطين).. نجدنا نتخذ إجراءات ليست بالضرورة مفيدة لنا، وحتى عندما ندرك أننا في مثل هذا الوضع، يصعب علينا “إخراج” أنفسنا منه، ونشعر وكأننا فقدنا إمكانية الوصول إلى إبداعنا وذكائنا وطاقتنا وقدرتنا على الاتصال، ومرونتنا.

لدينا جميعا “نافذة للتحمل“، وهي المساحة التي نكون فيها موجودين ونستطيع أن نصل بشكل كامل أو شبه كامل إلى جميع مواردنا الداخلية، وعندما نكون داخل هذه النافذة، نعمل بشكل جيد إلى رائع. وعندما نكون خارج تلك النافذة، فإننا في كثير من الأحيان نتحول إلى وضعية القتال أو الهرب أو التجمد، وعندما نكون في هذا الوضع يتولى جزء آخر من دماغنا القيادة، وهو الجزء الذي يركز على بقائنا آمنين؟ فنحاول الدفاع عن أنفسنا أو ننسحب ونهرب أو نغلق أنفسنا ونتجمد. ونجد أنفسنا مشدودين أو متقلصين أو نتحرك بطريقة أو بأخرى، وذلك بدلًا من أن نكون فقط متواجدين لنرى كيف سيتكشف الوضع.

ونظرًا لأننا عادة لا نختار من نعمل معهم، وبالتأكيد لا نتحكم في الظروف المحيطة بنا (حتى مع أفضل تخطيط)، فالسؤال الآن كيف يمكننا العمل في ظل هذه الظروف التي تضغط علينا دوما لتخرجنا خارج نافذة احتمالنا، لنتمكن معظم الوقت من أن نكون متواصلين مع مصادرنا الداخلية.. الإجابة البسيطة – السهلة الممتنعة – هي بتوسيع نافذة تحملك.. ولكن كيف؟ هذا ما سنحاول أن نجيب عليه في هذه السطور التالية.

توسيع نافذة التحمل الخاصة بك أو توسيع حواف منطقة الراحة الخاصة بك

1ـ حدد موقفا متكررا في حياتك تجد نفسك فيه “خارج نافذة تحملك”، هل هذا الأمر يهمك؟ هل هو أمر بالغ الأهمية؟ إذا لم يكن مهمًا بالنسبة إليك، فغالبا ستكون العوائد محدودة، ومن ثم ينصح باختيار موقف مهم لك.. كالخلافات الزوجية، أو مشكلات الأبناء، أو ضغوط ومهام الحياة اليومية في المنزل أو العمل، وبحيث يؤدي توسيع نافذة تحملك لإحداث فرق كبير بما يكفي لجعل مجهودك جديرًا بالاهتمام.

2ـ اعثر على مكان يمكنك الجلوس فيه دون عائق لمدة 5 دقائق أو نحو ذلك، وأقترح أن تفعل هذا التمرين جالسا؛ على أن تجلس في وضع مريح، وتشعر بأقدامك على الأرض، وأردافك على الكرسي أو الأريكة التي تجلس عليها، وضع يديك برفق على فخذيك.

3ـ أجلس في مكان هادئ وخذ بعض الأنفاس العميقة لتساعد جسمك على السكون. 

4ـ أذكر في مخيلتك ذكرى لوقت كنت فيه على اتصال كامل مع قدراتك وذكائك وإبداعك، وتملك القدرة على الاستجابة الفعالة، وتستطيع اجتياز الظروف المحيطة بشكل فعال. دع نفسك تشعر أنك في هذا الموقف، وتخيل ماذا كان الوضع ؟ ما الذي تشعر به في جسمك ؟ ما هي العواطف الموجودة ؟ ما الصور والأفكار التي تتبادر إلى ذهنك ؟ استمر مع هذه الخبرة لمدة 30 ثانية أو نحو ذلك.

5ـ والآن تخيل أن بيدك زرا مثل زر موقد الغاز، حيث يمكنك تغيير حرارة اللهب إلى الأعلى والأسفل، ولكن هذه المرة الزر لا يتحكم في لهب الموقد ولكن يتحكم في “حرارة” الشعور الموجود بداخلك.. يمكنك رفعه أو خفضه كما ترفع أو تخفض لهب موقد الغاز، والفكرة أن ترفع مستويات الشعور إلى أعلى بما فيه الكفاية حتى تشعر بالحرارة، ولكن ليس بما يكفي لأن تحرق نفسك، مع وجود القدرة على الإغلاق التام في أي وقت، والمطلوب هنا هو الوصول لمستوى الشدة التي تضعك فقط على حافة منطقة راحتك.

6ـ تذكر أحد المواقف الصعبة التي وجدت نفسك فيها “خارج نافذة تحملك” حيث الشعور بالإحباط، وعدم القدرة على الاستجابة على نحو فعال، والشعور بأنك صغير، ومرفوض وغير فعال؛ تذكر الموقف وماذا كان وضعك فيه ؟ أين كنت ؟ من كان هناك ؟ كيف كان إحساسك ؟ ما هي العواطف التي كانت موجودة ؟ وعند هذه النقطة، تحقق من نفسك وراقب ما تشعر به.. هل هو شديد جدا ؟ إذا كان الأمر كذلك، خفض شدة اللهب من الزر الموجود معك؛ بحيث تشعر ببعض الحرارة، لكن يمكنك تحملها، وعلى أن تكون في مستوى شدة كافية لتشعر بالتحدي الذي يمكن أن تتعايش معه. عندما تعثر على المستوى المناسب من الشدة، تواصل مع ذلك، واستمر في مراجعة الوضع في ذهنك، واسأل نفسك هذه الأسئلة:
ـ ماذا تلاحظ ؟
– ما هي المشاعر الموجودة؟
ـ ما هي الأحاسيس الموجودة في جسمك؟
ـ ما هي أنواع الأفكار؟

ابق مع هذا الإحساس لمدة دقيقة أو دقيقتين؛ مع التركيز على الاستمرار في الشعور بجسمك، وقم بتعديل مستوى الخبرة في خيالك لبضع دقائق، ثم ارجع إلى تجربتك التي كنت تشعر فيها بالقدرة على التواصل مع مصادرك الداخلية، وابق هناك بعض الوقت (حوالي 30 ثانية). خذ بضع لحظات للتفكير في تجربتك للتمرين، ماذا كان ذلك بالنسبة لك؟ ماذا تعلمت؟ كيف تشعر في جسمك؟

كرر هذا التمرين يوميا، فالوصول لحدود منطقة الراحة الخاصة بك مرة ومرة ومرات متعددة يساعدك على توسيع نافذة تحملك، وبدلا من محاولة تجنب التجربة التي تثيرك وتخرجك من نافذة احتمالك؛ فإنك مع هذا التدريب تتعود أن تبقى مع التجربة المثيرة، ولكن تفعل ذلك بطريقة تدريجية ولطيفة ورقيقة، فلا تحمل نفسك ما لا يمكنك تحمله الآن، وهذا أشبه بمن يقوم بتدليك عضلة مشدودة حتى تستعيد ليونتها ومرونتها، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت، ولكن التدريب المنتظم يؤتي ثماره بلا شك، وستلاحظ الفرق بمرور الوقت.

فإذا كنت مثل حسن تعيش في ظروف غير مواتية – وكلنا مثله مع اختلاف درجة الضغوط -فإنك ستتعامل مع الضغوط بشكل أكثر فعالية إذا كنت داخل نافذة تحملك، وسيساعدك هذا التدريب على توسعة هذه النافذة مما يمكنك من البقاء فيها مع ضغوط أشد.

عامل نفسك بلطف ووداعة وصبر وتشجيع

 

هناك عنصر أساسي جدا عند ممارسة مثل هذه التمرينات، وهو توجهك نحو نفسك أثناء التمرين، فمن المهم أن يتسم توجهك نحو نفسك باللطف والوداعة والصبر والتشجيع، فأنت تتحدى نفسك، واستحضار الروح الصحيحة عند القيام بالتمرين يصنع كل الفرق، وممارسة هذا النوع من التمارين بقسوة أو بنفاد صبر ليس مفيدا على الإطلاق، وسيؤدي في نهاية المطاف إلى إيذاء نفسك.

التعليقات مغلقة.