مع تسارع اقتراب الموعد النهائي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفي منتصف المرحلة، تتعثر وتيرة بلوغ هذه الأهداف الـ17، التي حددتها الأمم المتحدة من أجل عالم أكثر استدامة وشمولا.
فمن مكافحة الفقر والجوع إلى التغير المناخي، مرورا بالنهوض بالتعليم والازدهار الاقتصادي والمساواة بين الجنسين والانتقال الطاقي وقضية السلام، تتعثر المسيرة نحو تكريس “أسس” الاستدامة، في ظل الأزمات المتعددة وعدم اليقين.
في تقريره الأخير حول تقدم تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لاحظ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن الأزمات المتعددة “تسببت في خسائر فادحة لجميع البلدان، ولا سيما البلدان النامية، وقوضت التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة”.
وانتقد الأمين العام الأممي تزايد المخاطر وعدم اليقين الذي تفاقم بسبب “صدمات وأزمات” أصبحت أكثر تواترا وحدة وانتشارا، مما يؤثر على عدد أكبر من الناس في نطاق جغرافي أوسع.
وأعرب عن أسفه لكون “الصدمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية تنتشر بشكل سريع داخل البلدان وفي ما بينها وتتحول إلى أزمات”، وأن “الصراعات تعد الواقع اليومي لملايين الأشخاص في العالم، فيما أضحت الظواهر المناخية القصوى أكثر تواترا”.
هذه الملاحظات يؤكدها تقرير الأمم المتحدة لسنة 2024 حول أهداف التنمية المستدامة، الذي يعتبر أن التقدم العالمي المحرز في تحقيق هذه الأهداف “غير كاف ومثير للقلق”.
وحسب التقرير الذي تم تقديمه مؤهرا في نيويورك، فإن ما يناهز نصف الأهداف الـ17 تظهر تقدما ضئيلا أو متوسطا، في حين أن أكثر من ثلث هذه الأهداف تعثرت أو تقهقرت، منذ أن اعتمدتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في 2015 بغية إحلال السلام والازدهار في العالم.
يُظهر التقرير أيضا أن 23 مليون شخص إضافيين وقعوا في براثن الفقر المدقع، وأن أزيد من 100 مليون شخص إضافي عانوا من الجوع خلال 2022 مقارنة بسنة 2019، فيما قفز عدد الوفيات في صفوف المدنيين في النزاعات المسلحة في العام الماضي.
وبحسب الملاحظين، فإن هذه الحصيلة السنوية لأهداف التنمية المستدامة ترصد “فشل” المنتظم الدولي في بلوغ عالم أكثر أمانا وقدرة على الصمود والتحرر من أعباء الماضي والتوترات الجيوسياسية.
يؤكد غوتيريش ضرورة التحرك العاجل من أجل عكس هذا الاتجاه، والوفاء بالوعد “بالقضاء على الفقر وحماية الكوكب وعدم ترك أحد يتخلف الركب”.
يرصد التقرير الأممي الآثار المستفحلة لجائحة كوفيد-19، وتصاعد الصراعات، والتوترات الجيوسياسية، ونقص التمويل، وتفاقم الفوضى المناخية، باعتبارها عقبات رئيسية أمام تحقيق التقدم.
في هذا السياق، استضافت نيويورك ما بين 8 و17 يوليوز الجاري، المنتدى السياسي رفيع المستوى للأمم المتحدة المعني بالتنمية المستدامة، من أجل تعبئة الجهود العالمية بهدف تفعيل العمل متعدد الأطراف، من خلال اقتراح حلول مبتكرة ضرورية لإعادة إطلاق برنامج التنمية المستدامة في أفق 2030.
وبهذه المناسبة، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والمالية، لي جونهوا، إن الإنسانية أثبتت، في عدة مناسبات، أنه “عندما نعمل بشكل جماعي، يمكننا إيجاد حلول للمشاكل التي تبدو مستعصية”.
وفي إطار هذا التفكير الجماعي لإنقاذ أهداف التنمية المستدامة، يوصي أنطونيو غوتيريش بدمج هذه الأهداف ضمن كافة آليات صنع القرار والتمويل والمساءلة ذات الصلة، وإقامة شراكات فعالة والتنسيق مع الفاعلين الرئيسيين وتشجيع الالتزام القوي للشباب وانخراطهم في تحقيق هذه الأهداف.
ومن بين هذه الأهداف، يرى الأمين العام للأمم المتحدة أنه يتعين على البلدان إعطاء أولوية قصوى للقضاء على الفقر والجوع بحلول الموعد النهائي في 2030.
وبالنسبة للأمم المتحدة، فإن القمة المقبلة المقرر عقدها بنيويورك في شتنبر المقبل، ستكون خطوة حاسمة لإعادة توجيه الجهود نحو تحقيق الأهداف. يتعلق الأمر بالاستجابة، في مقام أول، لأزمة الديون التي تؤثر على العديد من البلدان النامية وتعبئة الجهود من أجل إصلاح عاجل للمنظومة المالية الدولية بغية إحياء حقيقي لخطة التنمية المستدامة قبل حلول 2030.
التعليقات مغلقة.