تقرير: قيادات الإعلام المغربي بنسعيد واخشيشن نحو مستقبل الصحافة الحرة والمسؤولة
بقلم الأستاذ محمد عيدني
في عالم يتسم بالتغيرات المتسارعة، يظل الإعلام ركيزة أساسية في بناء الوعي، وعكس الواقع، وتعزيز الحريات في المجتمعات الديمقراطية. يشهد المشهد الإعلامي المغربي، على غرار العديد من دول العالم، تحولات عميقة وتحديات متعددة تتطلب قيادة حكيمة ورؤية استراتيجية لضمان استقلاليته ومهنيته. في هذا السياق، برز اسمان محوريان يقودان دفة الإصلاح والتطوير: السيد محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، والسيد عبد الكبير إخشيشن، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية. يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على الأدوار المحورية لهذين القائدين، وتحليل مبادراتهما، واستعراض التحديات التي تواجه قطاع الإعلام المغربي، وكيف تتضافر جهودهما لتحقيق رؤية ملكية سامية تهدف إلى بناء إعلام حر ومستقل يخدم مصلحة البلاد العليا وتطلعات الشعب المغربي.
1. القيادة المزدوجة للإعلام المغربي: رؤى وتحديات في زمن التحولات
في ظل المشهد الإعلامي المغربي، الذي يشهد تطورات ملحوظة وتحديات جمة، يتجلى الدور القيادي و المحوري في شخصيتي السيد محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، والسيد عبد الكبير إخشيشن، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية. حيث يمثل كل منهما واجهة لجهود متكاملة تهدف إلى تعزيز مكانة الإعلام وترسيخ دعائم الصحافة، مع رفض قاطع لأي شكل من أشكال الإقصاء أو التضييق على المشتغلين في هذا القطاع الحيوي.
لم يقتصر دور الوزير بنسعيد على المسؤولية الإدارية فحسب، بل تجسد في حرصه على تحسين وضعية الصحافة وتوفير بيئة ملائمة للابتكار والنمو للصحفيين والمؤسسات الإعلامية. وفي المقابل، يمثل عبد الكبير إخشيشن صوت الصحفيين والمدافع عن حقوقهم، متحملا عبء المهنة في مواجهة التحديات المختلفة. تتكامل جهودهما، رغم اختلاف مواقعهما المؤسسية، نحو هدف واحد يتمثل في بناء إعلام مغربي قوي ومستقل، يواكب متطلبات العصر وتطلعات الشعب. هذا التوافق في الأهداف، رغم تباين الأدوار، يشكل أساسًا لاستكشاف مساهمات كل منهما وكيفية تضافر هذه الجهود لتحقيق رؤية شاملة للإعلام.
2. الوزير بنسعيد: صياغة السياسات ودعم القطاع
تجاوزت مهام الوزير محمد المهدي بنسعيد في قطاع الإعلام الجوانب الإدارية البحتة، لتشمل قيادة استراتيجية تهدف إلى تحديث السياسات الإعلامية وتعزيز استقلالية المؤسسات الصحفية. ينطلق الوزير من إيمان راسخ بأن دعم الصحافة ويعد ركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذا التصور الشامل يربط تطوير الإعلام بشكل مباشر بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، مما يشير إلى أن رؤيته تتجاوز مجرد الدعم المالي إلى بناء منظومة إعلامية مسؤولة وتعددية، تعكس التزاما بمبادئ الديمقراطية.
1.2. مبادرات تعزيز مكانة الإعلام ودعم الصحافة
يعمل الوزير بنسعيد على توفير بيئة مشجعة للممارسة الصحفية، مع التركيز على تعدد مساحات التعبير وتمكين مختلف التعبيرات الثقافية والسياسية والاجتماعية. وقد تجسد هذا التوجه في قرارات حكومية مشتركة، حيث حدد الوزير بنسعيد بالتعاون مع الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، أسقفا لدعم التسيير والاستثمار في قطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع، بهدف تعزيز دعم المؤسسات الصحافية. هذا التحول من الدعم الاستثنائي إلى دعم هيكلي مشروط، يهدف إلى تحقيق استدامة القطاع ومهنيته.
تتضمن شروط الاستفادة من هذا الدعم معايير واضحة تضمن جودة العمل الصحفي واستقراره المهني. فالمؤسسات الإعلامية مطالبة بتشغيل ما لا يقل عن خمسة صحفيين، وتحقيق رقم معاملات سنوي لا يقل عن مليوني درهم، والالتزام بالاتفاقية الاجتماعية الموقعة عام 2022، والتي تحدد حدا أدنى للأجور للصحفيين يتراوح بين 5600 و5700 درهم. هذه الشروط تربط الدعم المالي مباشرة بجودة التوظيف والجدوى الاقتصادية للمؤسسات الإعلامية، مما يعكس جهودا استراتيجية لمهننة القطاع.
2.2. إصلاح مدونة الصحافة والنشر وإلغاء العقوبات السالبة للحرية
من أبرز محاور عمل الوزير بنسعيد، السعي إلى تحديث مدونة الصحافة والنشر وتفعيل قوانين جديدة أو تحديث القديمة منها، بما يضمن حماية الصحفيين وتحقيق التوازن بين مصلحة الدولة وحقوق العاملين في الميدان. في هذا الصدد، ألغت مدونة الصحافة والنشر الصادرة عام 2016 العقوبات السالبة للحرية المتعلقة بقضايا النشر، واستبدلتها بغرامات مالية معتدلة. هذا التغيير الجوهري يعد خطوة مهمة نحو حماية الصحفيين من السجن أثناء ممارستهم لعملهم، ويعكس نية المشرع المغربي في تعزيز حرية الصحافة.
وقد أكدت الوزارة التزامها بمواصلة تعزيز حرية التعبير والإعلام في المغرب، مشيرة إلى أن التحديات تتطلب التزاما مستمرا لتوفير بيئة أكثر حرية واستقلالية للصحافة. كما انتهت الوزارة من صياغة مدونة جديدة للصحافة والنشر، وهي في انتظار عرضها على الحكومة قبل الشروع في مسطرتها التشريعية. هذا المسار التشريعي يؤكد التزام الوزارة بتطوير الإطار القانوني ليتلاءم مع التطلعات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
3.2. تعزيز النقاش العمومي والتعددية
يولي الوزير بنسعيد أهمية بالغة لتطوير النقاش العمومي حول القضايا الوطنية والدولية، وذلك من خلال إنتاج وبث برامج حوارية متنوعة، وتحقيقات واستطلاعات تركز على القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. يهدف هذا التوجه إلى تعزيز الحوار البناء والمساهمة في صناعة رأي عام مستنير ومتفاعل مع القضايا الراهنة.
تلتزم الوزارة بجعل الإعلام العمومي منبرا حرا ومتعدد الأصوات، قادرا على مواكبة التحولات الوطنية والدولية، وتعزيز النقاش العمومي والتنوع الثقافي واللغوي. كما تعمل على توفير منصات رقمية تتيح مشاركة أوسع للجمهور، بما يعزز قيم الديمقراطية والتنوع ويحقق خدمة إعلامية مهنية ومبتكرة تلبي تطلعات المجتمع. هذا التركيز على التعددية الفكرية والثقافية، وإشراك الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين في النقاشات العامة، يشير إلى استراتيجية أعمق لتوسيع الوظيفة الديمقراطية للإعلام، وتجاوز النموذج التقليدي للاتصال الذي يركز على الدولة.
مؤشرات دعم الصحافة المغربية وسياسات الوزير بنسعيد
مجال السياسة | المبادرة/الإجراء الرئيسي | التفاصيل/الشروط المحددة | الأهمية/التأثير |
الإصلاح القانوني | إلغاء العقوبات السالبة للحرية | قانون الصحافة والنشر 2016 | حماية الصحفيين من السجن، تعزيز حرية التعبير |
الدعم المالي | شروط جديدة لدعم الصحافة | 5 صحفيين كحد أدنى، 2 مليون درهم رقم معاملات سنوي، الالتزام بالاتفاقية الاجتماعية 2022 (5600-5700 درهم حد أدنى للأجور) | ضمان مهنية القطاع واستدامته، تحسين ظروف عمل الصحفيين |
الدعم المالي | إنهاء الدعم الاستثنائي | بعد 5 سنوات من إقراره | الانتقال نحو دعم هيكلي ومستدام |
التنمية المهنية | توفير التكوين والتأطير | مبادرات مستمرة للكوادر الإعلامية | رفع كفاءة الصحفيين ومواكبة التطورات |
التعددية والنقاش | تعزيز النقاش العمومي والتعددية الفكرية | برامج حوارية متنوعة، إشراك الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، تنوع لغوي | تعزيز الحوار البناء، بناء رأي عام مستنير، توسيع الوظيفة الديمقراطية للإعلام |
3. عبد الكبير إخشيشن: صوت الصحفيين وحامي كرامتهم
يعرف عبد الكبير إخشيشن بأنه “رجل المرحلة” في المشهد الإعلامي المغربي، حيث يحمل على عاتقه مسؤولية الدفاع عن كرامة الصحافة والعاملين فيها.
1.3. دوره كرئيس للنقابة الوطنية للصحافة المغربية
انتخب عبد الكبير إخشيشن رئيسا جديدا للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بالإجماع في ديسمبر 2023، خلفا لعبد الله البقالي. جاء انتخابه خلال المؤتمر الوطني التاسع للنقابة، الذي انعقد تحت شعار “تحصين المهنة وحماية المهنيين”. هذا الانتخاب بالإجماع والشعار المختار يعكسان تفويضا قويا لإخشيشن لقيادة إصلاحات داخلية وجهود مناصرة خارجية، مما يؤكد على تركيز النقابة المتجدد على القضايا المهنية الأساسية.
تأسست النقابة الوطنية للصحافة المغربية عام 1963، ومنذ ذلك الحين وضعت في صدارة اهتماماتها حماية الصحفيين من كل أشكال المنع والحجز والمتابعات والمضايقات، والدفاع عن مهنة الصحافة وحرية التعبير. يمثل إخشيشن استمرارا لهذا الإرث، حيث يركز على تعزيز دور الصحافة وتقوية العلاقات بين الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، إيمانًا بالعمل النقابي المنظم.
2.3. جهوده في الدفاع عن حقوق الصحفيين وحماية المقاولات الإعلامية
يصور إخشيشن كشخصية واجهت “لوبيات” حاولت وضع العراقيل أمام تطور الصحافة المغربية. وقد دفعته مسؤوليته إلى أن يكون رمزا للدفاع عن حقوق الصحفيين وحماية المقاولات الإعلامية من المضايقات والألاعيب التي هدفت إلى تدمير مصادر تمويلها أو تقويض مكانتها وقد أكد إخشيشن أن النقابة تدافع عن المصالح المعنوية والمادية والمهنية للصحفيين المنخرطين فيها، كما تدافع عن حرية الصحافة والإعلام بشكل عام.
من الجوانب المهمة في عمل إخشيشن والنقابة، ما ذكره بأن النقابة تدافع عن 80% من القضايا المتعلقة بالصحفيين، حتى لأولئك الذين لا ينتمون إليها. هذا التوجه يبرز استراتيجية واسعة للمناصرة، حيث تضع النقابة نفسها كمدافع شامل عن حقوق الصحفيين، بغض النظر عن انتمائهم النقابي. وهذا يعكس أيضًا الطبيعة الواسعة للتحديات التي تواجه الصحافة، والتي تتطلب موقفا وقائيا شاملا من النقابة.
3.3. مواجهة اللوبيات والتضييقات: التحديات والجدل
ظل إخشيشن صامدا في الدفاع عن مبادئ المهنية والأخلاق، رغم محاولات البعض للانتقاص من دوره وخلق “مؤامرات” لإضعافه أو تشويهه . ومع ذلك، واجهت النقابة تحت قيادته انتقادات، لا سيما في حادثة وقعت في يونيو 2025، حيث أفادت تقارير بأن إخشيشن منع تنظيم ندوة صحفية داخل مقر النقابة بالرباط لتنسيقية تضم 23 هيئة مدنية معنية بمكافحة الفساد، مستشهدًا بـ”اتصال هاتفي” غير مبرر.
أثار هذا القرار استنكارا واسعا من قبل الجمعيات الحقوقية، التي اعتبرته “سابقة غير مفهومة” و”مخالفة جوهرية لمبادئ الصحافة الحرة”، مشككة في استقلالية النقابة ومصداقيتها. هذا التضارب بين الصورة التي يقدمها إخشيشن كرافض للإقصاء وبين هذا الحدث المحدد، يسلط الضوء على توترات محتملة أو ضغوط داخلية أو خارجية قد تؤثر على دور النقابة في الدفاع عن الحريات الإعلامية. هذا الأمر يشير إلى أن الرحلة نحو حرية الصحافة الكاملة لا تزال تواجه تعقيدات وتحديات تتطلب يقظة مستمرة.
4.3. دور النقابة في التكوين والتأطير المستمر والأنشطة الأخيرة
تساهم النقابة الوطنية للصحافة المغربية بفعالية في التكوين والتكوين المستمر للصحفيين. وقد أكد إخشيشن على ضرورة تكثيف التدريبات لمواجهة التطورات الهائلة في المهنة، بما في ذلك السلامة الرقمية الإعلامية وتأثير الذكاء الاصطناعي على الصحفيين. هذا التركيز على التكوين في مجالات حديثة يعكس وعيا استراتيجيا بالتحديات والفرص الناشئة في المشهد الإعلامي الرقمي، مما يضمن بقاء الصحفيين مؤهلين وآمنين في بيئة متغيرة.
تتنوع أنشطة النقابة لتشمل تنظيم الأعضاء وتأطير الصحفيين، وإنجاز مقترحات حول القوانين المنظمة للصحافة والإعلام، وإعداد دراسات وتقارير حول ممارسة حرية الصحافة. كما تشارك النقابة في فعاليات وطنية ودولية، مثل المؤتمر العام السادس للصحفيين الذي ناقش آليات تطوير المحتوى وإشكاليات الثورة الرقمية. وتصدر النقابة بيانات حول الأوضاع المادية للعاملين وتدعو إلى تسريع الإصلاحات التشريعية لمدونة الصحافة والنشر وتفعيل الاتفاقية الجماعية الجديدة.
أبرز أنشطة النقابة الوطنية للصحافة المغربية تحت قيادة عبد الكبير إخشيشن
نوع النشاط | الوصف/الحدث | الفترة الزمنية | الأهمية/التأثير |
الدفاع والمناصرة | الدفاع عن حقوق الصحفيين والمقاولات الإعلامية | مستمر | حماية المهنيين من المضايقات، تعزيز استقلالية القطاع |
التكوين والتأهيل | دورات تكوينية في السلامة الرقمية والذكاء الاصطناعي | مستمر، أبرزها في مؤتمرات دولية | مواكبة التطورات المهنية، تعزيز كفاءة الصحفيين في العصر الرقمي |
التنظيم النقابي | المؤتمر الوطني التاسع للنقابة | ديسمبر 2023 | انتخاب قيادة جديدة وشعار “تحصين المهنة وحماية المهنيين” |
المشاركة العامة | المشاركة في منتديات دولية ومعارض الكتب | أبريل-مايو 2025 | تعزيز التعاون الإعلامي، إبراز دور النقابة الثقافي |
إصدار البيانات | بيانات حول الأوضاع المادية ودعوات للإصلاح التشريعي | مستمر، آخرها يونيو 2025 | الضغط على الحكومة لتطبيق الاتفاقيات وتحسين الظروف |
الجدل | منع ندوة صحفية لمنظمات مدنية | يونيو 2025 | أثار تساؤلات حول استقلالية النقابة وحرية التعبير |
4. تكامل الأدوار: شراكة نحو إعلام حر ومسؤول
على الرغم من الاختلاف في الأدوار المؤسسية بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، فإن جهود الوزير بنسعيد ورئيس النقابة إخشيشن تتقاطع في أهدافها الأساسية الرامية إلى تقوية الإعلام المغربي وضمان كرامته.
1.4. نقاط الالتقاء بين رؤية الوزارة وعمل النقابة
يتشارك كل من الوزير بنسعيد ورئيس النقابة إخشيشن في الإيمان بأهمية حرية الصحافة، وضرورة الالتزام بأخلاقيات المهنة، وأهمية التكوين المستمر للكوادر الإعلامية. هذا التأكيد المشترك على “الحرية والمسؤولية” من قبل كل من الحكومة والنقابة، يمثل أرضية أيديولوجية مشتركة ومرجعية أساسية لإصلاحات الإعلام. هذا الإطار التوافقي يسهم في توجيه الجهود نحو إعلام مهني ومسؤول، يوازن بين الحقوق والواجبات.
2.4. الحوار المستمر بين الفاعلين لبناء مستقبل الإعلام المغربي
يصر الوزير بنسعيد على ضرورة وجود حوار مستمر بين جميع الفاعلين في المجال الإعلامي، بهدف بناء مستقبل أكثر إشراقا وتجديدا للإعلام المغربي، بما يتلاءم مع متطلبات العصر وتطلعات الشعب. هذا الإصرار على الحوار يشير إلى فهم عميق بأن إصلاح الإعلام عملية مستمرة وتكيفية تتطلب مساهمة جميع الأطراف المعنية. وهذا يعكس نهجا حوكميا ناضجا يقر بتعقيد وديناميكية قطاع الإعلام، وضرورة التعديلات المستمرة.
3.4. التحديات المشتركة التي تواجه القطاع
يواجه قطاع الإعلام المغربي تحديات هيكلية عميقة، بما في ذلك اختلالات على مستوى المقاولات الإعلامية، وقضايا تتعلق بمهنية الصحفيين وأخلاقيات المهنة، وتأثير التحول الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي التي غالبا ما تطمس الخطوط الفاصلة بين الصحافة المهنية وغير المهنية. وقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن هشاشة مالية حقيقية في المقاولات الإعلامية الخاصة، مما يؤكد الحاجة إلى نماذج اقتصادية مستدامة. كما يواجه القطاع تحديات تنظيمية، مع ظهور فاعلين غير مهنيين يساهمون في “الفوضى”. هذه التحديات ليست مجرد قضايا معزولة، بل هي مشاكل نظامية تتطلب إعادة تقييم جوهرية لنماذج الأعمال الإعلامية والمعايير المهنية في العصر الرقمي.
5. الإعلام المغربي في ضوء الرؤية الملكية السامية
تعد الرؤية الملكية السامية للملك محمد السادس، حفظه الله، إطارا مرجعيا أساسيا لجهود تطوير الإعلام في المغرب.
1.5. تأكيد على دور الإعلام كركيزة للديمقراطية وحقوق الإنسان
تؤكد الرسائل الملكية باستمرار على الدور الحيوي للإعلام كفاعل أساسي وشريك لا محيد عنه في بناء الصرح الديمقراطي للمملكة. وقد شدد جلالة الملك على أن “الحرية والمسؤولية هما عماد مهنتكم ومنبع شرفها”. هذا التأكيد المستمر على الحرية المقترنة بالمسؤولية يوفر إطارا أيديولوجيا يضفي الشرعية على إصلاحات الإعلام، ويجعل الجهود الحالية للوزير بنسعيد ورئيس النقابة إخشيشن متجذرة في رؤية وطنية أوسع للتقدم الديمقراطي.
2.5. كيف تتماشى جهود بنسعيد وإخشيشن مع التطلعات الملكية لتطوير الإعلام
يعمل كل من الوزير بنسعيد ورئيس النقابة إخشيشن ضمن هذا الإطار الملكي الشامل، حيث تهدف مبادراتهما إلى تعزيز قطاع إعلامي حر ومسؤول ومهني. يؤكد الوزير بنسعيد أن التحديات التي تواجه وحدة المغرب الترابية تفرض ضرورة وجود وسائل إعلام مكتوبة ومسموعة وبصرية وإلكترونية حاضرة إقليميًا وقاريًا، لنقل منجزات المغرب بقيادة الملك. هذا الربط بين تطوير الإعلام والدفاع عن القضايا الوطنية يكشف عن بعد استراتيجي في الرؤية الملكية، حيث لا يُنظر إلى الإعلام كركيزة ديمقراطية فحسب، بل كأداة للدبلوماسية الوطنية وتعزيز صورة البلاد.
3.5. التقدم المحرز في مؤشر حرية الصحافة
أظهرت التقارير الأخيرة تقدمًا للمغرب في مؤشر حرية الصحافة العالمي، حيث تقدمت المملكة 15 رتبة. وقد عزى تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” هذا التقدم إلى تراجع حالات اعتقال الصحفيين من قبل السلطات المغربية مقارنة بالسنوات السابقة. ومع ذلك، يشير التقرير نفسه إلى أن “التضييق مستمر”. هذا التقييم الدقيق يوضح أن التقدم المحرز جزئي، وأن التحديات الأساسية أو الأشكال الخفية من الرقابة قد لا تزال قائمة. هذا يعني أن المسار نحو حرية الصحافة الكاملة لا يزال مستمرًا ومتعدد الأوجه، ويتطلب جهودًا متواصلة تتجاوز مجرد الإصلاحات القانونية إلى تغييرات ثقافية ومؤسسية أوسع.
6. آفاق إعلام مغربي مزدهر
تؤكد التحليلات أن مسيرة بناء إعلام مغربي قوي، مستقل، ومسؤول هي عملية مستمرة تتطلب التزاما دائما وتكيفا مع المستجدات. إن الجهود المتضافرة لوزارة الشباب والثقافة والتواصل بقيادة الوزير محمد المهدي بنسعيد، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية برئاسة عبد الكبير إخشيشن، تمثل حجر الزاوية في مواجهة التحديات الراهنة واغتنام الفرص المستقبلية. يعتمد نجاح هذه المبادرات على استمرارية الالتزام، وشفافية الحوار، والقدرة على التكيف مع واقع الإعلام الجديد. إن التأكيد المتكرر للوزير بنسعيد على “بناء الثقة في قيادته” يشير إلى أن شرعية وفعالية إصلاحات الإعلام لا تقتصر على مجرد تطبيق السياسات، بل تمتد إلى بناء الثقة بين الصحفيين والجمهور، مما يؤكد أهمية الشفافية والمساءلة في القيادة.
ختاما، توصيات نهائية لتعزيز القطاع:
لتعزيز مسار تطوير الإعلام المغربي نحو مستقبل مزدهر، يوصى بما يلي:
- تفعيل الحوار المستمر: يجب ترسيخ وتوسيع منصات الحوار الشامل والمستمر بين الحكومة، والمهنيين الإعلاميين، والمجتمع المدني، والأكاديميين، لمعالجة التحديات الناشئة وصياغة السياسات المستقبلية بشكل جماعي.
- دعم التحول الرقمي: زيادة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتوفير التدريب المتخصص في إنشاء المحتوى الرقمي، وتعزيز الأمن السيبراني للمؤسسات الإعلامية والصحفيين، إدراكًا للتحول المتزايد نحو المنصات الرقمية.
- ضمان الاستدامة الاقتصادية: استكشاف نماذج تمويل متنوعة ومستدامة للمقاولات الإعلامية تتجاوز الدعم الحكومي، وتشجيع الابتكار في توليد الإيرادات لضمان بقاء الصحافة كقطاع حيوي.
- تعزيز الأخلاقيات والمساءلة: تقوية آليات الالتزام بأخلاقيات المهنة والتنظيم الذاتي، بما يضمن المساءلة مع الحفاظ على حرية الصحافة.
- مواصلة المواءمة مع الرؤية الملكية: الاستمرار في مواءمة استراتيجيات تطوير الإعلام بشكل وثيق مع الرؤية الملكية، والاستفادة من تركيزها الاستراتيجي على الإعلام كأداة للتقدم الوطني والتأثير الدولي.
- معالجة التحديات الداخلية للنقابة: يجب على النقابة الوطنية للصحافة المغربية معالجة الانتقادات الداخلية بشفافية، والتأكد من أن تصرفاتها تتوافق باستمرار مع مهمتها المعلنة في الدفاع عن حرية الصحافة وكرامة المهنة لجميع الصحفيين، بغض النظر عن انتمائهم. كما يجب تسريع الإصلاحات التشريعية لمدونة الصحافة والنشر وتفعيل الاتفاقية الجماعية الجديدة لضمان الحقوق المادية والمهنية للصحفيين.
التعليقات مغلقة.