في زيارة طارئة هي الثالثة خلال أقل من نصف عام، وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن يوم الاثنين الماضي، وسط زخم إعلامي وسياسي كبير، وتكهنات حول دوافع العجلة في توقيت الزيارة، والتي تأتي في ظل مفاوضات متعثرة لوقف إطلاق النار في غزة وصفقة تبادل أسرى بين إسرائيل وحركة حماس.
ركز اللقاء بين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الحرب في غزة والجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، حيث أشار نتنياهو إلى أن المحادثات تشهد “تقدماً ملموساً”، رغم أن رد حماس كان “أقل مما توقعته إسرائيل”. إلا أن التقارير الإسرائيلية تشير إلى أن نقطة الخلاف الرئيسية تكمن في الانسحاب الإسرائيلي من محور “موراغ” الاستراتيجي جنوب غزة، حيث ترفض إسرائيل التنازل عن السيطرة عليه حتى بعد الهدنة.
من جهته، يسعى ترامب إلى تحويل أي اتفاق مؤقت إلى صفقة دائمة تنهي الحرب، وربما يعلن عنها قبل نهاية زيارة نتنياهو. لكن الشكوك تحوم حول نوايا نتنياهو، خاصة بعد سجلّه من المناورات التي أفشلت اتفاقيات سابقة، كما حدث في مارس الماضي.
أثار نتنياهو جدلاً بتصريحه حول خطة “طوعية” لتهجير سكان غزة، قائلاً: “من يريد البقاء فليبقَ، ومن يريد المغادرة فليغادر”، مؤكداً تنسيق ذلك مع واشنطن للبحث عن دول تستقبل المهجرين. كما أعاد التأكيد على رفضه لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، مشدداً على ضرورة بقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية على المنطقة.
وفي تحليلها للوضع، ترى الصحفية الإسرائيلية آنا براسكي أن نتنياهو يتعامل بحذر مع شركائه في الائتلاف الحكومي اليميني، ويختار مساراً “نصف إستراتيجي ونصف سياسي” لتجنب انهيار حكومته، بينما يسعى ترامب لتحويل الاتفاق إلى إنجاز انتخابي.
لا تقتصر الزيارة على ملف غزة، بل تمتد إلى الملف الإيراني، حيث أكد ترامب أن واشنطن ستستخدم كل وسائلها لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، مشيراً إلى أن طهران أبدت رغبة في استئناف الحوار. من جانبه، يسعى نتنياهو إلى استثمار الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران لدفع واشنطن نحو موقف أكثر تشدداً، سواء عبر ضرب البرنامج النووي الإيراني أو فرض شروط إسرائيلية على أي اتفاق مستقبلي.
كما يطالب نتنياهو بتعزيز التعاون العسكري مع واشنطن، خاصة بعد كشف الضعف في الدفاعات الإسرائيلية خلال الهجوم الإيراني الأخير. وقد قدّم أعضاء في الكونغرس مشروع قانون يسمح بتحويل قاذفات “بي-2” الشبح وقنابل خارقة للتحصينات إلى إسرائيل في حال استمرار التهديد النووي الإيراني. إلا أن خبراء يستبعدون موافقة البنتاغون على منح إسرائيل أسلحة إستراتيجية قد تغير موازين القوى في المنطقة.
يعوّل نتنياهو على “فرصة تاريخية” لتوسيع نطاق التطبيع في المنطقة، مستفيداً من دعم ترامب لرؤيته القائمة على “السلام بالقوة”. فقد صرّح بأن الحرب غيّرت الشرق الأوسط جذرياً، مما يفتح الباب أمام مزيد من اتفاقيات التطمع، خاصة مع السعودية ودول عربية أخرى.
لكن الخبراء يشيرون إلى أن تحقيق هذه الرؤية يتطلب أولاً إنهاء الحرب في غزة، وهو ما قد يدفع نتنياهو لقبول صفقة أسرى ووقف إطلاق النار، رغم معارضة حلفائه اليمينيين. كما أن تشكيلة حكومته الحالية تعيق أي خطوات نحو تسوية سياسية شاملة، مما يجعله يراهن على انتخابات مبكرة بعد إنهاء الأزمة.
التعليقات مغلقة.