حميدة الجازي
يخلد الشعب المغربي ومعه نساء ورجال الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، الذكرى 69 لملحمة ثورة الملك والشعب، التي جسدت أروع صور التلاحم في مسيرة الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي من أجل رفعة الوطن وحريته واستقلاله.
ثورة الملك والشعب التي بدأت شرارتها الأولى بحدث نفي السلطان “محمد بنيوسف” طيب الله ثراه وأسرته الملكية الشريفة، الذي امتدت إليه يد المستعمر الأثمة، رغبة منها في ضرب رمز السيادة الوطنية وقطع أواصر التواصل والتجاوب الذي كان قويا بين جلالة المغفور له الملك “محمد الخامس” طيب الله ثراه ومختلف مكونات القوى الوطنية، غير أن حساباتها وأوراقها ستتبعثر وستكون هذه الواقعة أخر مسمار يدق في نعشها.
لقد وقف الشعب المغربي قاطبة وقفة رجل واحد، صامدا في وجه هذا المخطط الاستعماري المتغطرس الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء، مضحيا بالغالي والنفيس في سبيل رفعة الوطن وكرامته وعزته ودفاعا عن مقدساته الدينية والوطنية، فلا صوت كان يعلو آنذاك إلا صوت المطالبة بعودة رمز وحدة الأمة المغربية مظفرا منتصرا حاملا لواء الحرية والاستقلال.
لقد كانت هذه الفعلة النكراء سببا في اشتعال جذوة المظاهرات، وانتشار الاحتجاجات وأعمال المقاومة السرية والفدائية، لقد انطلق الشعب المغربي كالمارد مخاطبا المستعمر الآثم بلغة الحديد والنار، وكانت البداية مع العملية الفدائية الشهيرة التي قام بها الشهيد علال بن عبد الله في 11 شتنبر 1953 ومتا تلاها بعد ذلك من عمليات فدائية سجلت بمداد من الفخر والاعتزاز في تاريخ الكفاح الوطني.
كما فجأ جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه المستعمرين بقوة الإيمان ومنهجية نمت عن التدبير الحكيم والتخطيط السليم والوعي والإدراك والمعرفة والتكوين لان جلالته لم يتفاجأ بهذا الموقف المتغطرس الذي جاء وليد حصيلة من التوترات الخطيرة التي عرفتها العلاقة بين القصر الملكي والإقامة العامة كان من أهمها أن الإقامة قد أخفقت في استخلاص قرار من حكومة المخزن باعتقال جميع الذين كانوا وراء تحرير وثيقة المطالبة بالاستقلال والعرائض الموازية لها لان السلطان كان يرفض ذلك قائلا : أنا غير موافق على قمع أبنائي ومسهم بسوء إنني لا أملك من القوة ما تملكون فلتتحمل السلطات الفرنسية وحدها مسؤولية سياستها.
وحقيقة يمكننا القول أن ثورة الملك والشعب قد ابتدأت يوم 11 يناير 1944 مع تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال فهو اليوم الذي اعتبر فيه المغاربة ملكا وشعبا أن عهد الحماية قد انقضى وان الاستقلال والحرية هما الطريقان الوحيدان لتحقيق مطامح البلاد.
لقد جسدت ثورة الملك والشعب بحق عربون وفاء بين المغاربة الغيورين على هذا الوطن وأب الأمة طيب الله ثراه الملك محمد الخامس، كما أظهرت عمق الإيمان العميق الذي تحلى به العرش والشعب لكبح جماح المستعمر الغاشم، و إيقاف مؤامراته من أجل دحر الهوية المغربية كما كان إيمانهم كبيرا بأن النصر سيكون حليفهم.
إن الثورة كفكرة لا ترتبط بمكان ولا زمان ومن هنا يأتي الاحتفال دائما بهذه الذكرى الغالية، ليس فقط للتدبر في معانيها ودلالاتها ورمزيتها بل لآنها تحمل معنى “الاستمرارية ” التي تتواصل مع جلالة الملك محمد السادس نصره الله بكل تحديات المرحلة الحالية ، إنها ثورة ملكية وشعبية مستمرة، ثورة متجددة نحو مغرب التقدم والازدهار على كافة المستويات وفق الحكامة الرشيدة والمتبصرة والسديدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
التعليقات مغلقة.