أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

جدلية 26 سبتمبر بين الثورة والانقلاب في اليمن

ثورة 26 سبتمبر التي تمت في 1962م، ومن خلال ربطها بثورة الـ14 من أكتوبر 1963م، والتضحيات الكبيرة في سبيل ترسيخها وتحقيق أهدافها الستة، وحرب السبع السنوات بين الجمهوريين والملكيين المدعومين من “آل سعود”.

 

كل تلك الأحداث التي مرت بها اليمن وضعت نفسها أمام الكُتاب والنقاد ليتحدثوا عن ثورة 26 سبتمبر، هل هي ثورة أم انقلاب؟ وأصحاب الرأيين كلٌ له توجهاته، باعتبار أن من يذهب إلى مصطلح الثورة بأنها تنطبق على ثورة الـ14 من أكتوبر 1963م، باعتبار أنها ضد المستعمر البريطاني أمام ثورة 26 سبتمبر هو انقلاب داخلي وتغيير نظام، لكن بغض النظر عن القولين نتحدث عن النتائج ومخرجات الثورتين، هل كانت صائبة وأحدثت نقلة نوعية في حياة الشعب اليمني أم العكس من ذلك أو أنها لم تصل إلى ما كان يؤمل منها في تغيير الوضع المأساوي في اليمن المشطر، ومن خلال ما سبق من استعراض للأحداث قبل وأثناء الثورة وبعدها تشاهد تغييرا إيجابيا كبيرا في حياة الشعب اليمني وبصورة تدريجية خاصة في شمال الوطن، كون جنوب الوطن دخلت عليه الصراعات المبكرة بين الجبهتين القومية والتحرير كما هو في شمال الوطن الذي ظل في صراع وانقلابات مستمرة شكلت خلال رئاسة “السلال” و”الإرياني” 22 حكومة مما يؤشر على عدم استمرار الوضع عموماً.

 

ما أريد أن أصل إليه من استخلاص مختصر لهذه الحقبة من تأريخ اليمن بأن الثوار أدوا ما عليهم ووضعوا أهداف ومسؤولية التنفيذ على من يليهم بالمسؤولية المتناقلة منذ 1962م حتى يومنا هذا، لكن ما هو ملاحظ بشكل جلي أنه وبعد مرور قرابة الخمسين عاماً من عمر الثورتين سبتمبر وأكتوبر، ويأتي من يطالب بالعودة إلى حكم الإمامة بطريقة أو بأخرى، ومن يطالب بالأستعمار وبصور مختلفة ومتعددة، مما يبرز لنا مؤشراً سلبياً بأن الثورة وأهدافها النبيلة والسامية لم تخلق جيل مؤمناً ومتمسكا بأهدافها والدفاع عنها، لكنهم تخلوا عنها بعد ستين عاماً من أول صراعات القرن الواحد والعشرين، فأين القصور في عدم وصول الثورة إلى عقول أبناءنا والجيل الحالي والقادم، فإن مراجعة منهجية الثورة وترسيخ أهدافها، وبناء المجتمع اليمني على أساسها يجب أن نعترف بفشلها والعمل على تصحيح المسار، وأعتقد بأن المشكلة الرئيسية هي سلوكيات القيادات التي تعاقبت على قيادات الدولة في الشمال والجنوب، وبعد الوحدة خلقنا جميعاً جيلاً متصارعاً وغير متصالحاً مع نفسه ومع الغير وغير منسجم مع آراء من يحملون رايات الثورة والجمهورية، والواقع العملي يشير إلى عكس ذلك مما خلقنا اليأس لدى مواطنينا وأن ثورتي سبتمبر وأكتوبر أكذوبتان بدليل عدم إيجاد جيل متجانس مؤمن بالثورة الأم وأهدافها الستة، بل وُجد بينهم من يحن إلى الماضي ويعيدنا مرة أخرى للمربع الأول وهو جرس إنذار بأن القائمين على الأمر سياسياً واجتماعياً وتعليمياً لم ينجحوا وهذا ما نوصي به من خلال استعراضنا للصراعات المستمرة والأزمات المتلاحقة سياسياً وعسكرياً وانقسام جاء من المجتمع اليمني يجعلنا نفكر ألف مرة في الاعتراف بأخطائنا وتصحيح مسار الثورة والجمهورية وتصبح واقعية تتفق مع تطلعات الشعب اليمني المهدد اليوم بأمنه واستقراره وجمهوريته ووحدته، فليس أمامنا سوى الهروب إلى المصارحة والمصالحة والاتفاق على ما يجمع الأمة بين ثوابت ليست مقدسة لكن تلقى إجماع معقول يحقق للوطن الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي مترجماً أو مصححاً لأهداف الثورة اليمنية الأم، وليس عيباً أن نطلق على مستقبل نبنيه بصورة قريبة للواقع بالجمهورية الثانية أو الثالثة.. المهم يلمس المواطن حقيقة الثورة وترجمة أهدافها، وتغيير جذري ينقل الشعب من وضع سيئ إلى وضع أفضل، وبالتالي مراجعة المسميات لم يكن الدافع انتقامي في حق جهود الثوار وتضحياتهم الجسيمة، لكن كان الدافع هو في ضوء النتائج لما بعد الثورة والوضع الذي أفرزته، ويظل الأمر محل تقييم، وأي إخفاقات يتم التقليل من ثمار الثورة أياً كانت، وبالتالي المواطن البسيط قد لا يدخل في عمق الحدث وأبعاده ومسألة الحرية والكرامة بقدر ما يقيس كل ذلك على وضعه المعيشي والأمني والجوانب الصحية والتعليمية والخدمات الأساسية التي تسير حياته وبعدها يقيم إما أن تكون ثورة سبتمبر ثورة حقيقة أو انقلاب، وكذا ثورة أكتوبر وصولاً إلى مايسمى ثورات شباب الربيع العربي.

 

 اليوم المواطن يقيمها بأنها نكبة وليست ثورة شعبية، باعتبار أن المحصلة العامة التي آلت إليه الأمور في كثير من البلدان ومنها اليمن كارثية حروب وانقسامات وأزمات وفتن لم تهدأ حتى اليوم للأسف الشديد.

مسلسل الصراعات على السلطة في شمال الوطن وجنوبه: 

فيما يلي مقارنة سريعة بين التصفية الجسدية والانقلاب الأبيض أو الديمقراطية لإنهاء حكم كل رئيس في نظامين متناقضين وأثناء دولة الوحدة.

ستة رؤساء في الشمال وخمسة في جنوب اليمن، ورئيسان في دولة الوحدة، ثم انقسام ورئيسين وحكومتين في صنعاء وعدن.

أولاً: الرؤساء في شمال الوطن :

عهد الرئيس عبدالله السلال (1962-1967م): 

بعد الإعلان عن قيام النظام الجمهوري في 26 سبتمبر 1962م، وقيام الجمهورية العربية اليمنية سُمي الزعيم عبدالله السلال أول رئيس للنظام الجمهوري وتشكلت أثناء فترة حكمه 11 حكومة ترأس الحكومتين الأولى والثانية المشير عبدالله السلال، وفي 5 نوفمبر 1967م أعلى في صنعاء عن الإطاحة بالرئيس عبدالله السلال.

تشكيل مجلس رئاسة جديد (المجلس الجمهوري): 

برئاسة القاضي عبدالرحمن يحيى الإرياني وشهدت هذه الفترة تشكيل 11 حكومة أيضاً منذ عام 1967م إلى 1974م، وتم عمل انقلاب أبيض وتم توديعه من مطار تعز إلى منفاه الاختياري بدولة سوريا.

عهد الرئيس إبراهيم الحمدي (13/6/1974م – 11/10/1977م): 

بعد تسلم الجيش للحكم في 13 يونيو 1974م بعد استقالة القاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري وأعضاء المجلس تم تشكيل مجلس قيادة مكون من سبعة أعضاء برئاسة المقدم إبراهيم محمد الحمدي وشهدت هذه الفترة تشكيل حكومتان.

عهد الرئيس أحمد حسين الغشمي

 (11/10/1977-24/6/197م) 

بعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في 11 أكتوبر 1977م تولى المقدم أحمد حسين الغشمي السلطة في البلاد وخلال فترته القصيرة تشكلت حكومة وحدة.

تم تكليف القاضي عبدالكريم العرشي رئيساً مؤقتاً لمدة أربعين يوماً فقط. 

عهد الرئيس علي عبدالله صالح (17/7/1978-22/5/1990م): 

بعد اغتيال الرئيس أحمد حسين الغشمي في 24 يونيو 1978م انتخب مجلس الشعب التأسيسي في 17 يوليو من نفس العام المقدم علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية، وتم تشكيل ثلاث حكومات في عهده حتى قيام الوحدة اليمنية في الـ22 من مايو 1990م.

ومن خلال ما سبق، ستة رؤساء في شمال الوطن منذ قيام ثورة الـ26 من سبتمبر عام 1962م وحتى قيام دولة الوحدة في الـ22 من مايو 1990م.

رئيسان انتهت فترة حكمهما بانقلاب أبيض، هما السلال والإرياني ورئيسان انتهت فترة حكمهم بالتصفية الجسدية وهما الحمدي والغشمي، ورئيس مؤقت خرج بسلام من السلطة لمدة أربعين يوماً هو القاضي العرشي، والرئيس الأخير لليمن الشمالي انتهت فترة رئاسته الأولى لليمن بقيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990م وهو علي عبدالله صالح محقق الوحدة مع أخيه علي سالم البيض.

يلاحظ بأن أربعة رؤساء صعدوا من المؤسسة العسكرية واثنين مدنيين، مما يشير إلى أن الجانب العسكري مهم في تنصيب ودعم الرؤساء في دول العالم الثالث. 

كما أن أسباب الإطاحة بالرؤساء في شمال الوطن كان سببه الرئيسي عوامل خارجية من دول الجوار. 

أما في جنوب اليمن كان سببه صراعات داخلية وثارات كبيرة وكذا تدخلا خارجيا.

وعن الوضع في جنوب الوطن سنواصل الحديث عنه في ذكرى ثورة ال 14 من أكتوبر.

 

د. علي محمد الزنم

عضو مجلس النواب اليمني

التعليقات مغلقة.