يعيش المغرب جدلا واسعا حول قرارات دعم الصحافة، حيث اختارت الحكومة تخصيص الدعم للصحف التي تحقق أرباحا كبيرة وتستحوذ عليها شركات كبرى يملكها مسؤولون نافذون، في حين تُركت الصحف الصغيرة والمتوسطة التي تقدم خدمة عمومية وتعاني من أزمات مالية خانقة بعد جائحة كورونا، دون أي دعم فعال.
تظهر السياسة المغربية الحالية في دعم الصحافة انحيازا واضحا لصالح المؤسسات الإعلامية ذات الأرباح الكبيرة، والتي تستحوذ عليها شركات مملوكة لشخصيات نافذة، منها رئيس الحكومة ووزراء سابقون.
هذا التوجه يهدد بتقليص التعددية الإعلامية وضرب الصحافة المستقلة، ويحول الدعم المخصص للإعلام من هدفه الأساسي، المتمثل في تعزيز التعددية وتنمية القراءة ودعم الموارد البشرية، إلى أداة لتعزيز التجارة والمصالح الخاصة.
وفي ظل هذه السياسات، تواجه الصحافة المغربية أزمة وجودية، حيث تُجبر العديد من الصحف الصغيرة والمتوسطة على الإغلاق أو تقليص نشاطها، ما يؤدي إلى تسريح آلاف العاملين في القطاع، وضرب التعددية الإعلامية في مقتل.
إذا كان النموذج السويسري يعتبر الصحافة أداة حيوية للديمقراطية ويضمن لها دعماً مالياً يعكس قيم التعددية والشفافية، فإن التجربة المغربية تثير تساؤلات جدية حول مدى التزام الحكومة بمبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص المنصوص عليها في المادة السابعة من قانون الصحافة والنشر.
فالقرارات الحكومية المغربية، وفقاً للمكتب التنفيذي للفيدرالية الوطنية للصحافة، تتعارض مع أهداف الدعم العمومي المتمثلة في تنمية القراءة وتعزيز التعددية ودعم الموارد البشرية، لتحل مكانها معايير تجارية تخدم مصالح عدد محدود من المؤسسات الإعلامية.
بينما يسعى النموذج السويسري إلى الحفاظ على الصحافة كأحد ركائز الديمقراطية، يبدو أن النموذج المغربي يسير نحو تقويضها لصالح المصالح التجارية.
ومع استمرار هذه السياسات، تواجه الصحافة المغربية مستقبلاً غامضاً، ما لم يتم تدارك الوضع بسياسات إصلاحية تعيد التوازن وتضمن شفافية وحيادا حقيقيين في دعم الصحافة.
في الختام، هل سيعيد المغرب النظر في سياساته لدعم الصحافة المكتوبة، مستلهماً من التجربة السويسرية التي تعتبر الصحافة جزءاً لا يتجزأ من الديمقراطية، أم أن هذه السياسات ستُبقي الصحافة في قبضة المصالح الخاصة، مهددة بخسارة أهم ركائز التعددية الإعلامية؟
التعليقات مغلقة.