بقلم : محمد حميمداني
مع بداية شهر يناير ، يكون المغاربة على موعد مع العديد من المواسم و المناسبات ، ضمنها رأس السنة الأمازيغية ، المعروفة شعبيا بأسماء من قبيل “أمغار، يناير ، الحاكوز أو الحاكوزة” ، فما دلالات هاته المناسبات ؟ و ما السر في المحافظة على قوتها ، على الرغم من مظاهر النسيان التي بدأت تطال عمقها التاريخي و الشعبي و التراثي الإنساني ؟
“حاكوزة أو اليناير” ، التي تصادف 13 يناير من كل سنة ، إضافة إلى ما أطلق عليه المغاربة اسم “العنصرة” المرتبطة بيوم 24 من يونيو من كل سنة ، كل هاته المناسبات ارتبطت بثقافة أمازيغية ، قبل أن تكون أعيادا تخلد و يحتفل بها شعبيا ، و هي تؤرخ لمرور 3000 سنة على انتصار “شيشونغ” ملك الأمازيغ على الفراعنة سنة 950 ق م ، ليتمكن عقب ذلك من حكم بلاد مصر ، هذا الحدث الذي ارتبط ببداية السنة الفلاحية .
العديد من الأسر الأمازيغية و العربية ، سارت على هدى الاحتفال بهذا اليوم في البيوت ، على الرغم من بداية تآكل هذا الحدث الذكرى في الضمير الجمعي المغربي ، ليلحق بالعديد من التقاليد و المناسبات المغربية التي اندثرت ، أو التي هي في الطريق
على الرغم من اختلاف أشكال الاحتفال بين المدن و المداشر المغربية ، إلا أن الجامع بينها ، هو زمن الاحتفال بها المرتبط ببداية السنة الفلاحية “يناير” و الذي يصادف منتصف ( الليالي ) حسب التعبير الفلاحي ، أي مرور الأربعين يوما ، مقسمة بتقويم العشرين يوما ، العشرين الأولى ، تعرف ب “الليالي الكحلى” ، أو الليالي السوداء ، عرفت بهذا الاسم لوفرة الأمطار خلالها ، و لشدة سواد الغيوم المصاحبة لها ، فيما تعرف العشرين الثانية باسم (الليالي البيضاء ) ، ارتباطا بانحسار قوة الأمطار خلالها بعض الشيء .
تختلف طقوس الاحتفالات المصاحبة لهذا اليوم باختلاف المناطق المغربية ، ، ففي منطقة سوس تحضر النسوة صحنا من عصيدة الشعير أو الذرة ، و يضعون فيه نواة التمر ، فيما تحتفل الأسر بمنطقة المغرب الشرقي من خلال شراء الفواكه الجافة ، أما في مناطق جبال الأطلس و السهول المجاورة فالاحتفال يكون من خلال تهييء طبق من الكسكس بالدجاج و سبعة أنواع من الخضر أو أكثر ليلة 13 يناير ، تكون مصاحبة بالبيض المسلوق ، و فاكهة الرمان .
عادات و تقاليد جملت و أثثت المشهد الشعبي المغربي لسنوات عديدة ، و ربطت الأسر إلى بعضها البعض اجتماعيا ، و أعطت العربون على التشبث بالقيم و بالأرض و برحمة السماء ، لكن يبدو أن لغة النسيان بدأت تقتل كل شيء جميل من ذاكرتنا الموشومة ، فالمطلوب المحافظة على هاته الذاكرة الشعبية ، و رد الاعتبار لها باعتبارها تعبيرا ثقافيا يعكس المظاهر الرمزية في هذا التراث .
الأسطورة الأمازيغية القديمة تحكي أن عجوزا – حكوزا – استهانت بقوى الطبيعة ، و اغترت بنفسها ، في وجه الشتاء القاسي و لم تشكر السماء ، مما دفع “يان يور- يناير- و هو رمز الخصوبة إلى استعارة يوم واحد من (فورار) فبراير ، ليعاقب العجوز على جحودها ، فحدثت عاصفة أتت على كل ما تملك العجوز ، و تحول اليوم إلى ذكرى مأساوية ارتبطت في الذاكرة الجماعية برمز للعقاب .
فهلا استخلصنا الدرس من الأسطورة لننقذ تراثنا الشعبي من التآكل المفروض قسرا بقوة الزمن ، و قوة التغييب الرسمي للذكرى و الذاكرة الشعبية التي تشكل رمز استمرارية و تجسيد وحدة الأمة المغربية في السراء و الضراء ، دفاعا عن القيم و عن الأرض و الوطن ، ضد كل الدخلاء ، و هي القيم التي نحملها من “حاكوزة” أو “يناير” الشعبي ، و ليس يناير الرسمي الجاحد لفصول التاريخ و الذاكرة ، كما جحدت العجوز بقوة الأمطار فنالها الردع السماوي .
التعليقات مغلقة.