يونس التايب
كنت أنتظر أن أطالع، صباح يوم الإثنين، خبرا عاجلا، أو تدوينة فيسبوكية، تخبر المواطنين أن الكل لاحظ على وجه السيد رئيس الحكومة علامات التأثر و الحزن، و هو يهم بالدخول إلى مقر رئاسة الحكومة. وأن أحد مستشاريه المقربين، صادفه في بهو الإدارة، و سمع من السيد الرئيس، كلاما مليئا بالتأثر و الأسى، قال فيه:
“لم أستطع النوم هذه الليلة. أخبار الشباب الذين ماتوا في البحر، وصور أسرهم المكلومة، جعلتني أعتقد أننا نضيع السبت و الأحد في تجمعات و لقاءات تنظيمية حزبية، نتحدث على الشيء و لا شيء، و نخوض في صراعاتنا السياسوية و نغالي في “تقطار الشمع على الأحزاب الأخرى”، دون أن نراعي أن ما ينتظره الناس غير ما نحن عليه، ولا علاقة لما نقوم به بما وعدنا الناخبين به ..!!”.
ثم أن السيد الرئيس، ما أن استقر في مكتبه حتى طلب من ديوانه، دعوة تسعة من السادة الوزراء إلى اجتماع مستعجل على الساعة الحادية عشرة، يخصص بصفة استثنائية لدراسة فاجعة غرق عدد من الشباب الذين حاولوا، خلال نهاية الأسبوع، الهجرة سرا. على أن تتم في الاجتماع، دراسة الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمناطق التي كان يسكن فيها الضحايا و المفقودون، بغرض اتخاذ كل التدابير اللازمة لكي لا تتجدد هذه المصيبة، من خلال إنعاش المنطقة اقتصاديا و اجتماعيا، عبر :
– وضع فريق من الأطباء النفسيين، و المساعدين الاجتماعيين، لبدء سلسلة من اللقاءات مع الشباب و جلسات الاستماع، قصد فهم ما راكمته في أذهانهم و نفسياتهم، و محاولة فك العقد المتراكمة، و توفير المواكبة اللازمة، و استرجاع الثقة.
– تشخيص وضعية المرافق الاجتماعية، و توفير ما ينقص منها، و جعلها مدمجة للسكان. و أولها مرفق صحي متكامل، وثانوية بكل مرافقها، و وحدة للتكوين المهني.
– بناء ملاعب للقرب، و نادي ثقافي و ترفيهي.
– تخصيص منحة لكل من أراد من شباب المنطقة بدء استثمار فلاحي أو تجاري صغير، و توفير مواكبة لحاملي تلك المشاريع، من خلال تكوين خاص و مرافقة في مختلف الترتيبات الإدارية و التدبيرية، لمدة سنة من انطلاق المشروع.
– منح تحفيزات ضريبية للشركات التي تستقر في المنطقة وتلتزم بتشغيل أبناءها، بعقد عمل يحترم القوانين و يستمر لمدة سنتين على الأقل.
– تهيئة منطقة أنشطة اقتصادية صغيرة لتثمين المنتجات المحلية، و دعم تسويقها، ومنح أبناء المنطقة حق الاستغلال الحصري لمرافقها، وفق دفتر وحملات واضح يمنع “التفويتات المشبوهة”.
– إرسال لجنة تفتيش للمجلس الجماعي قصد افتحاص كل المشاريع و الميزانيات الممنوحة للمنطقة، و الوقوف على الاختلالات التي أحدثت العجز التنموي المفترض بأنه سبب التفكير في الهجرة.
– تشكيل لجنة تقنية تشتغل مع عمالة الإقليم، لتتميم مشروع التأهيل التنموي للإقليم، و رصد الميزانيات و ضبط الملفات التقنية و العقارية الخاصة بكل مشروع.
– البحث في الظروف و الملابسات التي أحاطت باشتغال الشبكة التي أجرت تنظيم عملية الهجرة، و استقطاب ضحاياها، دون أن يتم التصدي لعناصرها و تقديمهم للعدالة.
بطبيعة الحال، لم أقرأ خبرا كهذا و لا يبدو أنني سأصادف يوما ما، شيئا كهذا.
و عليه، في اعتقادي، لن تزيد الهوة إلا اتساعا، كل يوم، بين سرعتين متباينتين في هذا الوطن :
– من جهة، سرعة تطور المجتمع المغربي، سواء في الاتجاه السلبي أو الإيجابي، و سرعة تنامي المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، و حالة البؤس التي عليها الشباب و العاطلون من حملة الشواهد، و أبناء الطبقات الوسطى الذين ضاقت عليهم الحياة بسبب غلاء المعيشة وظروفهم المادية، تتكاثر الكفاءات المهاجرة، و ازدياد المستثمرين الذين أعياهم الفساد وقهرتهم الرشوة و ضبابية تفويت بعض الصفقات.
– و من جهة أخرى، سرعة السلطات العمومية، و أساسا الفاعل الحكومي، في مقاربة المجال و تدبيره و التعاطي مع شخوصه، وتقديم برامج و حلول حقيقية لما يعاني منه الناس؛ و كذا سرعة السلطة التشريعية، وقدرتها على إنتاج قوانين للتعاطي مع قضايا المواطنين ومستجدات الواقع.
الهوة بين السرعتين سحيقة وستزداد أكثر، لتكشف عن تباعد كبير بين ما يعيشه الناس، و ما يشغل بالهم، و بين قدرة الفاعل الحكومي على المواكبة و التتبع و تسهيل الديناميكيات المجتمعية، وقدرة السلطة التشريعية على التأطير القانوني لضبط واقع الناس.
نلحظ ذلك في كل محاور حياتنا : في مسألة وضعية النساء في مجتمعنا؛ في مسألة وضعية الشباب العاطل؛ في ظاهرة الهجرة السرية التي تزهق أرواحا بريئة تبحث عن لقمة عيش لا غير ؛ في مسألة التهميش الاجتماعي لفئات عديدة؛ في مسألة القهر النفسي الذي أظهرته حالات متتالية للانتحار في عدة مدن؛ في تفشي أنواع من المخدرات ؛ في استمرار إغلاق مصانع و شركات متوسطة و صغرى ؛ في ما يحكى عن تهريب أموال ؛ في استمرار البيروقراطية و سوء تدبير المال العام في عدة مواقع، دون أن تتدخل الحكومة لربط المسؤولية بالمحاسبة.
كل ذلك يجري يوميا، و لم نسمع أن الحكومة بكل أحزاب أغلبيتها، أنتجت فعلا يجسد ما تقوله من كلام جميل في خطابات و مهرجانات أحزابها و زعاماتها. و تستمر الحياة كأن تلك المشاكل غير موجودة، أو و كأننا نتوهم أن شبابا غرقوا في البحر، لا غير.
لكن يبقى المهم، لنا واقعنا الذي لا نستحقه، و تبقى للحكومة إنجازاتها العظيمة، و منها أننا “تنحلو الروبيني تاينزل الماء…. و تنبركو على الطفاية تايشعل الضوء”، و أننا “لأول مرة في تاريخ المغرب، صدرت نشرة إنذارية باللغة العربية من مصلحة الأرصاد الجوية”. أشنو بغينا أكثر من هادشي…؟ الباقي ليس إلا تفاصيل صغيرة، ليس لحكومة “كبيرة” أن تهتم بها و لا حتى بنا و بمن صوتوا عليها.
لننتظر التعديل الحكومي و ما سيحمله من كفاءات لعلنا نبدأ، أخيرا، سيرنا على طريق خدمة هذا الشعب المغربي الأصيل بما يستحقه و أكثر، ليبقى الأمل قائما و يتجدد.
التعليقات مغلقة.