أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

حركة 20 فبراير من الحلم إلى الحلم ، فما أنجز و تبقى من ذاك الحلم ؟ 

بقلم : محمد حميمداني

 ما بين سنتي 2011 و 2021 ، عشر سنوات منذ تفجر الانتفاضات الشعبية عبر مجموع التراب الوطني ، محليا و جهويا ، و التي تمركزت في مسار تطورها في نضال موحد ، و حركة موحدة ، حملت اسم حركة “20 فبراير” ، فما الذي تحقق من نتائج هاته الحركة ؟ و من أعاق مسار تطورها و تحولها عن تحقيق أهدافها ؟

 الأكيد أن الحركة في بداياتها قد استقطبت العديد من شرائح الشعب المغربي ، ليعم زخمها العديد من المدن و حتى القرى و المداشر ، بعد أن وحدها شعار مركزي في البداية و هو النضال من أجل تحقيق مطالب اقتصادية و اجتماعية ، ليتحول لاحقا إلى مطالب سياسية .

 زخم الحركة تهاوى بعد ذلك ، و قوتها التنظيمية و البشرية تراجعت خلال السنوات الأخيرة ، على الرغم من حضورها كتاريخ تطوري في مسار المغرب السياسي المعاصر ، و حتى على مستوى الروح النابضة في الشارع المغربي ، من خلال أشكال عديدة و مسترسلة على الرغم على محدودية الحضور ، لكن الحركة تحاول البقاء و مسايرة كافة النضالات الوطنية مشكلة تعبيرا عن روح الشعب النابضة بالمعاناة ، و مستمدة قوتها من هاته الروح ، و من روح الشعارات التي جمعت مجمل الأطياف المكونة لها في حينها .

 أهم ما ميز حضور الحركة ، على الرغم من كافة الأبواق التي حاولت تحوير أهدافها تماشيا مع سياسات و استراتيجيات مملاة سلفا ، هو شبابيتها النابضة عنفوانا و عشقا شبقيا للوطن الجريح ، التي أسقطت كل سماسرة السياسة من الكهول المرتمية و المرتهنة في قراراتها بمحاباة السلطات ، و وطنيتها الصادقة في التعبير عن معاناة و آلام و آمال كافة أبناء الشعب المقهور و المحكور فوق ترابه الوطني اقتصاديا و تنمويا و اجتماعيا و سياسيا ، و هو ما قربها من عموم الشعب لتعم و لأول مرة في تاريخ المغرب المداشر و القرى و المدن الصغيرة التي كانت إلى حين ممخزنة بشكل قمعي كلي ، و توسعت دائرة الرفض لتعم 60 مدينة مغربية ، وصولا إلى 100 منطقة في أواخر شهر مارس ، مع تسجيل تنوع أطيافها و توحدهم حول شعارات و مطالب مركزية وحدوية ذات بعد اقتصادي و اجتماعي ، بعيدا عن لغة المصالح الفئوية الضيقة ، حيث شارك فيها مواطنون و مواطنات من مختلف الأعمار ، و التي ألهبت الشوارع و الأزقة و الحارات المغربية لمدة تقارب الستين يوما في إطار لجان 20 فبراير .

 ماذا بقي من هذا المد و التاريخ النضالي و الكفاحي للحركة ؟

الأكيد أن هذا الماضي الجميل أفشل من قبل من ركبوا وهم السلطة بتحقيق مطالب فئوية ، عقب لقاء السفير الأمريكي بالمغرب حينها بالناطق الرسمي لأهم مكونات الحركة و التي انسحبت من الحركة لاحقا بمسوغات واهية ، و ليصعد “المصباح” من علا ظهر تاريخها الذي لم يساهم فيه ، و لم يؤسسه أو يوثق حضوره ، إلى دواليب الحكم و المصالح ، فيما تبخرت أحلام الخارجين الموعودين حينها بالغطاء الرسمي ، لتبدأ مرحلة “التشميع” و الحقيقة الساطعة ماثلة أمام أعين من راهن على صدق تلك الوعود ، و عطل مسير و مسار الحركة .

 لتتحول الحركة إلى ذكرى تخلد مع كل سنة تمر على انطلاقتها من طرف الهيئات النقابية و الجمعوية و الحقوقية ، على الرغم من قوة المؤامرة التي استهدفت جيوب المغاربة و ازدياد حدة الفوارق و الفقر و ارتفاع معدلات الأسعار و البطالة ، و الهجوم على قوت المغاربة اليومي ، و التراجع الخطير في مجالي الحقوق و الحريات ، و توسع دائرة الخنق و الاعتقالات التي طالت الكل حتى الإعلاميين و الحقوقيين و المدونين ، لمجرد ممارستهم لحقهم في التعبير الحر ، و الأساتذة المتعاقدين لمجرد مطالبتهم بالحق في استقرار اجتماعي و وظيفي ، إضافة إلى عموم الشعب ، و التي ابتدأت مع اعتقالات “جرادة” و “الريف” و “زاكورة” … ، و مسلسل المحاكمات الذي ابتدأ لكي لا ينتهي .

 فهل استطاعت الحركة تحقيق الحرية و العدالة الاجتماعية ؟

بالرغم من بعض المكاسب البسيطة التي تحققت و التي لم تكن في مستوى التضحيات التي قدمت من خلال الاعتقالات و الشهداء ، فيمكن القطع بأن الحركة لم تحقق أيا من أهدافها ، بل زادت و تعمقت كل الجراح المرتبطة بالحرية و العدالة الاجتماعية ، مع الانحسار نتيجة صفقة يعلم أصحابها عمقها ، لتتحول الحركة إلى صور من ذكريات جميلة للاستهلاك التاريخي ، و للاحتفال فقط بهاته الذكرى المخلدة لصورة حضورها المشرق حينها ، بعدما اعتقد البعض أنه ربح الروح و الأمل الذي حل محل اليأس ، لكن المنحى عاد إلى الأسوأ ، و استسلم الكل لليأس الكبير ، على الرغم من قثامة الواقع و ضخامة المطالب التي توسعت بعد “احتضار” الحركة ، في مجالات الحرية الاقتصادية و السياسية و الإعلامية .

 فهل يعتبر دستور 2011 و ترسيم اللغة الأمازيغية إنجازا ؟

صحيح أن نضال الحركة ساهم في ذلك ، لكن الإشكالات الجوهرية التي قامت من أجلها الحركة بقيت ، بل و توسعت المطالب بشأنها مع اتساع الهجوم على القوت اليومي للمواطنين ، و ارتفاع معدلات دائرتي البطالة و خنق الحريات مع حكم البيجيدي .

 و ضع عرته الانفجارات الاجتماعية بمجموعة من المدن المغربية بكل من “الريف” و “جرادة” و “زاكورة” و آخرها الفنيدق ، و تقارير المنظمات الدولية و الوطنية المهتمة بمجالي الحقوق و الحريات ، مع اتساع دائرة الاعتقالات التي طالت كل مخالف للرأي ، أو معبرا عن رأيه بعيدا عن رياح السلطة ، و ما مسلسل إضرابات المعتقلين السياسيين الذين ملئت بهم السجون و التي كشفت عن عمق الجراح إلا تعبير عن عمق تلك المأساة ، فما تغير هو تبديل للجلباب فقط ، أما الجوهر فباق ببقاء مقومات وجوده ، و هو ما يجعلنا نقر بفشل الحركة ، أو بالأصح إفشال مسار الحركة بقوة المؤامرات التي استهدفتها حتى من الداخل ، و الاكتفاء بإلباس الحكومة المغربية لباس الجلباب و إطلاق اللحي ، و هو المشروع الذي أصاب الحركة بمقتل ، و أنزل الأسوأ في تاريخ المغرب الحديث ، و عمق الجراح التي أعادت المغرب سنوات إلى الوراء .  

التعليقات مغلقة.