أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

حكومة العثماني تجهز على القانون في تغيير التوقيت الرسمي.

عبد الجليل بودربالة *

لا يخفى على الجميع أهمية ضبط وتحديد الوقت في تنفيذ المعاملات المختلفة واستقرارها وترتيب مختلف الآثار على ذلك.
ومن هذا منطلق دأبت الدول مند قرون على اعتماد توقيت مرجعي لتحديد الساعة القانونية بترابها استنادا لمجموعة من العناصر أهمها الموقع الجغرافي بحسب خط الاستواء، ذلك الخط من بين خطوط العرض الوهمية المتعارف عليها لدى الباحثين في المجال.
ولما عرف المغرب مباشرة بعد دخول المستعمر إلى المملكة نشاطا تشريعيا مهما نتج عنه تنامي تطور المعاملات، اتفق على ضرورة اعتماد ساعة قانونية بتراب البلاد بناء على ظهير 26 أكتوبر 1913 المنشور بالجريدة الرسمية في نسختها الفرنسية عدد 55 بتاريخ 14 نونبر 1913، باعتماد توقيت غرنيتش كمرجع لتلك الساعة.
وبعد حوالي قرن ونيف من الزمن، ثار نقاش عمومي حول اعتماد الحكومة لمرسوم تقرر عبره إضافة ساعة كاملة على توقيت غرينتش لتحديد الساعة القانونية بالمملكة فيما يعرف بالتوقيت الصيفي.
ويشكل هذا المقال مدخلا لتفكيك النظام القانونية للساعة المعتمدة قانونا بالمغرب على ضوء تطور النصوص القانونية المنظمة والروابط العلائقية بينها.
أ‌- قراءة في مضامين النصوص القانونية المتعاقبة.
أشر المقيم العام الفرنسي “ليوطي” بتاريخ 6/11/1913 على ظهير 26/10/1913 المقررة بموجبه لأول مرة بالتراب المغربي اعتماد ساعة قانونية.
وجاء في أسباب الاستناد التي اعتمدت في إخراج الظهير المذكور وجوب مواكبة الإجراءات التي أفرزها ظهير 12/8/1913 المتعلق بالمسطرة المدنية من حيث تبليغ وتنفيذ المعاملات القانونية والقضائية للمحاكم، ليحدد هذه الساعة في توقيت خط غرينتش بحكم الموقع الجغرافي للملكة الذي يجعل ذاك الخط عابرا لترابها.
لقد ظل العمل بالظهير المذكور مستمرا لعقود إلى أن تم إلغاؤه بمقتضى المرسوم الملكي رقم 455.67 بتاريخ 2/6//1967 بشأن الساعة القانونية الذي تضمن إلى جانب الفصل الثالث الملغي لذلك الظهير فصلين آخرين أكد أولهما في فقرته الأولى اعتماد توقيت غرينيتش متيحا في الفقرة الثانية إمكانية إضافة 60 دقيقة إلى التوقيت ابتداء من تاريخ يحدد بمرسوم ويرجع إلى التوقيت العادي وفق نفس الشروط، بينما جعل الفصل الثاني اعتماد ذلكم التوقيت نافذا من تاريخ 3/6/1967 ابتداء من الساعة 12 زوالا.
وبناء على الفقرة الثانية المذكورة صدر في الجريدة الرسمية عدد 2737 بتاريخ 19/4/2012 المرسوم رقم 2.12.126 بتاريخ 18/4/2012 مضيفا ساعة إلى هذا التوقيت ابتداء من الأحد الأخير من شهر أبريل من كل سنة (المادة 1) يتم الرجوع عنها ابتداء من الأحد الأخير من شهر سبتمبر من كل سنة (المادة 2) مع إمكانية إيقاف العمل بهذا التوقيت لفترة محددة بقرار رئيس الحكومة (المادة 3) كما هو الشأن عند حلول شهر رمضان، وهو نظام يعتمد توقيتا صيفيا إلى جانب التوقيت الشتوي.
وبعد سنة ونصف تقريبا صدر بالجريدة الرسمية عدد 6190 بتاريخ 29/9/2013 المرسوم رقم 2.13.781 المعدل لمرسوم سنة 2012 السالف الذكر، حيث شمل التعديل تمديد التوقيت الصيف لينطلق من شهر مارس عوض أبريل وينتهي في أكتوبر بدل سبتمبر.
وبتاريخ 27/10/2018 نشر بالجريدة الرسمية عدد 6720 المرسوم رقم 2.18.855 متضمنا في مادته الأولى إضافة 60 دقيقة للساعة القانونية (أي اعتماد التوقيت الصيفي بشكل نهائي) ومتيحا في مادته الثانية لرئيس الحكومة وقف العمل بهذا التوقيت لفترة محددة عند الاقتضاء، وناسخا في ذات الوقت في فقرته الثالثة مرسوم سنة 2012 كما عدل بمرسوم سنة 2013.
ويبدو من سرد هذا التعاقب التنظيمي والزمني في ذات الوقت وفي تناغم مع ما يشهده الفضاء العمومي من نقاش في الموضوع أن الإشكال متمحور فقط حول جدوى اعتماد التوقيت الصيفين لكن ماذا إذا تعلق الأمر بخلل في توصيف وتوظيف النصوص إياها وأجرأتها لجعل مرسوم سنة 2018 مشمولا بالنفاذ دون شائبة تاركا النقاش المذكور وما قد يترتب عنه من آثار مقتصرا فقط على ما يفرزه النسق من مدخلات ومخرجات؟؟؟
إن الجواب عن هذا السؤال وفق ما سطر بعده يكشف عن ضعف تعاطي الحكومة واعضاءها ودواوينهم مع قراءة النصوص القانونية ويجهز بشكل تام على قانونية مرسوم 2018 وفق لمبدأ توازي الشكليات الذي يقتضي أن يلغى نص قانوني بنص مواز له في القيمة القانونية أو أعلى منه رتبة.
ب‌- الساعة القانونية على ضوء العلاقة بين النصوص القانونية.
إن تحديد الساعة القانونية النافذة استنادا إلى نص قانوني سليم يقتضي تفكيك الارتباط القائم بين مختلف النصوص المساقة أعلاه تارة وتجميع عناصرها في قراءة تركيبية حينا، وخاصة ما يربط المرسوم الملكي بمرسوم سنة 2018.
وهكذا، فإن مضمون المرسوم الملكي السالف الذكر يحيل الاستنتاجات التالية:
• سمو المرسوم الملكي على المرسوم بغض النظر عن حالة الاستثناء التي كان يجمع فيها ملك البلاد بين اختصاصي السلطتين التشريعية والتنفيذية، علما أن المرسوم الملكي كان يتعين أن تضاف إليه عبارة “بمثابة قانون” لكون تحديد الساعة القانونية للدولة شأن تشريع يتم بمقتضى قانون في جل دول المعمور (مثلا في فرنسا كانت منظمة بقانون سنة 1911 وحاليا بقانون سنة 1978).
• ضرورة استناد أي مرسوم بتنظيم الساعة القانونية على المرسوم الملكي المذكور مادام لم يتم إلغاؤه.
• اعتبار توقيت غرينيتش مرجعيا ساعة قانونية كقاعدة وإضافة ساعة إلى هذا التوقيت كاستثناء بمقتضى مرسوم والرجوع إلى توقيت غرينيتش بمرسوم أيضا، ويمكن في هذه الحالة أن يحدد في مرسوم واحد تاريخ إضافة الساعة والرجوع عنها كما تم سنتي 2012 و 2013.
ورغم مرجعية هذا المرسوم الملكي فإن النصوص التي جاءت بعده باستثناء مرسوم سنة 2012 لم تنضبط له إما شكلا أو مضمونا أو هما معا بما يوحي بضعف صناعة التشريع في الحكومتين الأخيرتين على الأقل، وللاعتبارات التالية:
 علاقة المرسوم الملكي بمرسوم سنة 2013: اعتبر هذا المرسوم مرسوم سنة 2012 مرجعيا في تحديد الساعة القانونية وبوأه مكانة المرسوم الملكي دون الإشارة لهذا الأخير في عناصر الاستناد، في حين كان يلزم ذكره في البداية كنص وحيد يخول حق إضافة 60 دقيقة للتوقيت الرسمي المحدد بموجبه وتاريخ ذلك.
 علاقة المرسوم الملكي بمرسوم سنة 2018: يوحي الاستناد في مرسوم سنة 2018 على المرسوم الملكي كنص مرجعي في تحديد التوقيت الرسمي باحترام قواعد الصياغة القانونية وتراتبية النصوص وحسن تفسيرها والتقعيد على أساسها، بيد أن المتمعن في المرسوم الملكي ولا سيما الفقرة الثانية من فصله الأول يستنبط بلا عناء يذكر أن هامش تحرك الحكومة في هذا الشأن يقتصر على إضافة 60 دقيقة داخل السنة الواحدة وليس بشكل مستمر وفي تاريخ محدد وليس على امتداد السنة وضرورة الرجوع إلى توقيت غرينتش، بما يعني ذلك عدم جواز ترسيم التوقيت الصيفي طول السنة مطلقا باعتباره توقيتا استثنائيا وليس رسميا عكس ما حاول مرسوم سنة 2018 ترسيخه بالإشارة في المادة 2 بإمكانية توقيف العمل بالتوقيت الصيفي استثناء.
وحتى لا يقول البعض إن مرسوم 2018 هو النافذ، فإن لم يلغ المرسوم الملكي وما ينبغي له ذلك لسمو هذا الأخير مقارنة به، وإنما اكتفى بإلغاء مرسوم 2012 الذي يجسد فقط الممارسة العملية للاستثناء المذكور، بل وإن مرسوم 2018 استند منذ البداية في عناصر بنائه على المرسوم الملكي وخرق مضامينه بغباء يفسر عدم قدرة الفريق الحكومي بوزرائه وامانته العامة وأعضاء دواوينه إلخ على استنباط القواعد وتبيئتها وفق ما تقتضيه المشروعية، ولا يسع المجال لإيراد أمثلة لنصوص أخرى.
وختاما، فإن الواضح مما سيق أعلاه أمرسوم سنة 2018 موؤود من بدايته وغير ممكن تطبيق إن تكلمنا بمنطق احترام المشروعية وعدم اغتصاب اختصاص السلطات الأخرى، فوحده البرلمان بغرفتيه المخول لقول الكلمة الفصل في الموضوع باعتبار الساعة القانونية شانا تشريعيا، وللحكومة على هذا الصعيد أن تتقدم فقط بمشروع قانون في هذا الباب قبل إقفاله.
وقبل الرجوع إلى التحليل الاقتصادي والاجتماعي للساعة هاته في جزء آخر، ألفت إلى أن المخرج قانوني حاليا بامتياز، غير أنه لا ضير من المقاومة الشعبية بما يجري حاليا من جمع التوقيعات والاستعداد لطرق باب محكمة النقض في الموضوع.

* باحث في السياسات العمومية

التعليقات مغلقة.