فاس / عبد الإله شفيشو
ما الذي تحقق من شعارات الكيانات السياسية التي رفعتها وتشدقت بها في حملاتها الإنتخابات السابقة؟ كم نسبة المتحقق منها بعد فوزها في الإنتخابات حتى اللحظة الراهنة على أرض الواقع؟ هل الفساد المستشري الظاهر في المؤسسات يعد امتداداً لتراكمات الفساد الموروث، أم أنه يمثل كبوة جديدة من كبوات التراجع إلى الوراء وانتهاكا صارخا لكل مؤشرات النزاهة المصطنعة؟، هذه التساؤلات وغيرها من الإستفسارات المصيرية التي فرضت نفسها بمرور الوقت كحالة من حالات اليأس والإحباط صارت هي الشغل الشاغل لعامة الناس، نسمعهم يثيرونها باستمرار كلما اجتمعوا في السوق، أو في المقهى، أو في مجالسهم الخاصة، وما أكثر المظاهر السلبية التي تستفزهم وتثير غضبهم وتعكر أمزجتهم ، فلا شيء يبعث على الإرتياح، فكل ما نراه في مسلسل المشاهدات اليومية يعكس صورة مؤلمة واحدة تشترك في مكوناتها المزرية لترسم ملامح الانحدار والتردي، فالوطن لا يزال يتخبط في مخاض عسير وظلام دامس لاتخاذ قرار لم يحسم بعد فيه بشأن نمط وشكل الديمقراطية المطلوبة والمقصودة في بلد زاخر وغني بطاقاته الهائلة ومكوناته المختلفة.
إن الإنتخابات التشريعية والجماعية التي شاركت فيها كل الأحزاب المغربية بمن فيهم الحركة اليسارية (الراديكالية )، إن استثنينا حزب “النهج الديمقراطي” الذي يرفض حسب تصريحاته الدخول في اللعبة بشروط مملاة و قواعد تقليدية بالإضافة إلى جماعة “العدل و الإحسان”، قد تكون – الانتخابات – قد كرست لواقع الفساد والافساد، فالشيء الذي لا يبعث على الإطمئنان هو إصرار الدوائر النافذة على إبقاء نفس الظروف و الأسباب التي أنتجت اختلالات العقود الماضية عل ما هي عليه، حيث يلاحظ المتتبع للشأن المغربي أن ثمة خطابا سياسيا واضحا يتعلق بطرح حالة الاستمرارية كهدف مركزي لآفاق المرحلة القادمة، فنجد نظاما حاكما يطمح أن تبقى له الاستمرارية التقليدية في كل شيء دون تنازل أو تعديل، و أحزاب تريد تكريس استمراريتها – أغلبية و معارضة – المفتقدة لأدنى شروط التماسك، الصورة إذن واضحة فالكل يراهن على تحقيق مبتغاه المحدود يرهنون به مستقبل المغرب في نمط سياسي مغلق لا أفق له، فلا يمكن أن يتم تحول عميق على مستوى دمقرطة تدبير الشأن العام في ظل هذا الترقيع الممنهج، فالراحل الدكتور “المهدي المنجرة“ ذو التوقعات والاقتراحات المبنية على أساس معطيات ميدانية دقيقة يقول: ( أن أكثرية الدراسات و التقارير الدولية تشير إلى عدم تحسن أوضاع المغرب عاما بعد عام، بل هناك تراجع إلى الوراء على الخصوص في القطاعات الاجتماعية (الأمية و الفقر)، و تصاعد الفرق في توزيع الدخل الوطني، تدهور النظام التربوي، انهيار الجامعة، انتشار الرشوة و الفساد و عدم مصداقية العدل…؛ إن الإصلاح آت أحب من أحب…، و السؤال الوحيد الذي يجب أن نفكر فيه هو ثمن هذا الإصلاح فكل تأخير سيدفع عنه الثمن، وفي شأن أولوية الإصلاح على المستوى السياسي أولا يجب إسناد القرار إلى أهله، أي الشعب، و لهذا يجب ألا نستمر في ظل دستور ممنوح) .
إن الخلل الأساسي ظهر مع دستور 1960، فكل إصلاح حقيقي يأتي من معالجة عين المشاكل و ليس مظاهرها فقط، و هذا هو الفرق بين الإصلاح و الترقيع، فلقد عرفت مرحلة ما سمي بالانتقال الديمقراطي تعثرات كثيرة – بشهادة أهلها -، بما أوحى على فشلها لأنها لم تنبني على أسس و قواعد الانتقال الحقيقي، لأن الشروط التي أنتجت انخراط القوى الديمقراطية في المسلسل الديمقراطي المرسوم مسبقا لم تكن من حيث المبدأ واضحة المعالم، أولا لتغييب منطق المشاركة، و ثانيا لهيمنة منطق الانصياع و التنفيذ، و لا زالت استمرارية نفس الشروط هي الحاكمة و السائدة، فنموذج من الحكم عفي عليه الزمن أنهك الشعب و أغرقه في الأزمات و مهد السبيل للمفسدين فنهبوا الثروات و للمستبدين فتسلطوا وطغوا هو السائد، و الأحزاب السياسية لم ترضخ لصوت الشعب الذي ما فتئ ينادي، و في كل محطة انتخابية، لا للعبث بمصيره، فالانتخابات التشريعية والجماعية الأخيرة و ما أسفرت عنه، صارت في نظر الشعب باعثة على الملل والكآبة، فأكثر المواطنين في حيرة من أمرهم بعد أن قيل لهم أن هته الانتخابات هي حل وعلاج للأمراض الاقتصادية والاجتماعية المزمنة.
التعليقات مغلقة.