موجة استياء واسعة تخيم على مدينة تازة وعلى عدد من مكونات مجتمعها المدني، على خلفية مشاهد مقلقة مقززة تخص ما توجد عليه مباني المدينة الأثرية المصنفة، وما يهددها من طمس واتلاف وتخريب أمام أعين الجميع، من مجلس بلدي وسلطات عمومية ومعهما المديرية الاقليمية لوزارة الثقافة بالدرجة الأولى باعتبارها الجهة المسؤولة، لكونها ترأس بقوة القانون اللجنة الاقليمية لحماية التراث ومنه المباني الأثرية،علما أن المدينة العتيقة تازة قد تم تصنيفها منذ أربع سنوات تراثا وطنيا من قبل وزارة الثقافة.
وعليه، كان ينتظر من هذا التصنيف حماية معالم المدينة الأثرية والالتفات اليها، عبر ما ينبغي من ترميم وحفظ وصيانة من خلال تفعيل القانون وكذا ما يجب من تتبع ومراقبة، لجعل التراث في خدمة التنمية المحلية وليس ما توجد عليه ذاكرة المدينة التاريخية من صور ومشاهد تدمير ممنهج، وكذا هجوم وتخريب ولا مبالاة.
هذا ما وقف عليه مؤخرا عدد من ممثلي المجتمع المدني المحلي، على مستوى المركب الأثري التاريخي الذي يعود لفترة دولة بني مرين بالمغرب خلال العصر الوسيط، والذي يجمع بين السور الأثري المريني المزدوج والأبراج ذات الصلة، فضلا عن خندق دفاعي متفرد بعمق عدة أمتار تميزت به تازة عن سائر حواضر المغرب خلال هذه الفترة، وقد ظل شاهدا على أدواره وأدوار المدينة منذ زمن دولة المرينيين، قبل أن يتعرض لما تعرض له من ردم غير مسبوق أتى على جزءه الأكبر، بسبب ما هناك من طمس وغمر بالنفايات المنزلية وبقايا مواد البناء المختلفة والمتلاشيات الاسمنتية المتخلى عنها وبقايا أتربة الحفر وغيرها.
ورغم أن واقع الحال مشهد وصورة مقززة مع الأسف، لم يثر انتباه أية جهة مسؤولية خاصة منها الجهة الوصية على المباني الأثرية “المديرية الاقليمية للثقافة”، التي يبدو أنها انشغلت ووجهت كل مواردها المادية والتدبيرية لأنشطة بهرجة بات مألوف ضجيجها، يرى بعض المتتبعين أن خربشاتها لا تتجاوز حدود المدينة. وكان على مديرية الثقافة بتازة انسجاما مع مهامها ومسؤولياتها، القيام بما ينبغي من تحسيس وتعريف وحماية لتراث المدينة في شقه المادي التاريخي، باعتبار هذا التراث هو أساس ما انبنت عليه وثيقة تصنيف تازة تراثا وطنيا.
يذكر أن عددا من ممثلي المجتمع المدني المحلي الاعلامي والفكري والبحثي القانوني والحقوقي والمهني التجاري وغيره، قد نظموا مؤخرا زيارة للمكان الذي تتعرض فيه مآثر تازة لأبشع أشكال الخروقات والطمس، حيث وقفوا على حجم التدمير والعبث بالتراث المادي المحلي، معبرين عن امتعاضهم وتنديدهم واستنكارهم لمشاهد غير مسبوقة لا تليق بتاريخ وذاكرة المدينة، ولا بتطلعات وجهود وزارة الثقافة وباقي الأطراف المعنية الأخرى بحماية تراث البلاد.
ووعيا من هذه الجهات جميعها بأن تراث المغرب ومباني مدنه التاريخية كما بالنسبة لتازة، هو جزء من ذاكرة البلاد وهويتها، بل رافعة لتنمية عدد من المجالات بما في ذلك تنمية قطاع السياحة، وأن روح مدن المغرب التاريخية هو تراثها في شقه المادي واللامادي معا.
ووعيا منهم بدورهم التحسيسي، قام ممثلو مكونات المجتمع المدني بنقل ما وقفوا عليه من تجاوزات عبر وسائل الاعلام المحلية والوطنية، ملتمسين من الجهات المعنية كل من موقعه التدخل لإنقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الأوان، مع الالتزام بما يقتضيه قرار واجراء التصنيف من حماية للتراث وحفظ وصيانة للمباني الأثرية.
فقد أجمعت مكونات المجتمع المدني هذه عقب زيارتها على أهمية التزام المديرية الاقليمية للثقافة بمسؤوليتها تجاه تراث المدينة، وبالتفاعل ايضا معه بما يجب من وعي وعناية وتقدير وتثمين ضمن مجالها التدبيري للقطاع، وعدم انسياقها في متاهات غير مجدية على حساب مباني المدينة الأثرية التي باتت في حالة يرثى لها خلال السنوات الأخيرة، وهو التجاهل والوضع الذي يسجل أنه غير مسبوق في تاريخ المدينة وتدبير المديرية الاقليمية للثقافة، بحيث دوما كانت ادارة وتدبير الثقافة بتازة في مقدمة المدافعين المتفاعلين مع حماية المباني الأثرية بتنسيق مع مكونات المجتمع المدني، والأمثلة والتجارب والمبادرات كثيرة في هذا الباب، وقد كانت بدور في حماية عدة مجالات وأحزمة أثرية بالمدينة من الطمس ومافيا العقار، وخير مثال المركب الأثري لسيدي عيسى وكفان بلغماري شرق المدينة العتيقة أواسط تسعينات القرن الماضي. علما أن تسيير الشأن الثقافي هو كل لا يتجزأ دون أي تمييز بين هذا وذاك، فالموسيقى مهمة والاحتفال والمسابقات الثقافية وماستر شاف الثقافة والتكريم مهم، لكن هذا لا ينبغي أن يكون الغالب الأغلب والمألوف على حساب حماية تراث المدينة ومبانيها الأثرية التاريخية، عبر لامبالاة بالتراث المادي للمدينة من خلال تركه عرضة للطمس والتخريب مثلما هو قائم أمام أعين الجميع بالجزء الجنوبي من مجال تازة العتيق.
فأية مقاربة تدبيرية اذن لقطاع الثقافة محليا في غياب الالتفات لذاكرة المدينة ولثقافة التراث ورمزيته، عبر ما ينبغي من حماية وابراز وتعريف فضلا عما ينبغي ايضا من تواصل وتشارك مع الفاعلين المحليين عن المجتمع المدني، في أفق ما ينبغي أن ينعكس إيجابا على مشهد المدينة الأثري ومن خلاله على مجالها العتيق التاريخي. بل كان مفيدا للجهات الوصية على قطاع الثقافة ترجمة اهتماماتها ووعيها وحضنها للمباني الأثرية والتراث المحلي، عبر أنشطة مثمنة محسسة بقيمة معالم المدينة التاريخية عوض ما يسجل من جفاء. ولعل تهميش المباني الأثرية وتركها لحالها وللمجهول تواجه ما تتعرض له من طمس، ليس من المسؤولية المنوطة ولا من الحرص على قيمة تراث تازة ودوره في فعل وتفاعل الثقافة بالمدينة والاقليم وفي مستقبل وورش وتطلعات التنمية المحلية بهما.
التعليقات مغلقة.