حققت السياسة الخارجية المغربية، بفضل حنكة جلالة الملك محمد السادس و رؤيته المتبصرة ، إنجازات تاريخية ، جعلت المغرب يحظى بمكانة معتبرة على المستوى الإقليمي و الدولي و رقما في معادلة السياسة الدولية .
كثير من الأمثلة يمكن أن نسوقها في هذا الصدد ، تجلت فيها الحنكة السياسية و الدبلوماسية للعامل المغربي ، لكن سنحاول أن نعرج على البعض منها .
العودة إلى الاتحاد الأفريقي
قرار العودة للاتحاد الافريقي الذي اتخذه جلالة الملك شكل تحولا مهما في التوجه الجيو-ستراتيجي و الاقتصادي للمملكة على المستوى الأفريقي و مكن المغرب من الدفاع عن حقوقه المشروعة، وتصحيح المغالطات التي يروج لها خصومه داخل المنظمة الأفريقية ، وإقناع العديد من الدول الإفريقية من تغيير موقفها حيال قضية الصحراء لفائدة المغرب ، فضلا عن الحضور الوازن للمغرب بالقارة الإفريقية والعلاقات القوية التي أصبحت تربطه مع العديد من الدول بالقارة .
ثم أن الزيارات التي قام بها جلالة الملك لعدد من الدول الإفريقية ، مثل رواندا، تنزانيا، الغابون، السنغال، إثيوبيا، مدغشقر، نيجيريا و جنوب السودان ، أكدت على ارتباط المملكة المغربية بجذورها و هويتها الإفريقية ، كما توجت بإبرام العديد من الاتفاقيات شملت مختلف المجالات والقطاعات الحيوية ، ساعدت المغرب من توسيع نفوذه الاقتصادي والمالي في القارة.
الآن بعد مرور حوالي ست سنوات من عودة المغرب إلى موضعه الطبيعي بالاتحاد الأفريقي ، أصبح المغرب ثاني مستثمر بإفريقيا بعد جنوب إفريقيا، و استطاع الدخول إلى عدد من الأسواق الإفريقية و تسريع وتيرة الانتشار الاقتصادي والمالي في ظل سياسة جنوب-جنوب ، بعد أن ظل يشتغل المغرب لعقود بمنطق النظرية الأحادية المرتكزة على السوق الأوروبية. وأيضا عمل المغرب بجانب باقي الدول الأعضاء من أجل استتباب السلم والأمن بإفريقيا و محاربة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء من خلال الاستفادة من تجربته الأمنية الرائدة و كذا المساهمة في حل المشاكل الداخلية لبعض الدول أو النزاعات الإقليمية بين الدول.
لقد استعاد المغرب مكانته ودوره الرائد في الاتحاد الأفريقي من خلال حضوره و مشاركته في أجهزة الاتحاد و اللجان المتخصصة المنبثقة عنه ، تمثل ذلك أساسا بانتخابه عضوا في مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي ، حيث استثمر عضويته في هذا المجلس من خلال التصدي لأعداء الوحدة الترابية ولعب دور بارز في الدفع من أجل إصدار القرار 693 الصادر عن القمة الإفريقية التي انعقدت في يوليوز 2018 في نواكشوط ، الذي كرس حصرية الأمم المتحدة إطارا للبحث عن حل للنزاع الإقليمي في شأن الصحراء المغربية، كما لعب المغرب من خلال عضويته في المجلس المذكور دورا مهما في التنسيق بين أجندتي الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن بدول القارة .
مبادرة الحكم الذاتي
صار مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب ، و الذي خطط له الملك محمد السادس ، كحل سياسي للنزاع الدائر حول الصحراء المغربية يجد له أصداء إيجابية لدى المجتمع الدولي الذي يرى فيه الحل الأنسب والأمثل ، من شأنه أن يغلق الباب أمام الدعوات الانفصالية للبوليساريو ، ومن يقف وراءهم ، المطالبة بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، هذا المطلب الذي تم تجاوزه من قبل مجلس الأمن ،عندما أكد في قراراته الأخيرة كان آخرها القرار رقم 2494 الصادر في 30 أكتوبر 2019 ، على وجاهة مبادرة الحكم الذاتي .
فبفضل التوجيهات الملكية ، رسخ المغرب أسس مغربية الصحراء داخل مختلف هيئات الأمم المتحدة، تجلى ذلك في قرارات مجلس الأمن التي أكدت على أن حل النزاع حول الصحراء لا يمكن أن يكون إلا سياسيا وواقعيا وعمليا ودائما وقائما على التوافق.
فقد جاءت المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل سياسي لتكريس حقيقة استحالة تطبيق مبدأ تقرير المصير بالشكل الذي ترغب فيه كل من الجزائر وجبهة البوليساريو، تلك المبادرة التي أيدها أعضاء مجلس الأمن الدولي عندما أكدوا على دعمهم الكامل للمسلسل السياسي الذي يجري تحت الرعاية الحصرية للأمم المتحدة منذ سنة 2007.
من جهة أخرى ، فإن قرار الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل ودول من أروبا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية، سواء بالاعتراف بالسيادة الكاملة والتامة للمغرب على صحرائه أو بجدية المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل سياسي واقعي ، يشكل تتويجا للعمل الجاد لدبلوماسية فاعلة واستباقية وطموحة تعمل وفقا للرؤية المتبصرة والحكيمة لجلالة الملك في مجال السياسة الخارجية.
هذا الاعتراف يمثل منعطفا تاريخيا سيكون له أثر إيجابي على الإجراءات والأنشطة المستقبلية للدبلوماسية المغربية في معالجة القضية الوطنية ، تعزز أيضا بافتتاح قنصليات عدة دول في العيون والداخلة، و ترسيم الحدود البحرية بما في ذلك أقاليمنا الجنوبية بمقتضى القانون المغربي ، دون أن ننسى حيوية العمل الدبلوماسي المغربي في إفريقيا وأمريكا اللاتينية .
التعليقات مغلقة.