“حياة معلقة بين الأمل واليأس: الطفلة الجائعة ونسرها”
بقلم الأستاذ محمد عيدني
في عام 1994، برزت صورة محورية التقطها المصور كيفن كارتر، لتصبح أيقونة مؤلمة للمعاناة الإنسانية. كانت الصورة تُظهِر طفلة جائعة في قرية أيود السودانية، ضحية لمجاعة اجتاحت المنطقة، بينما كان نسر ينتظر بفارغ الصبر قربها، مُجسداً أبشع جوانب الفقر والبؤس.
التُقطت هذه الصورة في عام 1993 خلال فترة حرجة من التاريخ السوداني، حيث تفشت المجاعة بشكل غير مسبوق. مشهد الطفلة الهزيلة، التي كانت تختلج من شدة الجوع، قد أعطى صدى عميقاً لعذابات الكثير من الأطفال الذين يعانون في الصمت. كانت الطفلة تنزف الأمل، تسعى إلى مركز توزيع الطعام، وقد حدثت هذه الرحلة القصيرة في محاولة للبقاء على قيد الحياة.
عندما تكشف الصورة عن نسر يترقب قربها، شدت انتباه العالم إلى مأساة تُركت في ظلال النسيان. كيفن كارتر، الذي كان مُعَدًّا لمهمة تصويريه، لم يكن يعي أن هذه اللقطة ستكون مرآة لتاريخ مؤلم. بعد التقاطه للصورة، ترك المكان دون معرفة مصير الطفلة التي تجسدت بألم الإنسانية.
سؤال محوري طرحه أحد المشاهدين في برنامج تلفزيوني: “ماذا حدث للطفلة بعد ذلك؟” جاء جواب كارتر، ليؤكد أنه لم ينتظر لمعرفة النهاية، فقد كانت رحلته مضغوطة الوقت. ولكن الكلمات التي رافقت السؤال أطفأت شعلة روحه، ما لبث أن أدرك عواقب تصرفاته في عالم مليء بالصراعات.
ومع مرور الوقت، لم تُنسَ الصورة، بل تحولت إلى رمز انعكاسي للسياسات العالمية التي تترك شعوبًا معذبة دون أي مساعدة. لقد ألقت بظلالها على ضمير الإنسانية، مُعيدة تشكيل الأبعاد الأخلاقية للصحافة وتصوير المعاناة.
في النهاية، تُشير قصة كيفن كارتر والطفلة الجائعة إلى مجابهة أصوات الضحايا الذين يحتاجون إلى الدعم والاهتمام، وتعكس أهمية المساءلة الإنسانية في عالم يعاني فيه الكثيرون في صمت
التعليقات مغلقة.