إعداد : مراد علوي ـ MOURAD ALLIOUI
إن المغرب بحكم موقعه الاستراتيجي لم يستطع البقاء بمعزل عن التعامل على مستوى التشريع مع ظاهرة المعلوميات التي تعتبر رافدا للعولمة، وكذا إقامة علاقة الشراكة، وخاصة مع الاتحاد الأوربي الذي منح المغرب وضعا متقدما، ومن ثم وعلى غرار ما انتهجته العديد من التشريعات المقارنة، ومواكبة منه للاتفاقيات الدولية والاتفاقيات العالمية، وهو ما اضطر المشرع المغربي إلى سن تشريع يتلاءم وخصوصية الجريمة المعلوماتية انسجاما مع مبدأ “الشرعية الجنائية” بعد أن أبان الواقع عن أزمة واضحة في تكييف هذه الأفعال المستجدة طبقا لقواعد التقليدية للقانون الجنائي، وقد أطلق عليه تسمية “المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات“[1 ] .
ونشير في هذا المقام إلى أن هذا القانون يمثل الإطار الأساسي الرائد لمحاربة الجرائم المعلوماتية في المغرب، علما أن أغلب المغاربة المستعملين للشبكة العنكبوتية، الانترنت، “لا يعلمون بوجوده”، رغم أنه يدخل في إطار الجهاز (النظام) الخاضع للمعالجة الآلية للمعطيات -موضوع الدراسة-، والذي يمكن أن نطلق عليه القانون الجنائي المعلوماتي”.
وفي هذا الإطار فإن الجهاز (النظام) قد يشكل أداة لارتكاب الجرائم الماسة بالمعالجة المالية للمعطيات، كاستعمال وثائق معلوماتية مزورة أو مزيفة، العرقلة العمدية لسير نظام المعالجة الآلية للمعطيات أو إحداث خلل فيه، المشاركة في عصابة أو اتفاق لأجل الإعداد لواحدة أو أكثر من هذه الجرائم[2] .
كما أن الجرائم المعلوماتية بصفة عامة قد تأخذ أوصافا أخرى إذا ارتبطت بنطاق أخر، فتصبح بذلك وسيلة لتنفيذ عدد كبير من الجرائم منها الجرائم الإرهابية (الإرهاب الإلكتروني)، التجسس الإلكتروني، سرقة المال المعلوماتي، الدخول إلى مواقع محجوبة، القرصنة، الجرائم المنظمة، غسيل الأموال، جرائم التغرير والاستدراج، (وهي من أشهر الجرائم الالكترونية وأكثرها انتشارا خاصة بين أوساط القاصرين) تشهير وتشويه السمعة في المواقع الالكترونية، اختراق البريد الإلكتروني للآخرين، تزوير التوقيع الالكتروني ، السطو على أرقام البطاقات الانتمائية، الاختلاس من الأبناك، تزوير وثائق ومستندات مالية.
إن الخصوصيات التي تطبع الجرائم المعلوماتية سواء من حيث طبيعة مرتكبيها، أو من حيث المضمون، أو من حيث التطبيق القضائي، تطرح أمامنا تساؤلات أساسية حول الكيفية التي تعامل بها التشريع المغربي من أجل احتواء هذا النوع من الجرائم، سواء من خلال تبني النصوص المجرمة الكفيلة بتحقيق استراتيجيات موازية ترمي إلى خلق تنسيق بين مختلف الأجهزة المعنية من أجل مواجهة هذه الجرائم، كما يمكن التساؤل عن الخصوصيات التي تميز هذا النوع من الإجرام على المستوى التطبيق العملي[3]
للإجابة على هذه التساؤلات سنعمد إلى تقسيم هذا الموضوع إلى محورين في (الأول)، سنتناول خصوصيات الجرائم المعلوماتية من حيث المضمون ثم نتطرق في (الثاني) إلى دراسة الخصوصيات التي تطبع جانب التطبيق القضائية بشكل عام.
-
المحور الأول : خصوصيات الجرائم الإلكترونية على مستوى المضمون:
إن هناك تعددا في الصور والمظاهر التي تأتي وفقها الجريمة المعلوماتية وذلك بحسب الغايات المرجوة من هذه الجريمة وبحسب خطورة ومهارات مرتكبها أو مرتكبيها وبحسب قدرتهم أيضا على ارتكاب بعض صورها دون البعض الآخر.
ولاحتواء مختلف هذه الصور وتقنينها في قالب قانوني يتم الاستناد عليه عند كل متابعة محتملة وفقا لمبدأ الشرعية الجنائية، لم يعمد المشرع المغربي إلى إصدار قانون مستقل بهذه الجرائم بل اعتمد كالمعتاد على إدخال تعديل على مجموعة القانون الجنائي لعام 1962، وعلى تضمين بعض النصوص الخاصة لبعض التطبيقات المتعلقة ببعض صور هذه الجريمة [4] .
وفي هذا الإطار جاء القانون رقم 07.03 المتمم لمجموعة القانون الجنائي والمتعلق بجرائم المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، وكذا بعض المواد المضمنة بكل من قانون حماية المعطيات الشخصية، وقانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، وقانون حماية الملكية الفكرية الأدبية، ومدونة الجمارك والضرائب المباشرة.
-
الفقرة الأولى: على مستوى صور الجريمة الإلكترونية بالقانون الجنائي:
انبنى تدخل المشرع المغربي لتتميم مجموعة القانون الجنائي بمقتضيات مجرمة لمختلف الأفعال الجرمية الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات وذلك بمقتضى القانون رقم 07.03 لعام 2003[5]، على ثلاثة أسباب رئيسية وهي:
أولا: مواءمة مجموعة القانون الجنائي مع المقتضيات التي أتى بها القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب[6]، بحيث تم تضمين اللائحة المنصوص عليها بالفصل 218-1 الذي أضيف لمجموعة القانون الجنائي بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب، الجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات باعتبارها أفعالا إرهابية إذا كانت لها علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي بهدف المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف، والحال أن مقتضيات المجموعة الجنائية لم تكن تتضمن آنذاك فصولا خاصة بالجرائم الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات وبالتالي كان المشرع ملزما إلى حد ما بإصدار قانون 07.03 من أجل المواءمة والتناسق في مقتضيات مجموعة القانون الجنائي.
ثانيا: ملء الفراغ الذي كانت تعرفه مجموعة القانون الجنائي في هذا الإطار، والذي خلق عدة إشكالات عملية بالنسبة للقضاء المغربي الذي وجد نفسه عاجزا في العديد من النوازل على إيجاد أساس قانوني للمتابعة والمؤاخذة وتطبيق العقاب الملائم على مرتكبي الأفعال الجرمية المشكلة لبعض صور الجريمة المعلوماتية بحيث تم في حالات عدة تبرئة مرتكبي بعض هذه الأفعال استنادا لمبدأ الشرعية القانونية الذي يفرض عدم مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون.
ومنها القضية التي عرضت على المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء أنفا والمتعلقة بقيام بعض مستخدمي المكتب الوطني للبريد والمواصلات بتسهيل إجراء تحويلات هاتفية لفائدة بعض المشتركين بصورة غير مشروعة، حيث تمت متابعة هؤلاء المستخدمين على أساس الفصول 505 و241 و248 251 و129 من مجموعة القانون الجنائي وتمت إدانتهم من طرف المحكمة بمقتضى الحكم رقم 4/4236 الصادر في 13 نونبر 1985 في الملف الجنحي التلبسي عدد 85/73831، على أساس الفصل 521 من ق.ج المتعلق بالاختلاس العمدي لقوى كهربائية أو أي قوى ذات قيمة اقتصادية، لكن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء قضت بإلغاء الحكم الابتدائي والحكم ببراءة المتهمين لعدم تناسب التكييف القانوني مع طبيعة الفعل الجرمي المرتكب[7] .
كما عرضت على نفس المحكمة قضية أخرى تتعلق بقيام زبون إحدى البنوك بسحب مبالغ مالية لا يتوفر عليها رصيده البنكي عن طريق الاستعمال التدليسي لبطاقة الأداء التي يتوفر عليها حيث صدر فيها الحكم رقم 167/1 الصادر في 5 يناير 1990 في الملف الجنحي التلبسي عدد 14209/89 الذي أدانه بثلاثة سنوات حبسا على أساس الفصلين 540 و547 من ق.ج المتعلقين بالنصب وخيانة الأمانة، لكن محكمة الاستئناف قضت مرة أخرى بتبرئة الزبون المحكوم عليه على اعتبار أن العناصر المكونة لكل من جريمة النصب والاحتيال وخيانة الأمانة غير متوفرة في النازلة[8] .
ومن أجل هذا الفراغ القانوني وتجاوز القصور الذي كانت تعرفه النصوص القديمة كان المشرع المغربي ملزما بإصدار مقتضيات مجرمة لمختلف صور الجريمة الإلكترونية احتراما لمبدأ الشرعية القانونية وخلق أساس قانوني صريح وواضح يمكن القضاء من متابعة ومؤاخذة مرتكبي تلك الأفعال الجرمية ؟
ثالثا: مواءمة التشريع الجنائي المغربي مع الاتفاقيات الدولية والإقليمية ومع مواقف التشريعات الأوروبية وخاصة التشريع الفرنسي، بحيث استفاد المشرع المغربي كثيرا من التطور التشريعي والقضائي الذي عرفته فرنسا في هذا الصدد.
ولهذا جاء الباب العاشر من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي المغربي والمتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات شبيها إلى حد كبير مع الباب الثالث من القسم الثاني من الكتاب الثالث من المدونة الجنائية الفرنسية والمتعلقة بالمساس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات والمتضمن للمواد من 323-1 إلى 323-7[9] .
وقد صادق مجلس الحكومة المغربية في 20 دجنبر 2012 على مشروع القانون رقم 12-136 الذي وافق بموجبه على اتفاقية “بودابيست” المتعلقة بالجريمة الإلكترونية وكذا على برتوكولها الإضافي الموقع بستراسبورغ في 28 يناير 2003 بشأن تجريم الأفعال ذات الطبيعة العنصرية وكراهية الأجانب التي ترتكب عن طريق أنظمة الكمبيوتر[10] .
عموما لا تخرج صور الجريمة المعلوماتية التي تم تجريمها بمقتضى قانون 07.03 عن أربعة صور رئيسية يمكن أن تأتي مترابطة فيما بينها أو مستقلة عن بعضها البعض بحيث يكفي لتوقيع العقوبات المقررة لها ارتكاب إحدى هذه الصور فقط أو فعل من الأفعال المكونة لها ن وهذه الصور هي :
الدخول أو البقاء بشكل غير قانوني في نظام المعالجة الآلية للمعطيات[11]
نعتقد أن المقصود من هذه الأفعال التي تم التنصيص عليها في الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 607-3 من ق.ج، هو قيام مرتكبيها باقتحام نظام للمعالجة الآلية للمعطيات أو جزه منه، ثم الخروج منه أو البقاء فيه لمدة معينة، وذلك بالرغم من أن هذا الفصل يميز بين فعل الدخول الإرادي لنظام المعالجة الآلية للمعطيات ويشترط في هذا الفعل أن يتم عن طريق الاحتيال وبين فعل الدخول غير القانوني لنظام معين عن طريق الخطأ أو البقاء فيه على اعتبار أن الأمر في الحالتين يتعلق بدخول غير قانوني أو اقتحام لنظام للمعالجة الآلية للمعطيات بدون التوفر على رخصة أو ترخيص بذلك من المسؤول عن هذا النظام، أو الامتناع عن الخروج من النظام والبقاء فيه، في والوقت الذي كان يجب فيه مغادرة النظام.
وهو ما يصدق على مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 607-4 من ق.ج التي تجرم نفس الأفعال المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 607-3 متى كان الاقتحام قد استهدف مجموع أو بعض نظام أو أنظمة للمعالجة الآلية للمعطيات المتعلقة بالأمن الداخلي أو الخارجي للدولة أو بالأسرار التي تهم الاقتصادي الوطني[12] .
ويشترط لقيام هذه الجريمة أن يكون الدخول لنظام المعالجة الآلية للمعلومات محميا ومقيدا بأية وسيلة من وسائل الحماية لا أن يكون متاحا للجمهور أو للأجراء أو الموظفين الذين يعملون بمؤسسة معنية وهذا ما ذهبت إليه عن حق محكمة باريس بمقتضى حكم صادر عنها بتاريخ 8 دجنبر 1997 حيث اعتبرت أن عناصر هذه لجريمة غير قائمة ما دام مسيرو المقاولة لم يقيدوا الدخول إلى نظام المعالجة الآلية الخاصة بالشركة[13]
ويتضح من طبيعة الأفعال المكونة لهذه الأفعال أنها تعتبر من صنف الجرائم الشكلية التي اكتفى المشرع المغربي لقيامها تحقق سلوك إجرامي يتمثل في فعل الدخول أو البقاء غير القانوني في نظام للمعالجة الآلية للمعطيات بغض النظر عن تحقق النتائج أو الغايات المرجوة من عدمه، وما يبرر ذلك أن المشرع المغربي قرر في الفقرة الثالثة من الفصل 607-3 مضاعفة العقوبة المقررة لهذه الأفعال والتي هي الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وغرامة من 2000 إلى 10.000 درهم، متى ترتب عن فعل الاقتسام حذف أو تغيير المعطيات المدرجة في هذا النظام أو إحداث اضطراب في سيرها، كما قرر في الفقرة الثانية من الفصل 607-4 رفع العقوبة الحبسية من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة 100.000 درهم إلى 200.000 درهم متى ترتبت عن فعل الاقتحام تغيير أو حذف أو اضطراب في سير النظام، أو ارتكب هذا الفعل من طرف موظف أو مستخدم أثناء مزاولته لمهامه أو بسببها أو إذا سهل للغير القيام بها.
عرقلة سير النظام أو إحداث خلل فيه و التي تم التنصيص في الفصل 607-5 من القانون الجنائي المجرم لهذه الصورة من الجرائم المعلوماتية على فعلين مستقلين عن بعضهما بحيث يعتبر القيام بواحد منهما فقط كافيا لقيام هذه الجريمة.
على اعتبار أن المشرع استعمل عبارة “أو” بدل “و” وهما فعل عرقلة النظام أو نظام المعالجة الآلية للمعطيات عن أداء نشاطه العادي، وفعل إحداث خلل فيه، وإن كانا يأتيان مترافقين ومترابطين في كثير من الحالات، بحيث لا يتأتى العقلة المستمرة لنظام أو نظم معنية إلا عن طريق إحداث خلل فيها [14] .
وقد جاءت عبارات العرقلة والخلل في هذا الفصل عامتين، بحيث لم يشترط المشرع المغربي أن تتم العلقة بوسيلة أو تقنية معينة، على اعتبار أنه يصعب حصر الوسائل التي يمكن أن يعمد مرتكب هذه الجريمة لاستعمالها بغية تحقيق العرقلة التي يهدف إليها، وإن كان ذلك يتم غالبا بواسطة إدخال فيروس لنظام معين للمعالجة الآلية للمعطيات أو الإرسال الآلي للعديد من رسائل الخاصة وبشكل دائم مستمر لهذا النظام يتسبب ببطء قدرة هذا الأخير على الانسياب أو تعطيله، كما لم يحدد هذا الفصل طبيعة هذه العرقلة وما إذا كانت دائمة أو مؤقتة فقط كما لم يبين طبيعة الخلل أو حجمه أو مدى خطورته على النظام وعلى المعطيات المضمنة فيه، بحيث يكفي لقيام الجريمة إحداث خلل أو يسير أو بسيط يسهل إصلاحه من طرف الجهات المشرفة على هذا النظام [15] .
واعتبارا لكونها من جرائم النتيجة، فإنه يشترط لقيام هذه الجريمة أن يترتب عن الأفعال المرتكبة من طرف الفاعل سواء بإرسال فيروسات أو العديد من الرسائل الإلكترونية المزعجة بشكل دائم ومستمر أو غير ذلك من التقنيات والوسائل لعرقلة سير نظام المعالجة الآلية للمعطيات، بحيث لا يمكن متابعته جنائيا متى لم تحدث أفعاله العرقلة أو الخلل بالنظام المستهدف وإن كان هنا لا يمنع من إثارة مسؤوليته المدنية في هذه الحالة كما يمكن إثارة المسؤولية التأديبية متى تعلق الأمر بأجير أو موظف[16] .
الاحتيال أو الغش المعلوماتي :
بحيث تم بمقتضى الفصل 607-6 من ق ج تجريم كل فعل يتم بواسطة الاحتيال عن طريق إدخال معطيات في نظام للمعالجة الآلية للمعطيات أو إتلافها أو حذفها أو تغيير المعطيات المدرجة فيه ، أو تغيير طريقة معالجتها أو طريقة إرسالها، ويعتبر هذا الفعل أكثر أساليب الاحتيال أو الغش المعلوماتي استعمالا وشيوعا وغالبا ما يتم بغاية تحقيق منفعة مادية مباشرة أو غير مباشرة سواء لمصلحة مرتكب الفعل أو لأحد معارف أو أصدقائه أو غيرهم، ومن صور هذه الجريمة نجد مثلا القيام بتحويلات مالية من حساب لآخر أو استعمال بطاقات ائتمان مسروقة أو مزيفة لسحب النقود من الطرف الآلي، أو إجراء مكالمات هاتفية دولية أو وطنية بدون وجه حق.
ويأخذ هذا الفعل في علاقته بالمعطيات صورا متعددة بحيث يمكن أن يتحقق هذا الفعل إما بالإدخال غير المشروع لمعطيات معينة لنظام للمعالجة الآلية أو عن طريق تغيير تلك المعطيات المضمنة فيه باستبدالها مثلا بمعطيات أخرى مغلوطة أو عن طريق إتلاف المعطيات المضمنة بشكل يجعلها غير قابلة للاستعمال العادي والمنطقي من طرف من لهم حق ذلك، أو عن طريق تدمير هذه المعطيات نهائيا بإزالتها ومحوها بحيث يترتب عن ذلك حرمان المعنيين بها من استعمالها بشكل دائم، ويستوي في هذه الأفعال أن تتم من طرف شخص مخول له حق الدخول للنظام أو شخص غير متمتع بهذا الحق كما لا يشترط لقيام هذه الجريمة أن يكون لمرتكب الفعل نية الإضرار[17].
تزوير الوثائق المعلوماتية أو استعمالها
تعد هذه الأفعال من أخطر صور التزوير لما ترتبه من مساس بالثقة الواجبة في الوثائق والمحررات المعلوماتية، ومن خطورتها على ما تحتويه هذه الوثائق من بيانات مما من شأنه إحداث أضرار مادية أو معنوية متنوعة يمكن أن تمس بالأفراد أو بالمؤسسات الخاصة والعامة وقد تم التنصيص على هذه الأفعال بمقتضى الفصل 607-7 من ق ج الذي جرم كل من التزوير أو التزييف في وثائق المعلوميات أيا كان شكلها إذا كان منش أنه ذلك إلحاق ضرر بالغير وكذا استعمال تلك الوثائق المزورة أو المزيفة مع العلم بذلك[18].
وقد جاءت مقتضيات هذا الفصل عامة وبدون تحديد أو تخصيص سواء فيما يتعلق بكيفية التزوير أو التزييف أو فيما يتعلق بطبيعة الوثائق المعنية إلا أنه لابد لقيام هذه الجريمة أن ترتب الأفعال المرتكبة ضررا للغير وذلك بغض النظر عن طبيعة هذا الضرر أو حجمه أو خطورته أي سواء كان ماديا أو معنويا أو الاثنين معا.
ويتعين الإشارة إلى أن المشرع نص عند تنظيمه لصور الجريمة المعلوماتية التي تمت دراستها أعلاه، على بعض العقوبات التكميلية أو الإضافية التي تطبق على مرتكبيها ، بحيث نص الفصل 607-11 على أنه يجوز للمحكمة، مع مراعاة حقوق الغير حسن النية ، أن تحكم بمصادرة الأدوات التي استعملت في ارتكاب تلك الجرائم والمتحصل عليها منهال كما يمكن علاوة على ذلك، الحكم على الفاعل بالحرمان من ممارسة واحد أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها في الفصل 40 من ق.ج[19] لمدة تتراوح بين سنتين وعشر سنوات، ويمكن أيضا الحكم عليه بالحرمان من مزاولة جميع المهام والوظائف العمومية لمدة تتراوح بين سنتين وعشر سنوات وبنشر أو تعليق الحكم الصادر بالإدانة.
الفقرة الثانية: على مستوى تطبيقات هذه الصور في بعض النصوص:
جرم المشرع المغربي من خلال العديد من النصوص الخاصة بعض تطبيقات الجريمة المعلوماتية المرتبطة بمجال أو بمضمون تلك القوانين وذلك بمناسبة تقرير الحماية الجنائية لبعض المتضررين من بعض هذه الأفعال الجرمية ومن هذه التطبيقات:
ارتكاب الجريمة المعلوماتية في إطار مشروع يهدف للمساس الخطير بالنظام العام، تتعلق هذه الحالة بانتقال وصف الجرائم المعلوماتية المنصوص عليها أعلاه من جرائم عادية إلى جرائم إرهابية بحيث نص الفصل 218-1 من القانون الجنائي[20] على أن الجرائم الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات تعتبر أفعالا إرهابية متى كانت لها العلاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف.
وهو ما سيرتب رفع الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية المقررة لهذه الجرائم إلى الضعف وإذا كان الفاعل شخصيا معنويا فيجب الحكم بحله وبمصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة رفع الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية المقررة لهذه الجرائم إلى الضعف.
وإذا كان الفاعل شخصا معنويا فيجب الحكم بحله وبمصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظورة امتلاكها وكذا بإغلاقها المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة[21]
ارتكاب الجريمة المعلوماتية على معطيات ذات طابع شخصي.
حدد المشرع في القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي[22] بمقتضى المادة الأولى منه المقصود بالمعطيات ذات الطابع الشخصي بكونها معلومات كيفما كان نوعها بغض النظر عن دعامتها بما في ذلك الصورة والمتعلقة بشخص ذاتي أي قابل للتعرف كما عرفه معالجة معه المعطيات بكونها كل عملية أو مجموعة من العمليات تنجز بمساعدة طرق آلية أو بدونها وتطبق على معطيات ذات طابع شخصي مثل التجمع أو التسجيل أو الحفظ أو الملاءمة أو التقييد أو الاستخراج أو الاطلاع أو الاستعمال أو الإيصال عن طريق الإرسال أ الإدانة ألي شكل من أشكال إتاحة المعلومات أو التقريب أو الربط البيني وكذا الإغلاق أو المسح أو الإتلاف.
وقد جرم هذا القانون ضمن الباب السابع من مجموعة من الأفعال ومنها:
القيام بجمع معطيات ذات طابع شخصي بطريقة تدليسية أو غير نزيهة أو غير مشروعة، أو إنجاز معالجة لأغراض أخرى غير تلك المصرح بها أو المرخص لها، أو إخضاع المعطيات المذكورة لمعالجة لاحقة متعارضة مع الأغراض المصرح بها أو المرخص لها.
نقل معطيات ذات طابع شخصي نحو دولة أجنبية خرقا لأحكام المادتين 43-44 من القانون تسبب المسؤول عن المعالجة أوكل معالج من الباطن أو كل شخص مكلف بفعل مهامه بمعالجة معطيات ذات طابع شخصي أو تسهيل ولو بفعل الإهمال الاستعمال التعسفي أو التدليسي للمعطيات المعالجة أو المستلمة أو إيصالها لأغيار غير مؤهلين.
وقد أدخل المشرع الفرنسي تعديلات مهمة في هذا الإطار على المدونة الجنائية الفرنسية بمقتضى القانون رقم 2012.410 المؤرخ في 27 مارس 2012 والتي قررت حماية جنائية مشددة للمعطيات الشخصية بحيث تمت إضافة فقرات جديدة لمقتضيات المواد 323-2 و323-3 وتم بمقتضاها تقرير عقوبات مشددة تصل إلى 7 سنوات حبسا وغرامة قدرها 75.000 أورد متى ارتكب فعل الدخول أو البقاء غير القانوني أو فعل العرقلة العمدية أو فعل الغش والاحتيال في مواجهة نظام للمعالجة الآلية للمعطيات الشخصية الذي تسيره أو تنفيذه الدولة[23]
في المقابل قرر المشرع عقوبات جد بسيطة لهذه الأفعال تتمثل في الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة من 20.000 إلى 200.000 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين فقط، وذلك وفقا للمادتين 53-60 من هذا القانون أما المادة 63 فقرت للفعل الثالث نفس العقوبة باستثناء الحد الأدنى للعقوبة الحبسية الذي هو ستة أشهر بدلا من ثلاثة أشهر.
ارتكاب الجريمة المعلوماتية في مجال التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية
حدد هذا الإطار القانوني رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية[24]، النظام المطبق على المعطيات القانونية التي يتم تبادلها بطريقة إلكترونية وعلى المعادلة بين الوثائق المحررة على الورق وتلك المعدة على دعامة إلكترونية وعلى التوقيع الإلكتروني كما حدد الإطار القانوني المطبق على العمليات المنجزة من قبل مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية وكذا القواعد الواجب التقيد بها من لدن مقدمي الخدمة المذكورتين ومن لدن الحاصلين على الشهادات الإلكترونية المسلمة.
وحماية للمعاملات الإلكترونية ولحجية الوثائق الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني فقد جرم هذا القانون وخاصة بمقتضى الباب الثالث المتعلق بالعقوبات والتدابير الوقائية ومعاينة المخالفة مجموعة من صور الجريمة المعلوماتية باعتبارها تشكل مساس بالثقة التي تتمتع بها المحررات والوثائق الإلكترونية ومنها :
-
تقديم خدمات للمصادقة الإلكترونية المؤمنة دون الحصول على الاعتماد اللازم لذلك أو مواصلة هذا النشاط رغم سحب هذا الاعتماد؛
-
إصدار أو تسليم أو تدبير شهادات إلكترونية مؤمنة من غير مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية المعتمدين
-
الإدلاء العمدي بتصاريح كاذبة أو يسلم وثائق مزورة إلى مقدم خدمات المصادقة الإلكترونية
-
استيراد أو إصدار أو توريد أو استغلال واستعمال إحدى الوسائل أو خدمة من خدمات التشفير دون الإدلاء بالتصريح أو الحصول على الترخيص اللازم لذلك
-
استعمال وسيلة تشفير لتمهيد أو ارتكاب جناية أو جنحة ل، لتسهيل تمهيديا أو ارتكابها
-
الاستعمال غير القانوني للعناصر الشخصية لإنشاء التوقيع المتعلق بتوقيع الغير
-
الاستمرار في استعمال الشهادة الإلكترونية بعد انتهاء مدة صلاحيتها أو بعد إلغاءها[25]
رابعا: ارتكاب الجريمة المعلوماتية في مجال حقوق المؤلف والحقوق المجاورة:
جاء القانون رقم 02.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة لحماية جميع أنواع المصنفات الأدبية والفنية ومن بينها المصنفات المعبر عنها كتابة وبرامج الحاسوب والمصنفات الموسيقية والمسرحية، وقد جرم هذا القانون وخصوصا بعد تعديله سنة 2006، عدة أفعال ماسة بحقوق المؤلف وفناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة، خاصة وأن هذه المنتوجات المضمنة بنظم للمعالجة الآلية للمعطيات يمكن أن تكون محلا للاعتداء ومنها:
القيام بطريقة غير مشروعة بقصد الاستغلال التجاري بخرق تعمد وفق للمادة 64 منه.
استيراد وتصدير نسخ منجزة خرق للقانون وتضاعف العقوبة في حالة الاعتياد على ارتكاب المخالفة، وترفع العقوبة الحبسية لما يتراوح بين سنة أو أربع سنوات وغرامة ما بين 000 درهم و600.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين في حالة العود داخل خمس سنوات بعد صدور حكم قضائي.
وبالإضافة إلى هذه العقوبات يمكن للمحكمة أن تحكم بتدابير وقائية وعقوبات إضافية تتجلى في :
-
حجز النسخ والأدوات وكذا الوثائق والحسابات والأوراق الإدارية المتعلقة بهذه النسخ؛
-
مصادرة جميع الأصول متى ثبت علاقتها بالنشاط غير القانوني
-
إتلاف النسخ والأدوات المستعملة من أجل إنجازها؛
-
الإغلاق النهائي أو المؤقت للمؤسسة التي يستغلها مرتكب المخالفة أو شركاؤه فيها؛
-
نشر الحكم القضائية بالإدانة في جريدة أو أكثر يتم تحديدها من طرف المحكمة المختصة[26]
التعليقات مغلقة.