حادثة أو بالأحرى فاجعة الطفل ريان الذي سقط في البئر بقرية “إغران”، جماعة “تمورت” بإقليم شفشاون ، بعد زوال يوم الثلاثاء الفاتح من نونبر الجاري ، القضية التي استأثرت باهتمام كبير كل أفراد المجتمع المغربي الذي تضامن مع وضع و حالة الطفل بشكل واسع و مثير ، حيث أصبحت الجماعة الهادئة و المميزة سياحيا بجبالها الشامخة و مناظرها الخلابة قبلة لعدد كبير من المغاربة و معهم مختلف المنابر الإعلامية المكتوبة و المرئية والمسموعة عربية و أجنبية، لمتابعة و نقل الحدث و كذا المؤازرة و اعطاء الدعم المعنوي و النفسي لعائلة الطفل ، ومنهم من أراد المغامرة بحياته من أجل إنقاذ الطفل ذي الخمس سنوات، الذي جعله القدر أن يكون محطة اهتمام لصموده و تشبثه بالحياة، رغم سقوطه في بئر يزيد عمقه عن 32 متر و تواجده وحيدا في ظلمة دامسة و مكان ضيق مخيف دون مأكل أو مشرب، يقاوم من أجل البقاء في الحياة، فراشه التربة و غطائه الظلمة وسنده الأصوات المتعالية التي جعلته يتشبث بالحياة و الإرادة للنجاة …
هذا الحدث المؤلم قد جمع بين الإخوة الأعداء المغاربة و الجزائريين، الذين رفعوا أدرعهم سويا إلى السماء طالبين من الله “الحياة و النجاة للطفل ريان”، كما أظهر الشعب المغربي كعادته في كل الأزمات التي يمر بها عن حقيقة طبعه بعطفه و تضامنه في الشدائد و غيرته المطلقة على كل فرد من أفراد المجتمع المغربي ، كما أن المسؤولين كذلك سواء داخل الجماعة أو من خرجها بتعليمات عليا من صاحب الجلالة الملك محمد السادس سخروا كل الوسائل المتوفرة دون عياء أو كلل على إنقاذ الطفل من محنته و إخراجه من الظلام إلى النور سالما إلى أحضان أمه ، عملية الإنقاذ التي تمت بتدخل من الوقاية المدنية و القوات المساعدة والتقنيين الطبوغرافيين والدرك الملكي ومختلف السلطات المحلية والإقليمية …، أمام أعين كل المغاربة المتواجدين بعين المكان أو المتابعين للقضية عن بعد، والتي استغرقت خمسة أيام، تم التخطيط لها باستعمال المسح الطوبوغرافي من أجل تحديد مكان الطفل بدقة بواسطة أجهزة متطورة ، فضلا عن تجهيز ستة آليات عمومية و خاصة، تشتغل دون توقف ليل نهار على مستوى العمودي و الأفقي في ظل هاجس وقوع انهيار مفاجئ للتربة، العملية التي تمت بمهنية و احترافية جد عالية و بحذر شديد لإخراج الطفل من عمق الحفرة، وهي القضية التي أصبحت مادة دسمة إعلاميا و متداولة بين المواطنين من مختلف الأعمار في كل البيوت والمقاهي، و أن جل المدن المغربية أصبحت تعيش وضعا مقلقا بما ستؤول إليه الأحداث، التي جعلت الجهات العليا كذلك تتدخل وتتابع باهتمام بالغ مختلف التطورات والمستجدات، بحذر وترقب شديدين إلى ما ستؤول إليه الأوضاع التي هي عبارة عن فيلم هوليودي طويل متسلسل صعب تخمين نهايته، وفي ظل انتظار قاتل ومخيف بما ستؤول إليه الأحداث….
والتي كانت بعون الله ، نهايته سعيدة و مفرحة بعد خروج الطفل المعجزة من الحفرة لمعانقة أحضان والديه و يرى النور من جديد وسط هتافات و زغاريد النساء و جمع غفير من المواطنين المقيمين و الوافدين من مختلف أقاليمي و جهات المملكة تضامنا مع عائلة الطفل في محنتهم و الوقوف إلى جانبهم ، الجمع الغفير الذي كان شبه ملتقى وطني انتهى بفرح و بكاء غمر كل المتتبعين عن قرب أم عن بعد لهذه القضية التي جعلت إقليم شفشاون يطفو من جديد على السطح بعد شهور عديدة من الهدوء القاتل بسبب الركود الاقتصادي المفروض بفعل الجائحة و حالة الطوارئ الصحية ، و الجميل في هذه الفاجعة هو تضامن الشعب المغربي الذي أصبح يتداول و يشاد به عبر مختلف الصحف الوطنية و الدولية و المنابر الإعلامية الإلكترونية و هي في الواقع سنة أكيدة اعتاد عليها المغاربة ويقتدا بها…
فاجعة ريان التي هزت العالم كان لها جانبها الإيجابي، حيث بفضلها تلاحمت الشعوب اتجاه تلك المعاناة سواء من أجل اخراجه من البئر أو على مستوى معاناة الطفل في صمت رهيب ، ونتمنى أن تكون وفاته بداية لمرحلة جديدة تعطى فيها نوع من الأولوية للعالم القروي و ما يعانيه الأطفال في ظل صعوبة التضاريس، وخطورة الابار الارتوازية المكشوفة و ضرورة الإبلاغ في حالة تواجدها.. وللإنصاف أن مختلف السلطات سخرت كل الإمكانيات الممكنة لإنجاح عملية أنقاد الطفل “ريان” و التي تكللت بنجاح رغم وفاة الطفل بفعل الضربات التي تلقاها أثناء السقوط المميت.. ولا ننسى تعزية صاحب الجلالة الملك محمد السادس لعائلة الفقيد التي جاءت إثر إعلان نبئ وفاته ، رحمه الله رحمة واسعة و أدخله فسيحة جناته مع المرسلين و الصديقين ، و إنا لله و أنا إليه راجعون .
التعليقات مغلقة.