أكدت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها على ضرورة توجيه الجهود نحو تأسيس منظومة متسامكة لتأطير ومعالجة وضبط وضعيات تنازل المصالح، تجاوبا مع مقتضيات الدستور التي أوصت بالمعاقبة على تنازع المصالح، وتفعيلا لالتزامات المغرب في إطار الاتفاقيات الأممية والإقليمية لمكافحة الفساد.
وأشارت الهيئة في دراسة لها حول “تنازع المصالح” عرضتها ضمن تقريرها السنوي برسم سنة 2022، أن تنازع المصالح له انعكاسات خطيرة، تتمثل على الخصوص في تقويضه لموضوعية وحياد وتجرد القرار العمومي، ومسه بمبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص في الولوج إلى خدمات وعروض المرافق العمومية.
وسجلت الدراسة غياب تأطير قانوني واضح لمفهوم تنازع المصالح، ذلك أنه يظل غائبا وغير واضح، ووضعياته تبدو قاصرة على احتواء الحالات المتعددة لتنازع المصالح، كما أن المقتضيات القانونية ذات الصلة تظل مفتقرة إلى آليات المعالجة والتحقق والتصحيح والتسوية التي يتطلبها هذا السلوك، إلى جانب غياب الإطار المؤسساتي الذي يضطلع بهذه المهام، بمقتضى صلاحيات واضحة وآليات لضبط ورصد المخالفات المحتملة في هذا المجال.
واعتبرت الهيئة في دراستها أنه من نتائج غياب هذه المقتضيات المؤطرة لتنازع المصالح، المحدودية الملحوظة للحالات المرصودة وطنيا لتنازع المصالح، والتي تقتصر بشكل خاص على حالات نادرة اكتشفتها تدقيقات المحاكم المالية، والمفتشية العامة للإدارة الترابية بالنسبة لبعض المسؤولين العموميين والمتتخبين الجماعيين.
وشددت على أن هذه المحدودية لا تعزى إلى إلى انتفاء هذه الظاهرة والإحجام عن التعاطي لها في الممارسات التدبيرية بشكل عام، بل هي محدودية ناتجة عن العجز في استيعاب تمظهراته في غياب تحديد قانوني للمفاهيم المتعلقة به، وكذا لقدرة هذا السلوك الانحرافي على الاختفاء واستعصائه على الضبط والتطويق، في غياب آليات قانونية ومؤسساتية ملائمة وناجعة لمحاصرته.
وعرفت الهيئة تنازع المصالح على أنه كل حالة يكون فيها للموظف العام مصلحة مادية أو معنوية تتعارض أو يحتمل أن تتعارض مع ما تقتضيه وظيفته، من نزاهة واستقلال وحياد وحفاظ على المال العام، سواء كانت تلك المصلحة تهمه شخصيا أو تهم أحد أفراد أسرته، أو أصدقائه المقربين أو خصومه أو أحد الأشخاص التي يرتبط بها.
وقدمت الهيئة عدة توصيات لمحاصرة تنزاع المصالح، من ضمنها ضبط الانتقال من القطاع الخاص إلى القطاع العام أو العكس، وإخضاع هذا الانتقال إلى ضوابط محددة وواضحة، يمكن أن ترقى إلى منع الشخص المعني لمدة معينة من ممارسة مجموعة من الصلاحيات التي تندرج ضمن مسؤولياته ومهامه، وحصر الفئات الخاضعة له باعتماد المفهوم الواسع للموظف العمومي، مع إدراج فئات أخرى مرتبطة به بعلاقات مختلفة كالقرابة أو الصداقة والعمل، أو الارتباط بكيانات معينة تجارية أو سياسية.
وأوصت الهيئة أيضا بإقرار علنية التصريحات بالمصالح ونشر الحالات المعتمدة لتسوية وضعيات تنازع المصالح من خلال منصات إلكترونية تتيح لمنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، وأفراد آخرين من الجمهور الاضطلاع على المعلومات المقدمة، وممارسة الرقابة المجتمعية المطلوبة في هذا المجال، ورصد عقوبات زجرية مناسبة عن الإخلال بالضوابط المعمول بها لمعالجة وتسوية وضعيات تنازع المصالح، تتمثل في المستويات الثلاثة المتعلقة بالإجراءات التأديبية، والعقوبات الإدارية، والعقوبات الجنائية.
التعليقات مغلقة.