أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

درعة تافيلالت.. شخصيات الجهة 2022

الحبيب عكي

وتمضي سنة أخرى على الجهة، ومجمل الأمور في رتابتها المعهودة، لا جديد في الجنوب الشرقي بشكل عام غير شمسه التي لازالت تشرق وتحرق، وجفافه الذي لازال يشتد ويمتد، لا جديد في جهة درعة تافيلالت غير أصفارها التنموية التي لا زالت تتوالد وتقلق، 0 مستشفى جامعي.. 0 طريق سيار.. 0 قطار يشق الغبار.. 0 معمل تشغيل للكبار.. 0 مخيم ترفيهي للصغار.. 0.. 0..، وهكذا ظلت جهتنا بعيدة عن غيرها من الجهات التي ومنذ كم من عقود وعقود رفعت مناظراتها الوطنية شعارات التضامن والتشارك.. والتمازج والتهازج.. والتطابق دون تطبيق؟.

 

في قساوة هذا التهميش المزمن، والاخلال الرسمي بحقوق الساكنة في الحرية والكرامة والعيش الكريم، وعدم جبر ضررها الجماعي كما قضت بذلك توصيات الانصاف والمصالحة، لازال العنصر البشري الواحي المتفرد كعادته يشد العضد في الجهة بقيمه التضامنية الأصيلة، ويجاهد بمهاراته الإبداعية في مختلف المجالات وبكل قواه من أجل الجهة والوطن، بل من أجل الكون والإنسانية ككل؟.

أجواء جهوية متحاملة ضد الفعل السياسي والمدني والاجتماعي الجاد، إلى درجة أطاحت بعناصرها الفعالة وكل ذنبها أنها حاولت تحريك عجلة التنمية في الجهة وأنجزت في ولايتها ما لم ينجز في كل الجهة لعقود وعقود، ورغم ذلك فالبعض بشططهم لا يرخصون بأنشطتها والبعض بمراوغاتهم يمنعون عنها القاعات والفضاءات؟.

 

في هذه الأجواء المثبطة المحبطة الكئيبة، لم يكن أمام إنسان الجهة المسالم إلا أن يتحاشى كعادته الصدام مع أي كان، ويشق طريقه بنفسه مثابرا.. مصرا.. على تحقيق أحلامه وكرامته بجهده وعصاميته، وفعلا، وصل بعض الأفراد رغم مشاق الطريق وجسامة التضحيات، ما هم بسياسيين ولا مدنيين حقوقيين.. ولا حتى سلطويين رسميين ولا أساتذة جامعيين.. ولا.. ولا.. ولكنهم يستحقون أن يكونوا شخصيات الجهة لهذه السنة 2022 بلا استثناء، وعلى رأسهم هؤلاء الثلاثة:

   

  • عمي علي الصحراوي: أو “علي جاجيوي” الأرفودي، صاحب الأنامل الستينية المتفننة (64 سنة) .. حفار الآبار الذي حبس أنفاس كل أبناء الوطن والعالم أثناء ملحمة إنقاد الطفل “ريان” الذي سقط في بئر مهجورة ضيقة على عمق 32 متر، في قرية “تامورت” بمنطقة “شفشاون” شمال المغرب، لم يكن الرجل خريج المعاهد ولا كليات الهندسة، ولكن الله منحه خبرة فريدة وتقنية عجيبة في حفر الآبار ثلاثين سنة مضت ولا يزال، واستعانت به السلطات العمومية لفك ألغاز تلك المعضلة التي دامت أطوارها خمسة أيام، جمعت كل أواصر المغاربة بدعائهم وإطعامهم وإيوائهم وتعاطف العالمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع طارئهم، وكادت تكلل عملية الإنقاذ بالنجاح – لولا قدر الله – ولا راد لقضائه. كان عمي علي كل تلك الأيام العصيبة قد أبان عن معدن الرجل المغربي الصحراوي.. شموخ التطوع.. شموخ التعاون.. الحزم والجدية.. الخبرة والتقنية.. الطيبوبة والقناعة.. لا يدخل الغار للحفر إلا متوضئا مصليا.. مشهدا ومتوكلا على الله.. مما أكسبه حب الناس الذين لم يبخلوا عليه بشيء حتى توجه بعضهم بعمرة مباركة؟.

  • الشاب المقاول فوزي النجاح: الشاب المهندس ورجل الأعمال صاحب 29 سنة من أصول الجهة بمدينة الرشيدية وهو يقيم بإحدى دول المهجر بأروبا (إيطاليا) ومن أب كان يعمل في شركة “Renaut” الفرنسية.. تمكن بفضل الله وقوته من اختراع سيارة “NAMX HUV“.. وهي أول سيارة رباعية الدفع في العالم، بيئية تعمل بدون كثير بترول ملوث.. إنما فقط بالهيدروجين الأخضر، وهي ذات نظام هجين “Hybride” بالإضافة إلى الخزان الرئيسي فهي تحمل 6 عبوات قابلة للاستبدال وتشحن في 5 دقائق فقط يمكن أن تعبر بعدها إلى 800 كلم بدون تلوث ولا ضرر بيئي.. فقط لأن الغاز الذي يصدر منها عبارة عن بخار الماء. لقد أخذ الشاب براءة اختراعه على سيارته وسيسوقها في 2025 في نسختين إحداهما بسرعة 200 كلم في الساعة وبسعر 65 مليون والأخرى بسرعة 250 كلم في الساعة وبسعر 95 مليون، ويبقى حلمه أن ينشأ مصانع ضخمة لإنتاجها في بلده المغرب.. ولما لا في جهته درعة تافيلالت؟.

                    

  • اللاعب الدولي عبد الحميد صابيري: وهو الشاب المغربي ذو 26 ربيعا من مواليد 1996 بمدينة كلميمة العتيدة، هاجر مع عائلته منذ سن 3 سنوات إلى ألمانيا، وهناك ومنذ 6 سنوات أخذ يتعاطى لكرة القدم مع أخيه الأكبر وزملائه في الحي بمدينة “فرانكفوت”، عشق الساحرة المستديرة وظهرت مواهبه الرياضية التي صقلها بانتمائه إلى أندية مختلفة.. كنادي “كوبلنتس” و”سبورت فرند” الألماني الذي لعب له في دوري الدرجة الخامسة وأصبح فيه نجم الفريق الأول، أنهى له الموسم ب 20 هدفا و6 تمريرات حاسمة في 33 مباراة. ثم انتقل إلى نادي “هادر سفيلد” الإنجليزي 2016، فالعودة إلى نادي “بادر بورن” بألمانيا 2019، فنادي “اسكولي” الإيطالي 2021.

 

كل هذا لفت إليه أنظار المدربين وهم يطلبون التعاقد معه في أنديتهم وبمبالغ محترمة تجاوز بعضها المليون يورو شهريا. أصيب عبد الحميد ببعض الحوادث أثناء لعبه و تداريبه كانت تبعده عن الممارسة لكن ما أن يتعافى منها إلا ويعود إلى عشقه ولو بالتعاقد مع مدرب خاص لاستعادة طراوته ولياقته البدنية وجاهزيته القتالية، أخيرا، وكما يقول المثل: “من سار على الدرب وصل”،  وها هو “عبد الحميد صابيري” اللاعب الخلوق، لاعب وسط الميدان الحامل للقميص رقم 11،  يصل إلى مرفىء الفريق الوطني ويساهم بثقة ونجاح في كسب مبارياته الإعدادية لكأس العالم قطر 2022 بل والتقدم في فعالياتها، حيث سجل أهدافا تاريخية رائعة ضد أعتى الفرق ك”بلجيكا “و”إسبانيا” حملت البلد إلى أدوار متقدمة لنصف النهاية ولأول مرة في تاريخ الكرة العربية والإفريقية، وأدخلت فرحة عارمة في كل ربوع المملكة بل في كل مكان في العالم؟.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن، هو أين هي شخصيات الجهة لهذه السنة 2022؟.. لا من السلطويين. ولا من السياسيين والنقابيين.. ولا حتى من المدنيين الحقوقيين.. الذين يدعون ما يدعون ويتحملون من المسؤوليات ما يتحملون؟.. وكان من المفروض أن تكون لهم بصمة بارزة في مجالات نشاطهم وهيئات تحركم.. وكذلك في مسؤوليتهم المنتظرة في الوقوف إلى جانب الساكنة وانتظاراتها في تخفيف معاناتهم وتحريك عجلة التنمية في الجهة.. مستثمرين في ذلك ما أصبح يسمح به الدستور الجديد من إمكانيات حركية ونضالية واسعة.. وما تتطلبه الجهوية الموسعة من ترافعات وإنجازات حقيقية؟. لكن مع الأسف، العكس هو ما يحدث الآن، من تحجر الفعل السلطوي وتحجيره على الفعل السياسي والمدني والاجتماعي الجاد، مستفردا بكل شيء على مقاساته وحساباته السياسوية، ومن تمييع غيره لأدواره السياسية والتنموية المطلوبة، فلا أرضا يقطع ولا ظهرا يبقي.. لا مشاريع ينجز ولا ميزانيات يبقي؟.

 

السؤال المطروح الآن على كل العناصر السابقة وبقوة:

  • كم من عمي “علي الصحراوي” بخبرته وحنكته وإرثه وتراثه تزخر به الجهة طولا وعرضا.. من يثمن خبرتهم.. حكمتهم.. حكايتهم.. من يخفف محنتهم وينقذ مهنهم التي تتهاوى وتنقرض في معاناة وأنين وحنين وصمت؟.

 

  • كم من مقاول شاب لم يجد إلى إنشاء مقاولته سبيلا.. ومقاول شاب يتخبط في مشاكل مقاولته الناشئة وهو مهدد إما بالإفلاس أو السجن أو بهما معا؟. أين سياستنا التدبيرية الجهوية وسلطتنا التحجيرية من خطابنا الرسمي لتشجيع الجهوية والمقاولة والاستثمار؟. أم أن الأمر يتعلق عندها بالجهات غير جهتنا الثامنة؟، وبالمقاولة والاستثمار الأجنبي فحسب؟. لماذا لا تتبنى جهتنا الثامنة مقاولة “فوزي النجاح” مثلا؟. لماذا توقف بناء المشروع الملكي ل”مدينة المهن والكفاءات”؟. لا شيء.. لا شيء غير الهجرة المرة والقضاء في الأعالي لمن استطاع إليهما سبيلا؟.

 

  • السؤال المطروح الآن أيضا، كم بيننا وبين ليس الطموح الرياضي الذي يستلزمه العصر بأفقه الدولي.. بل فقط، بيننا وبين ماضي الجهة في عطائها وازدهارها الرياضي؟، ولازالت دور الشباب في كل أقاليم الجهة الخمسة وملاعبها وساحاتها وثانوياتها وأبطالها ومساراتها كلها تشهد على ذلك؟. صحيح، هناك أيضا حديث وفعل رياضي في الوقت الحاضر، بل هو في بعض الأحيان مبالغ فيه حتى، لكنه غارق في المحلية والاستهلاك وتدبير الأزمات حد الانتهازية والاسترزاق.. وبالتالي يكون كل شيء وكأنه مجر إلهاء ودر الرماد في العيون؟. أين رياضتنا على ضوء المسيرة الرياضية الناجحة للبطل “عبد الحميد صابيري” وغيره من زملائه من أبناء الجالية لاعبي الفريق الوطني لكرة القدم؟.

 

         حقا، هناك عندنا أيضا بعض القاعات الرياضية وبعض ملاعب القرب، لكن، أين الممارسة الرياضية المكثفة في الأحياء؟، أين الممارسة العلمية التربوية في البطولات؟، أين المدربين الأكفاء ومراكز تكوينهم وتشغيلهم عبر الجهة؟، بل أين فرقها المثابرة والناجحة و أين فرق وشركات الاحتضان؟، أين الاحتراف؟، أين التعاقد؟، أين الجمهور الرياضي الواعي؟، أين.. أين..؟. كل الأشياء أصبحت اليوم احترافية متقنة وبمعايير عالمية دقيقة (كما هو متعارف عليه دوليا).. فإما الدقة والاتقان وإما “باركا ما تكذبوا على الرياضة وعلى ساكنة الجهة المسكينة”، وداك “خنفس دنفس ودوز الليل”.. راه هو من ترك الجهة وسيتركها كما هي، وذنب المسكينة على كاهل الأريسيين و السياسيين والبزنطيين؟.

التعليقات مغلقة.