رآسة النيابة العامة تدخل على خط الجدل القائم حول السجون المغربية واكتظاظها وتقدم تفكيكا شاملا للواقع القائم
في سياق الجدل الدائر حول السجون المغربية ووضعية الاكتظاظ بها، وما فجره بيان المندوبية العامة للسجون وإعادة الإذماج من حقائق صادمة، ورد قضاة المغرب على بيان المندوبية وتقاذف المسؤولية في كل اتجاه، دخلت رآسة النيابة العامة على خط النقاش الديمقراطي المفتوح مؤكدة، يومه أمس الأربعاء، أن موضوع الاعتقال هو جزء من مواكبتها واهتمامها، وأنها تتفاعل إيجابيا مع وضعية المؤسسات السجنية وما تعرفه من اكتظاظ.
وأوضحب رآسة النيابة العامة أنها وفي سياق هاته المواكبة أصدرت دوريات في الموضوع وعقدت عدة اجتماعات مع مسؤوليها، كما نظمت دورات تكوينية في المجال.
جاء ذلك عبر بلاغ صادر عنها وقف حول الإكراهات التي تتحكم في عدد نزلاء المؤسسات السجنية بالمغرب، حيث قالت “في إطار الحق في الحصول على المعلومة المكرس بمقتضى الدستور والقانون”، أن ذلك يأخذ بعين الاعتبار التلازم بين مواجهة استفحال الجريمة وحماية المواطن والمجتمع من آثارها كأولوية، انطلاقا من مبدأ التزامات الدولة في هذا الاتجاه، وتفاديا لنسف جهود المصالح الأمنية والشرطة القضائية في محاربة الجريمة، من جهة، وتكريسا لدور القضاء في تفعيل مبدأ حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحريتهم وأمنهم القضائي، طبقا لمقتضيات المادة 117 من الدستور، من جهة أخرى”.
رابطة قضاة المغرب تستغرب بلاغ مندوبية السجون حول اكتظاظ السجون وتعتبره ضربا لاستقلالية القضاء
وأضافت: “من تم، فإن المبالغة في اعتماد المرونة في الإبقاء على المتورطين في جرائم تتسم بنوع من الخطورة في حالة سراح، سوف تكون له عواقب وخيمة على أمن المجتمع والأفراد، على حد سواء”.
وابرزت رئاسة النيابة العامة أنه وفي ظل هاته الإكراهات “فإن مقاربة معالجة الجريمة تختلف من دولة لأخرى، حسب خصوصيتها والثقافة السائدة لدى مواطنيها، وبالنسبة لبلادنا، فإن الأمر يتطلب العمل المتواصل من أجل تغيير الثقافة السائدة، حاليا، لدى فئات من المواطنين الذين يرون أن العدالة الجنائية الناجعة تكمن في الاعتقال، وأن الردع الصائب هو العقوبات السالبة للحرية في جميع القضايا، وإلا فإن هذه العدالة تبقى منتقدة وغير مجدية، علما أن القضاء، بصفة عامة، لا يأبه بهذا الاتجاه، وإنما يحرص على التطبيق السليم والملائم للقانون”.
وأكدت أن التعاطي مع الإشكال يكون “من خلال مقاربات متعددة تروم أنسنة المؤسسات السجنية، وتوفير الظروف الملائمة للعاملين بها لأداء مهامهم بيسر، مع استحضار استمرارية ضمان أمن وسلامة المجتمع”.
ووقفت رآسة النيابة العامة حول ما ورد في بلاغ الإدارة العامة للسجون مبرزة أهمية الوارد ومؤكدة “على أهمية ما ورد في بلاغ المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، من حيث تشخيص وضعية المؤسسات السجنية، والمطالبة بالإسراع في إيجاد الحلول الكفيلة بمعالجة إشكالية الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية، لتفادي الانعكاسات المشار إليها بالبلاغ”.
وأضافت أنها “سوف تواصل دورها التأطيري والتحسيسي لقضاة النيابة العامة، لاتخاذ ما يلزم من تدابير، وفق ما يفرضه القانون، من أجل بذل المزيد من الجهود ما أمكن، بهدف ترشيد الاعتقال الاحتياطي، في أفق تحقق الأهداف المأمولة السالف ذكرها”.
وأفادت بعزمها الدعوة للقاء، خلال شهر شتنبر المقبل، “يجمع المؤسسات والجهات المعنية لمناقشة الموضوع، وكل الآراء والمقترحات والإمكانيات المناسبة لتجاوز كل الصعوبات والإكراهات التي ترتبط بتدبير الاعتقال الاحتياطي ووضعية المؤسسات السجنية، في أفق تدخل المشرع في المنظور القريب، لإيجاد الحلول التشريعية المنتظرة، سواء ما يتعلق بسن مقتضيات حديثة من شأنها تعزيز بدائل الاعتقال الاحتياطي، والتعجيل بإخراج المقتضيات المتعلقة ببدائل العقوبات السالبة للحرية، وأيضا قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي، بصفة عامة”.
وشاطرت رآسة النيابة العامة المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج “قلقها بشأن وضعية المؤسسات السجنية، وفق ما جاء في بلاغها، لما لذلك من انعكاس سلبي على ظروف إقامة ساكنتها وعلى حسن تدبيرها”، أشادت رئاسة النيابة العامة “بكل الجهود التي تبذلها المندوبية، بغاية تجويد ظروف إيواء هذه الساكنة بكل حمولاتها، وحسن تدبير المؤسسات السجنية، ومختلف المبادرات الجيدة الرامية إلى إعادة إدماج السجناء”.
المديرية العامة للسجون تقول إن عدد السجناء وصل إلى 100004 فيما الطاقة الاستيعابية لا تتجاوز 64600
ووقفت حول ما أسمته التطور النوعي الذي عرفته مظاهر الجريمة، خلال السنوات الأخيرة، من جهة خطورة الأفعال المرتكبة، أو الوسائل المستعملة فيها، أو طبيعة الأشخاص الذين يقترفونها، لا سيما الذين يوجدون في حالات العود، وأثر ذلك على طمأنينة وسكينة المواطن والمجتمع، معتبرة أن هاته الوقائع تفرض على كل الجهات الساهرة على إنفاذ القانون التصدي لكافة هذه المظاهر السلبية.
وأبرزت أن السياسات الجنائية المنتهجة تروم التصدي لهاته الظواهر الإجرامية والحفاظ على أمن وسلامة الأشخاص وحماية ممتلكاتهم؛ حيث بذلت المصالح الأمنية والشرطة القضائية، بكل أصنافها، ولا زالت جهودا لمواجهة كل الخارجين عن القانون، وضبطهم وإحالتهم على النيابات العامة المختصة.
وأعطت رآسة النيابة العامة بيانات عن التدخلات المنجزة مبرزة أن تلك العمليات أسفرت، خلال النصف الأول من السنة الجارية، عن إيقاف حوالي 309 ألف و259 شخصا، أغلبهم من أجل الاتجار في المخدرات، وشغب الملاعب المرتبط بالتظاهرات الرياضية، وجرائم الأموال والجرائم المالية التي تندرج في إطار مواجهة الفساد المالي، والاعتداء على الأشخاص، سواء في إطار عصابات إجرامية، أو السرقات الموصوفة، أو غيرها من الجرائم الخطيرة.
وأضافت، أن تلك المجهودات التي قامت بها مصالح الشرطة القضائية بكل أصنافها، في إطار إسهامها في عدم الإفلات من العقاب وتطويق الفارين من العدالة، أسفرت عن توقيف حوالي 162 ألف و545 شخصا كانوا موضوع برقيات بحث على الصعيد الوطني، خلال النصف الأول من هذه السنة الجارية، تمت إحالتهم على النيابات العامة المختصة، من أجل اتخاذ الإجراء القانوني المناسب في حقهم.
كما أن النيابات العامة حرصت على تنفيذ الأحكام الباثة القاضية بعقوبات سالبة للحرية الصادرة في مواجهة المحكومين في حالة سراح؛ حيث بذلت مصالح الشرطة القضائية، تفاعلا مع ذلك، مجهودات متميزة في سبيل ضبط هؤلاء المحكوم عليهم، وإيداعهم بالمؤسسات السجنية المعنية.
وأضاف البلاغ أن “إيداع مجموعة من الأشخاص الصادرة في مواجهتهم أوامر بالإكراه البدني، بعدما تخلفوا عن أداء الغرامات المالية، أو الديون العمومية أو الخصوصية المتخذة في ذمتهم، وفق ما يفرضه القانون، ودون شك، فإن كل هذه العوامل ساهمت في ارتفاع عدد ساكنة المؤسسات السجنية”.
وأبرز البلاغ أن هاته المجهودات وفرت “الأمن والطمأنينة لكافة أفراد المجتمع وضمان حقوقهم وسلامتهم الجسدية يشكل أحد أولويات السياسة الجنائية، عملت رئاسة النيابة العامة، باعتبارها الجهة المشرفة على حسن تنفيذها، على حث النيابات العامة على التفاعل بالمسؤولية اللازمة مع الأشخاص المقدمين أمامها، من أجل ارتكابهم للأفعال ذات الخطورة، وذلك في إطار الملاءمة والتوازن ما بين ضمان حماية سلامة المواطنين وممتلكاتهم، من جهة، والحفاظ على حقوق وحريات المشتبه فيهم، من جهة أخرى، مع مراعاة وضعية الطاقة الاستيعابية للمؤسسات السجنية”.
وأكدت رئاسة النيابة العامة أنه، انسجاما مع هذا التوجه، ووعيا من النيابات العامة بضرورة عقلنة تدبير الاعتقال، دأبت على عدم اللجوء إلى إعماله، إلا عند الضرورة، وهو ما تعكسه نسبة الاعتقال التي لم تتجاوز 24% من بين المقدمين أمامها، والبالغ عددهم 309 ألف و259، خلال النصف الأول من هذا العام، وهي نسبة تبقى جد معقولة مقارنة مع النسب المرتفعة المسجلة لدى بعض الدول الأخرى.
وقالت رآسة النيابة العامة أنه و”انطلاقا مما سلف، عرف عدد المعتقلين احتياطيا بالمؤسسات السجنية، إلى غاية شهر يوليوز من هذه السنة، انخفاضا؛ حيث بلغ حوالي 39% مقابل 40%، خلال نفس الفترة من السنة الماضية، وعلى عكس النسب المسجلة، خلال السنوات الفارطة الممتدة من عام 2010، التي تراوحت ما بين 38% و47%؛ إذ بلغت هذه النسبة، على سبيل المثال، عام 2010، حوالي 43%، وخلال عام 2011، حوالي 47%؛ مما يوحي بأن تدبير الاعتقال يتماشى مع تطور الجريمة صعودا أو نزولا، منذ أمد بعيد.
وأوضحت أنه “إذا كانت هذه النسب المسجلة بشأن معدلات الاعتقال الاحتياطي لا ترقى إلى طموح رئاسة النيابة العامة، رغم الجهود المبذولة في هذا الإطار، فإنها تبقى مقبولة مقارنة مع نسب الاعتقال الاحتياطي المسجلة في بعض دول الاتحاد الأوروبي، بحسب الأرقام التي نشرها مجلس أوروبا، خلال عام 2022، كما هو الحال بالنسبة لهولندا 45.2%، وبلجيكا 38.4%، وفرنسا 28.5%، وإيطاليا 31.5%، والدانمارك 41.3%، واللكسومبورغ 43.3%.
وأبرزت أنه رغم انخفاض نسبة الاعتقال، خلال النصف الأول من السنة الجارية، “بحسب ما أشير إليه أعلاه، والجهود المبذولة من طرف النيابات العامة بشأن ترشيد الاعتقال الاحتياطي، فإن فئات مختلفة داخل المجتمع دأبت، في مناسبات عدة، وعبر العديد من المنابر، بما في ذلك وسائط التواصل الاجتماعي وغيرها، على المطالبة بتفعيل آلية الاعتقال لردع مرتكبي الجرائم، حتى ولو كانت بسيطة، بدل المتابعة في حالة سراح، انسجاما مع ما ترسخ من ثقافة لديها بأن تحقيق العدالة والزجر لا يكون إلا بالاعتقال وصدور أحكام بعقوبات سالبة للحرية”.
وفي السياق ذاته قالت رئاسة النيابة العامة إنه “مع ذلك، فإن قضاة النيابة العامة يلتزمون بالتطبيق السليم للقانون، دون تأثر بما ذكر؛ حيث يجنحون في إطار اعتماد مبدأ الملاءمة إلى عقلنة تدبير وضعية الاعتقال، واعتمادها في مستواها الأدنى بالنسبة لأغلبية الأشخاص المقدمين أمامها، وهو نفس الاتجاه الذي يعتمده السادة قضاة التحقيق، في إطار سلطتهم التقديرية واستقلاليتهم”.
وأوضحت بأنه “تبعا للتفاعل الإيجابي بين رئاسة النيابة العامة والمصالح المركزية للشرطة القضائية بكل أصنافها، الهادف إلى الرفع من النجاعة القضائية، من خلال ترشيد إنجاز الأبحاث الجنائية، داخل أجل معقول، أصبحت الأبحاث تنجز في أغلبها، خلال ثلاثة أشهر، مع إحالة العديد من المعنيين بها على النيابات العامة المختصة؛ حيث يتخذ تدبير الاعتقال الاحتياطي في حق القليل منهم، متى توفرت موجبات لذلك، لاسيما خطورة الأفعال أو انعدام الضمانات، كما هو الحال على سبيل المثال، في جرائم الشيكات بدون مؤونة، والنصب والتزوير، والاتجار بالبشر، وغيرها”.
وبحسب تصنيف الساكنة السجنية، توزعت، خلال عام 2022، بين حوالي 30% من أجل الاتجار في المخدرات، و31% في إطار الجرائم المالية وجرائم الأموال، و30% من أجل جرائم الاعتداءات الخطيرة على الأشخاص؛ كالقتل، أو تكوين عصابات إجرامية، أو استعمال السلاح الأبيض، إلى آخره.
وفيما يتعلق بالقضايا الزجرية فأوضحت أنها تشكل حوالي 62% من مجموع القضايا الرائجة بالمحاكم، مضيفة أن قضاة الحكم يبذلون مجهودات جبارة من أجل تصفيتها، داخل آجال معقولة، رغم عدة إكراهات مرتبطة بالجانب القانوني والواقعي، ولاسيما مسألة التبليغ.
وأوضحت إلى أن ذلك “ما تعكسه نسبة 87 في المائة من القضايا الزجرية المحكومة، خلال سنة 2022؛ حيث يتجاوز معدل عدد الأحكام التي أصدرها كل قاض ألفي (2000) حكم، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصاص في عدد القضاة، بصفة عامة، علما أن هذا المعدل يتجاوز ما هو مسجل لدى بعض الدول”.
وأكدت رئاسة النيابة العامة أن هذه التوضيحات جاءت تبعا للبلاغ الصادر عن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج (7 غشت الجاري)، والذي أثار وضعية المؤسسات السجنية، من خلال ارتفاع عدد الساكنة بها، وما ترتب عنه من اكتظاظ نتيجة تزايد وتيرة الاعتقال، مع ما قد ينجم عن ذلك من اختلالات وآثار سلبية، وفق ما تضمنه البلاغ.
رابطة قضاة المغرب تستغرب بلاغ مندوبية السجون حول اكتظاظ السجون وتعتبره ضربا لاستقلالية القضاء
المديرية العامة للسجون تقول إن عدد السجناء وصل إلى 100004 فيما الطاقة الاستيعابية لا تتجاوز 64600
التعليقات مغلقة.