أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

رأي قــانــونــي حـــول : فرضية امتناع الأجير أو تغيبه عن الشغل بسبب عدم توفير شروط السلامة الصحية ووسائل الوقاية بـمـقــر الــعـمـل في ظل تفشي جائحة كورونا

بقلم : ذ. مروان اغرباوي ـ محام.

 

ظهرت خلال الآونة الأخيرة بؤر للإصابة وانتشار فيروس كورونا داخل بعض الوحدات الصناعية في بعض المدن التي تعرف تواجد هذا النوع من المؤسسات.

هذه الظاهرة رافقها تداول مجموعة من الصفحات في شبكات التواصل الاجتماعي و بعض الجرائد الالكترونية لفيديوهات تُظهـر احتجاجات عشرات الأجراء أمام الوحدات الصناعية التي يشتغلون بها بُعد التأكد من ثبوت حالات إصابة مؤكدة داخلها، مُطالبين بتوفير وسائل الوقاية وحفظ الصحة من أجل الرجوع إلى استئناف عملهم، وهو ما جعل التساؤل يُطرح حول الالتزامات الواجبة على المشغلين بصفة عامة بخصوص حفظ صحة الأجراء وتوفير وسائل حمايتهم من العدوى في ظل تفشي جائحة كورونا، و مدى إمكانية امتناع الأجراء عن العمل في ظل انعدام أو نقص توفير هذه الوسائل و عدم توفير ظروف صحية مُلائمة تضمن سلامتهم.

طبعا بالرجوع إلى مدونة الشغل والمادة 39 منها، نجد أن المشرع المغربي أعطى أمثلة لبعض الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها الأجير والتي يمكن أن تؤدي إلى فصله عن العمل، من بينها :

ـ “رفض إنجاز شغل من اختصاصه عمدا وبدون مبرر”.

ـ “التغيب بدون مبرر لأكثر من أربعة أيام أو ثمانية أنصاف يوم خلال الاثني عشر شهرا”.

إذن الملاحظ هو أن المشرع ربط قيام هذين الخطأين الجسيمين من جانب الأجير بضرورة غياب المُبرر، لكن في الحالة التي نتحدث عنها فهناك مبرر للتغيب أو رفض إنجاز الشغل، هذا المبرر متمثل في انعدام أو نقص وسائل حفظ الصحة والسلامة و الوقاية من عدوى فيروس كورونا، عِلما أن المشرع المغربي أوجب على المُشغل التزاما قانونيا بضمان سلامة صحة الأجراء واستعمل عبارة “يجب على المشغل”، وذلك بصريح المادة 281 من مدونة الشغل التي تنص على ما يلي : ” يجب على المشغل، أن يسهر على نظافة أماكن الشغل، وأن يحرص على أن تتوفـر فيها شروط الوقاية الصحية، ومتطلبات السلامة اللازمة للحفاظ على صحة الأجراء…”، كما رتب المشرع جزاءا قانونيا للمشغل الذي لا يحترم هذا الالتزام و ذلك بصريح المادة 296 من مدونة الشغل التي تنص على ما يلي : ” يعاقب بغرامة من 2000 إلى 5000 درهم عما يلي : ..عدم التقيد بأحكام المادة 281″.

و السؤال المطروح هنا هو على من يقع عاتق إثبات تواجد أو عدم تواجد شروط حفظ صحة الأجراء و وسائل وقايتهم من عدوى فيروس كورونا ؟

الفرضية القائمة هنا هي أن الأجير امـتـنع عن القيام بشغله أو تغيب عن العمل، ومُبررهُ في كلتا الحالتين هو عدم تواجد أو نقص وسائل الوقاية داخل مـقـر العمل، وبعد ذلك توجه هذا الأجير لرفع دعوى قضائية في مواجهة مُشَغِلِهِ مُطالِبا بالتعويضات المنصوص عليها في مدونة الشغل والمترتبة عن الفصل من العمل، على أساس أن المشغل ارتكب خطأ جسيما متمثلا في عدم توفير وسائل الوقاية من عدوى الفيروس، و ذلك استنادا إلى مقتضيات المادة 40 من مدونة الشغل التي جاء فيها المشرع ببعض الأمثلة غير الحصرية من الأخطاء الجسيمة للمشغل لما استعمل عبارة : ” يُعَدُ من بين الأخطاء الجسيمة..”، و اعتبر “مغادرة الأجير لشغله بسبب أحد الأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف المشغل بمثابة فصل تعسفي”.

و طبعا في هذه الفرضية، يمكن الدفع أمام القضاء بمقتضيات الفقرة 2 من المادة 63 من مدونة الشغل التي تنص على ما يلي : ” يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول للفصل، كما يقع عليه عبء الإثبات عندما يدعي مغادرة الأجير لشغله”، بمعنى أن المشغل إذا أراد إثبات عدم ارتكابه لأي خطأ جسيم، فإنه سيكون مُلـزَما قانونا بإثبات توفيره لشروط حفظ السلامة و الوقاية من عدوى الفيروس، و ذلك بتوفير المعقمات الكحولية و الكمامات بشكل كافٍ، وكذلك تنظيم الشغل بشكل يضمن التباعد و مسافة الأمان بين الأجراء بالإضافة إلى تعقيم أمكنة الشغل عدة مرات في اليوم بشكل دوري.

أما في حالة عدم ثبوت قيام بهذه الإجراءات الحاجزية وعدم توفيره لوسائل التعقيم والوقاية داخل مـقـر العمل، فإن الأجـيـر المُتغيب أو الرافض لإنجاز الشغل في ظل انتفاء هذه الإجراءات والوسائل الوقائية، قـــد يكون في حُكم المفصول تعسفيا وبالتالي مُحِقاً في المطالبة بالتعويضات المترتبة عن إنهاء العلاقة الشغلية بشكل تعسفي.

التعليقات مغلقة.