نقطة نظام: ردا على الصحفي “ح.خ ” حول ما يقع بسوريا
رضا سكحال
كتب (الصحفي) “ح،خ” مقالا للرأي عنونه بـ ” أول ضحايا حكام الأنظمة العربية الفاسدة المستبدة تفاصيل ربيع عربي ثاني يبدأ من أرض الشام”. وهو في الحقيقة مقال يفتقد للرجاحة، وسطور تنم عن عدم إدراك صاحبها بالسياقات الدولية، بالإضافة إلى فهم محدود لحركة التاريخ، ولسوسيولوجيا الحركات الاجتماعية، ولفعل الاحتجاج نفسه، كمفهوم بدلالات تحتاج لمن يدخله إلى غرفة عمليات التحليل الدقيق، قصد تشريحه وربط جسوره، وهذه العملية لن تأتي أكلها إلا بإدراك صاحبها بالحقب الزمنية وأحداثها المتشعبة.
فهل يدرك (الزميل) ما خطته أنامله؟
وهل يعي جيدا ذلك الربط الذي اعتمده، معتبرا ما يحدث بأرض الشام ربيعا عربيا ثانيا؟
لقد حدق صاحب المقال في الأحداث بعين الصفر، ومن موقع الصفر، لذلك لا غابة، إن كان قلمه وقبلها عقله، يرى الغامض في الآتي، و الواضح في الذاهب…كما قال عريس الشام سابقا “المهدي عامل” في وصفه لفكر يغتال الحقيقة ويذبح أنصار الحياة بسكين الجهل والتخلف.
يصف صاحب المقال “متطرفي الشام” بالمعارضة السورية، وهو في الحقيقة شيء مؤسف، بل محزن للغاية، أن لا يعي الكاتب ما يقول، وأن يغيب عنه شيء مهم، يتجلى في كون الشرط الأساسي لتسمية المعارضة بالمعارضة، يمكن في توفر هذه الأخيرة على مشروع مجتمعي، وإجابات واقعية على كل التحديات، بعيدا عن الفكر المحدود، الذي لا يراوح مكانه، لعجزه عن الركض وعن التموقع.
يقول صاحبنا، ” انطلقت الشرارة الأولى يوم الأربعاء ، حيث قامت هيأة (تحرير الشام) ومتمردون تدعمهم تركيا ، وقد تمكن من خلالها الثوار السوريون من إبعاد القوات النظامية عن عشرات البلدات بدون اية مقاومة تذكر”.
لا بد أن يعلم القارئ أولا من هي “هيأة تحرير الشام؟
فهي جماعة متطرفة، شارك في الحرب الأهلية السورية، وساهمت في تمزيق الشام، وتفننت في تنفيذ أوامر أسياده من وراء البحار.
تشكلت هذه الهيأة في 28 من يناير من سنة 2017 ، وذلك بعد اندماج كل من جبهة فتح الشام (كانت تُعرف بجبهة النصرة سابقًا)، وجبهة أنصار الدين ثم جيش السنة ولواء الحق وكذا حركة نور الدين الزنكي.
ولعل القارئ يعلم جيدا من تكون جبهة النصرة، التي تعد من أهم مكونات هيأة تحرير الشام، فهي ممثلة “تنظيم القاعدة” الإرهابي بالشام، ولا داعي للشرح أكثر، فشرح الواضحات من المفضحات.
أصبح من البديهي الحديث عن ربيع عربي في أرض الشام، فالجميع يعرف أن ما حدث صب في إطار المؤامرة، -على الرغم من كوني لست من أنصارها، أي المؤامرة- مؤامرة تفتيت وتقسيم الشرق الأوسط.
وأي عاقل حين يعيد تركيب الأحداث، سيخرج بخلاصة مفادها، أن المعارضة الحقيقية لا تمارس فعل المعارضة من خارج الحدود، وأن المعارضة الحقيقية لا تذبح بلدها بسكين أمريكي أو أجنبي، ولا تطلق رصاصات دفعت الصهيونية ثمنها سابقا. وأن ما حدث يصب في إطار “شرق أوسط جديد”، فمن في مصلحته بروز شرق أوسط جديد بمعيار صهيو/أمريكي، دفعت أموال البيطرو/دولار تكاليفه الباهظة؟
رجوعا للماضي، وللقرن 18، حيث نقف عند حدث بارز وهام، يتجلى في الثورة الفرنسية التي ألهمت ثوار أوروبا، قادها الفرنسيين بنظرية مثلت البرجوازية مرجعيتها السياسية والفكرية، حيث لعبت دورا تقدميا -حينها وفي وقتها-…بفكر الأنوار والنهضة.
لم يكن ثوار فرنسا يقبضون راتبهم من إنجلترا أو من التاج الإسباني لإعادة تشكيل خارطة أوروبا السياسية، بل ساهموا في كتابة التاريخ من موقعهم الطبقي، وبأيديولوجيا واضحة، كانت تنصر النظام الرأسمالي وتنتصر له في مرحلة تشكله، وانتقاله من المرحلة التجارية إلى الصناعية.
لكن هنا الأمر مختلف للغاية، لقد تم إنشاء النصرة وداعش وباقي التنظيمات التكفيرية بقرار من مخابرات مجموعة من الدول التي أرادت سوريا منقسمة، والدولة اللبنانية جريحة، حتى تقطع أي إمدادات عن فصائل المقاومة بفلسطين. وحتى تنهك حزب الله، وتقص أجنحة النظام السوري، ويسهل عليهم تقليم الأظافر في أي وقت تريد.
أما مصر فقد عانت الأمرين، الأول حين خلقوا لها أزمة سد النهضة وهددوا شعبها بالعطش، والثانية حين استنزفوا قواتها العسكرية في صحراء سيناء.
فعن أي ربيع عربي يتحدث (ح.خ)؟
لا أعتقد أنه شاهد مقاطع الدواعش وهم يحرقون الناس أحياء بالشام؟
وأشك أنه تابع ما يصطلح عليها بالثورة السورية، وما فعلته في أبناء سوريا؟
وأجزم أنه لم يربط مطلقا بحدث عفوي انطلق من سيدي بوزيد، بشرارات اشتعلت بشكل منظم ومريب؟ واستهدفت دولا بعينها دون غيرها؟
يستطرد ذات الكاتب، “يذكر أن ما حققته المعارضة خلال ثلاثة أيام لم تحققه لسنوات من الشد والجذب والكفاح المسلح، وهذا الإنجاز غير المسبوق سيشجع الثوار على تحقيق المزيد من النتائج وإحكام سيطرتهم على نظام الأسد الذي جثم على صدور السوريين من عهد حافظ الأسد الأب”.
أود أن أوجه سؤالا عريضا لهذا الكاتب، ألم يثر فضولك، وأنت الصحفي، توقيت الهجوم على سوريا؟
ألم تربط توقيت انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان، بدخول التكفيريين لسوريا؟ في وقت دمرت فيه طائرات الاحتلال معابر الحدود بين لبنان وسوريا قبل دقائق من إعلان وقف إطلاق النار؟
أين كانت هذه (الفصائل المسلحة) حين كان الاحتلال يدك لبنان وسوريا قبل شهر من الآن؟
ولماذا لم توجه رصاصها نحو الاحتلال؟
ألم تستفز حواسك كل هذه الفرضيات؟ أم أن إحساس الشك عندك وعند الكثيرين مصاب بخلل؟
ينتقل الصحفي ح.خ من التحليل العشوائي، إلى التجني على الشعوب، والحديث باسمها، دون أن يقدم لنا بيانات حول هذا الموضوع، إذ يقول “الشعوب العربية طبعا استقبلت الخبر بفرحة عارمة، وتمنت استرجاع السوريين لكل أراضيهم، وعبرت عن سعادتها عبر منشورات وتعليقات احتضنتها المنصات الاجتماعية، إنه ربيع عربي جديد مسرحه الشام ارض الأبطال” .
عجيب كيف يصف الصحفي الإرهابيين بالأبطال؟ والغريب كيف يسمي الخريف ربيعا؟
والأغرب من كل هذا، كيف يخنق “صحفي” صوت الشك، ويقدم وجهة نظره حقيقة مثالية، دون أن يعطي لنا حق الاصطفاف؟
لكنه نسي وهو ينقل لنا خبر فرحة الشعوب العربية (بتحرير) الشام، أن ينتبه لما يكتب، يقول ذات الكاتب، “أما رد الفعل الإسرائيلي فقد مصدر أن بلاده مستعدة لكل السيناريوهات وانه من المبكر التعليق على هذه الأحداث، وإذا تطور الوضع فالجيش الإسرائيلي مستعد للتعامل مع أي محاولة لتهريب السلاح للبنان” .
أريد من القارئ أن ينتبه لجملة خطيرة، “الجيش الإسرائيلي مستعد للعامل مع أي محاولة لتهريب السلاح للبنان”.
أترك لكم حق التعليق والتأويل.
ويضيف الصحفي المذكور، مقدما عصارة بحثه الإنشائي، إن “الانتفاضة السورية الأخيرة ستقض مضجع اغلب الأنظمة العربية المستبدة، لكونها بمثابة ربيع عربي ثاني قد تنتقل عدواه لبلدانهم في حال نجاح الثوار السوريين في استحواذهم على العاصمة دمشق”.
أسف أن أقول لك، أن ما أسميتها بالانتفاضة السورية، لا يمكن لها أن تفعل شيء، لكونها نمر من ورق، ولأنها دمية يتم تحريكها حسب رغبة صانعيها، هكذا كانت وهكذا ستبقى. وسيتم شنق أخر تفكيري بأمعاء أخر متآمر على الشعوب الأبية، خدمة لأجندات الصهاينة ومن لف لفهم.
أسف أن أحطم أوهامك مجددا، وأخبرك أن الربيع الأول كان خريفا، والتاريخ لا يعيد نفسه مرتين…
التعليقات مغلقة.