يحتفل هذه الأيام بالذكرى الثانية لمؤتمرنا الرابع الذي عقد بمدينة الجديدة ، وهو احتفاء بعملية الإصلاح الحزبي الذي دشنه مع المؤتمر الأخير الذي أفرز قيادة مخضرمة بتصور سياسي جريء و أفق فكري مغاير، أعطى للفكرة السياسية التأسيسية “الأصالة والمعاصرة” نفسا جديدا، و فتح أمامها نضالات غرستها في ربوع المملكة و داخل مختلف أوساط المجتمع.
حزب الأصالة و المعاصرة كقوة سياسية ديمقراطية تحديثية، متمسكة بثوابت الأمة المغربية، ملتزمة بمقتضيات الدستور وتفعيل البعد الإنساني والحقوقي لنصوصه، تتطلع لتساهم في تنمية الوطن؛ نعتقد أن احتفالنا اليوم بإعادة تأسيس حزبنا هو مناسبة للتفكير الجدي العميق في منجزنا النضالي الذي حققناه بفضل كل المناضلات و المناضلين، قيادة و قواعد على مدى سنتين في المجهودات و التضحيات لنحقق جزء كبير من أهدافنا و رهاناتنا.
ذلك أننا فتحنا كل مستويات إصلاح حزبنا ابتداء من التصور السياسي و الفكري، و صولا إلى إنشاء إدارة حزبية عقلانية وإعلام حزبي مهني عصري، مرورا بالتنظيم الحزبي الداخلي وطنيا و جهويا و محليا, و بتبني خطاب سياسي جديد أدخلنا إلى ممارسة سياسية و مؤسساتية حزبية وانتخابية أكثر ديمقراطية في الدفاع عن القضايا الحقيقية للمجتمع في التنمية و التقدم.
أيتها المناضلات, أيها المناضلون:
لقد ظن بعض الملاحظون للشأن الحزبي المغربي أن إرادتنا في تصحيح مسار حزبنا و فتح كل أوراش إصلاحه في دينامية تنظيمية سياسية، هي ليست سوى تهور و ادعاء سوف ينتهي بالحزب إلى الانشقاق و الاندثار. إلا أن قوة وعينا جميعا بأهمية الوحدة في جدلية مع التصحيح التنظيمي و السياسي كانت هي الصخرة التي تكسرت أمامها كل التوقعات المتشائمة و أعطتنا موقعا هاما في المشهد الحزبي السياسي والمؤسساتي اليوم.
ما كدنا أن ننهي المسار التصحيحي لحزبنا الذي قرره مؤتمره الأخير حتى انتصبت أمامنا تحديات سياسية وطنية جاءت لتشكل لنا الامتحان الأول لمدى قدرتنا على استثمار المسار الجديد لوحدة حزبنا في ربح المواقع داخل المجتمع و المؤسسات الدستورية. لكن عزمكن و عزمكم كان في مستوى التحديات. لقد جاءت الاستحقاقات الانتخابية لتضع حزبنا أمام تحدي وطني لا خيار له فيه إلا الانتصار، و مرة أخرى أكدت وحدتنا الحزبية و ديناميته التصحيحية قوتها لمن يحتاج لتأكيد أن حزب الأصالة و المعاصرة عازم على أن يكون قوة سياسية ديمقراطية في خدمة الوطن. هكذا دخلنا الانتخابات بتغطية شاملة لكافة الدوائر المحلية و التشريعية، تعبر عن انغراسنا في تربة المجتمع, و تجذرنا في تاريخه, و قمنا بحملة ببرنامج تنموي طموح و بخطاب سياسي ديمقراطي و بأسلوب شعبي نظيف استقطب أنصارا و متعاطفين مع حزبنا, مما مكننا من احتلال مرتبة مشرفة في ثقة الناخب المغربي.
إن القيمة الديمقراطية التي يجب أن نعيشها اليوم, هي أننا استطعنا مراكمة سلسة من النجاحات التنظيمية و السياسية في ظرف وجيز من جهة, و مليء بالصراعات و النزاعات الحزبية و السياسية التي عرفتها الحياة السياسية المغربية من جهة أخرى. و لم تكن هذه النجاحات صدفة ولاهبة من أحد, بل هي ثمرة مجهودات جبارة لكل مناضلات و مناضلي حزبنا نساء و شباب و أطر و مقاولين و مثقفين. مجهودات جماعية غيرت وجه حزبنا و أعطتنا ليس فقط المرتبة الثانية في نتائج الانتخابات الأخيرة، بل كذلك و أساسا مكانة جد محترمة بين مختلف الفاعلين السياسيين بالمغرب. و داخل الرأي العام الوطني و الدولي. و هي المكانة التي أعلينا من شأنها عندما دخلنا لأول مرة الحكومة لاعتبار وزننا الحزبي السياسي الشعبي, و ليس لاعتبارات نخبوية سياسوية ظرفية. و الدليل على ذلك هو نوعية المسؤوليات التي نتحملها داخل القرار الحكومي بجدية ما لبثت تؤكد للرأي العام الوطني كفاءة نخبتنا الحزبية و وطنيتها الصادقة.
مناضلات و مناضلو حزب الأصالة و المعاصرة:
إن نجاح حزبنا في مساره التصحيحي و الديمقراطي هو أكثر من نجاح حزب و مناضلين, إنه مساهمة في نجاح الديمقراطية المغربية ككل و تقوية لها على مسار الوحدة الوطنية و التنمية الاقتصادية و التقدم الاجتماعي.
إن نجاحاتنا و المكتسبات التي حققناها في نضالنا الديمقراطي داخل المؤسسات و في أوساط المجتمع المدني، تؤكد بالملموس دقة اختيارات التأسيس، حيث بذرة “الأصالة والمعاصرة” نبتت ونمت وأينعت اليوم شجرة سياسية شامخة في الساحة الوطنية، جذروها ممتدة وسط فئات عريضة ومتنوعة من المجتمع المغربي الأصيل. لذلك أصبحت هذه النجاحات تحملنا مسؤولية تاريخية في المضي قدما لتكريس الأفق الديمقراطي الذي ساهمنا في فتحه إلى جانب حلفاءنا و أصدقائنا و المتعاطفين معنا. وصار واجب علينا أن نرعى و نغذي طموحنا الوطني في بناء وجه مشرق لمؤسساتنا الدستورية, و إسماع صوت أبناء مجتمعنا داخلها, والاجتهاد في تقديم حلول عملية للقضايا التي تطرحها حركية بلادنا نحو التقدم و الازدهار.
لهذا نحن جميعا مطالبين بالالتصاق أكثر بهموم المواطنات و المواطنين في البوادي و القرى و المدن, و أن نرهف السمع لمشاكلهم الحقيقية في مختلف مناحي حياتهم اليومية. و نشركهم في بناء الحلول الناجعة لمشاكلهم, و نلعب دورنا الدستوري في أن نكون في خدمة تأطيرهم حتى ننجز جميعا ما يطمح إليه جلالة الملك محمد السادس حفظه الله من تقدم و رقي لأمتنا المغربية.
إن المستقبل الذي نرتضيه لوطننا و لحزبنا يملي علينا أن نبقى على الدوام نجسد فكرة. و نعبر عن توجه. نجسد فكرة الديمقراطية المنبثقة من خصوصياتنا التاريخية كأمة و مؤسسات, وفية لوحدتنا تحت القيادة الحكيمة لملكيتنا الوطنية. أما توجهنا الذي سنظل نعبر عنه و نناضل من أجله فهو العمل السياسي الديمقراطي الذي يخدم قضايا الوطن في التنمية الاقتصادية و التقدم الاجتماعي إلى جانب كل القوى السياسية الحية المناصرة للتحديث و التطور المؤسساتي.
وطبعا في الختام لا يسعني إلا أن أذكر نفسي وإياكم، بأن هذه النجاحات ليست سوى نقطة مواتية لانطلاقة المعركة الكبرى، وهي إعادة بناء ذاتنا الحزبية التنظيمية بشكل ديمقراطي وقوي، كهدف أسمى ووعد قطعناه على أنفسنا جميعا خلال أشغال مؤتمرنا الأخير.
فتحية لكل مناضلات و مناضلي حزب الأصالة و المعاصرة, و لكل محبيه و المتعاطفين معه, في الذكرى الثانية لمؤتمره التصحيحي. وكل سنة و حزب الأصالة و المعاصرة في مستوى تطلعات مناضلاته ومناضلين وكل محبيه والمتعاطفين معه.
التعليقات مغلقة.