أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

رسالة من المستبد بالله، طاغية نجدان، إلى إكسيليوس، عظيم الفرنجة

عبد القادر وساط * ( أبو سلمى)

الحمد لله الواحد القهار، الذي نصرَنا في مواطنَ كثيرة على الكَفَرة الفَجَرة الأشرار، وبَعد

فقد بلغني أنك أمرتَ تَراجمتَك بنقل المعلقات السبع إلى لغة الفرنجة. وإني لأعجبُ كيف سولتْ لك نفسك القيامَ بهذا العمل المنكر، مع أن لغتكم الهجينة لا تتسع لأشعارنا، ولا تمتاز بتلك الموسيقى التي خصّنا بها الخالق، نحن أبناء الضاد، دون سائر العباد.

فأخبرني كيف واتتك الجرأة- أيها العلج الكافر- على ترجمة السبْع الطوال، وأنتَ من قوم أعاجم، ليست لهم بحور شعرية في سعة بحورنا، ولا ألفاظ في غنى ألفاظنا؟

لقد كان يكفيك- ما دمتَ تعرف نزرا يسيراً من لُغَتنا – أن تتأمل معلقة الملك الضليل، امرئ القيس، التي يقول في مطلعها:

قفَا نَبْكِ منْ ذكرى حبيبٍ ومنزل

بسِقْط اللِّوىٰ بين الدَّخُول فَحَوْمَلِ

وسوف تَرى عندئذ أن الشاعر قد خاطبَ الواحدَ بخطاب الاثنين، في قوله (قفَا نَبْك) وذلك جَرْياً على عادة من عادات العرَب، لا يمكن للفرنجة أن يفهموها.

واعلم – أيها المشرك الجاحد – أن الله سبحانه وتعالى قد ثَنّى في مخاطبة الواحد، فقال جل من قائل ( ألْقيا في جهنم كلَّ كفَّارٍ عَنيد )، علماً بأن الأمرَ موجه هنا لمالك، خازن النار، دون سواه.

فهلا أخبرتَني كيف سينقل تراجمتكم بيتَ امرئ القيس هذا إلى لغتكم الهجينة، وقد حرمكم الخالق من نعمة المثنى، لحكمة لا يعلمها إلا هو.

ثم أخبرني كيف يستطيع أولئك التراجمة العلوج أن ينقلوا إلى لغة الروم قولَ الملك الضليل في هذه المعلقة :

ألَا رُبَّ يومٍ لك منهنّ صالحٍ

ولا سيّما يومٌ بدارة جُلْجُلِ

هل يوجد في لغتكم افتتاح للكلام مثل (ألَا)؟ وهل عندكم حرفُ جر مثل (رُبّ)، يَدخلُ على النكرة، ويُفيدُ التقليل تارة والتكثير تارة أخرى؟

وهل في لغتكم مقابل خفيف لطيف، تستعذبه الأسماع، لقولنا نحن (لا سيما)؟

و أنّىٰ لآذانكم – وهي آذان غير موسيقية – أن تُحسَّ بالكَفّ الحاصل في مفاعيلن، في قول امرئ القيس ( ألا رُبَّ يوم لك منهنَّ صالحٍ) ؟

ثم تأمل معي حلاوة الترخيم في قوله ( أفاطمَ مهلاً بعض هذا التدلُّلِ). فالمقصود من قوله (أفاطمَ) هو (يا فاطمة)، ولكنه رخَّمَ فأسقطَ الهاء وترك الميمَ مفتوحة. ولو أنه قال (أفاطمُ) ،بضَمّ الميم، لجازَ له ذلك. ولشيخِنا الفرّاء الكوفي حديث طويل في هذا الباب، ليس بوسعكم أن تفهموه، لأنكم كفرة أعاجم، قد حرمكم الله نعمة الإعراب، فلا تستطيعون أن تتذَوقوا تلك المتعة الكامنة في نصب الأسماء أو جرها أو رفعها، حسب مواقعها في الجُمَل.

ثم انظر معي الآن – أيها العلج إكسيليوس – إلى قول الملك الضليل:

تَقُولُ وقدْ مالَ الغَبيطُ بنا معاً

عقرتَ بَعيري يا امرأ القيس فانْزلِ

وتأمل حلاوةَ واو الحال في قوله ( وقد مالَ)، ثم تأملْ طلاوةَ (قد)، بعد هذه الواو، علما بأن الماضي عندنا لا يَكُونُ حالاً إلا بِقَدْ. وهذه أشياء غير ممكنة في لغتكم الحقيرة.

ثم تمعنْ في لفظة (الغَبيط )، التي تَعني “الهودج “، حسب أبي عمرو الشيباني، أو قَتَب الهودج، حسب الأصمعي. واسأل تراجمتَك كيف سيجدون مقابلا لهذه الكلمة التي اجتمع فيها حرف الغين وحرف الطاء، مما أكسبها رنة موسيقية عجيبة.

وفي الختام، أقول لك : إذا جاءك كتابي هذا- أيها الرومي الأغلف – فاصرف النظر فورا عن هذه الترجمة، وإلا فسوف آتيك بجيوش لا قبَل لك بها، فإني – كما علمتَ- من الملوك الذين أرضعَتهم الحربُ بلبَانها، والذين يتصدون للخطوب في أوانها. وإياك أنْ تظن أن اجتماع حلفائك السقلاب والبلغار والغور سيثنيني عن عزمي. فإني كلما رأيتُ جحافل الأعداء مجتمعة عليّ، تمثلتُ بقول الفقيه العالم جارالله الزمخشري:

لا أبالي بجمعهمْ

كلَُّ جَمْعٍ مؤنَّثُ

والسلام على من اتبع الهدى.

—————————

(من كتابي: إتحاف الخلان بأخبار طاغية نجدان)

التعليقات مغلقة.