رقمنة الإدارة القضائية بالمغرب ـ واقع و افاق
بقلم: مراد علوي
إن التطور التكنولوجي الذي أصبح يعرفه العالم يحتم على الدول الانخراط في صلب هذا التطور لمواكبته، فالعالم أصبح قرية صغيرة بفعل هذا التطور التكنولوجي الهائل، وهو ما أصبح يعرف بعصر الرقمنة، الشيء الذي يحتم على جميع الدول السير على نهج تبني سياسة استراتيجية تعتمد على الرقمنة، لتسيير شؤونها على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية…، لكن ما يهمنا من خلال هذه الدراسة هو التركيز على المستوى القضائي المتعلق بقطاع العدالة.
المغرب يعلن إطلاق مشروع لرقمنة الإجراءات القضائية
المغرب بدوره انخرط في هذه السياسة وذلك بإعلانه مشروعا لرقمنة الإجراءات القضائية، فكما جاء على لسان وزير العدل خلال ندوة نظمت بمدينة طنجة حول ”الأساس التشريعي لرقمنة الإجراءات القضائية“، مبرزا أن الوزارة أعدت مسودة مشروع قانون ينظم ”رقمنة الإجراءات القضائية في المجالين الجنائي والمدني“.
وأوضح وزير العدل في هذا السياق، أن المشروع يهدف إلى تسهيل استعمال الأنظمة الرقمية في إجراءات التقاضي المدنية لإيداع مقالات الدعاوى والطلبات والطعون وجميع الإجراءات القضائية إلكترونيا أمام مختلف محاكم المملكة، بما فيها التبليغ الالكتروني.
وأبرز أن النص يشير إلى اعتماد نظام الأداء الإلكتروني كلما تعلق الأمر بتأدية رسم قضائي أو إجراء مالي، واعتماد الحسابات الإلكترونية المهنية، بالنسبة للمحامين والمفوضين القضائيين والخبراء للمساعدة على التواصل مع المحاكم، وكذلك اعتماد التوقيع الإلكتروني والعناوين الإلكترونية بالنسبة للإدارات العمومية وباقي الأشخاص الاعتبارية وتحديد الأثر القانوني للإجراءات.
وحسب وزير العدل فإن المشروع الجديد يهدف إلى استعمال الرقمنة في جميع مراحل الدعوى العمومية (بنفس الضمانات الممنوحة للأطراف خلال المحاكمات ذات الحضور المادي وبترتيب الأثر نفسه) ولاسيما مباشرة إجراءات البحث والتحري أو التحقيق وإمكانية عقد جلسات افتراضية، وإجراء المحاكمات عن بعد عبر تقنية المناظرة المرئية بموافقة المتهم، وتنظيم الاستماع عن بعد لأشخاص موجودين داخل المغرب أو خارجه لهم علاقة بالخصومة، تفعيلا لمضمون الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية، كآليات للتعاون القضائي في المادة المدنية والمادة الجنائية.
كما يضمن المشروع المعالجة المعلوماتية للمحاضر المنجزة في إطار إجراءات الدعوى المدنية والجنائية وتذييلها بالتوقيع الإلكتروني من طرف من خول له القانون القيام بذلك، فضلا على المعالجة المعلوماتية لبطاقات السجل العدلي وتذييلها بتوقيع إلكتروني.
وفي هذا الباب قال وزير العدل إن المشروع ”يجسد وبشكل فعال انخراط وزارة العدل في مجهودات الحكومة المغربية، الرامية لوضع الآليات التي ستحول الإدارة التقليدية القائمة على العمليات الورقية إلى ادارة تعتمد آليات تكنولوجيا المعلوميات ” في مجال تصريف العدالة بمختلف محاكم المملكة، عبر نظم معلوماتية خاصة بالقضايا المعروضة على المحاكم تعتمد رقمنة الإجراءات المتعلقة بتجهيز الملفات وتبادل وثائق ومذكرات الأطراف وتبليغ الطلبات والاستدعاءات والشهادات الإدارية والقضائية، والمقررات القضائية وتنظيم المحاكمة عن بعد، لضمان تحسين جودة الخدمات المقدمة بالشكل الذي يحقق السرعة والدقة والشفافية وتعزيز الثقة بين الإدارة والمرتفق.
واعتبر وزير العدل أن تنظيم هذه الندوة الدولية من طرف وزارة العدل يأتي لمواكبة ورش الإصلاح المفتوح من طرف الحكومة المغربية، لتنزيل مشروع ”التحول الرقمي للإدارة” من خلال توطيد أواصر التعاون وتبادل التجارب والممارسات الفضلى بين الدول في هذا المجال.
ومن جهة أخرى قال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، إن إرساء مقومات عدالة رقمية يضمن تقوية البنية التحتية للأنظمة المعلوماتية للمحاكم، ويوفر برامج آمنة متعلقة بإدارة المساطر والإجراءات القضائية، ويرفع من نجاعة الأداء القضائي بالمحاكم، ويعتبر إحدى ركائز الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة.
وأوضح أن الرقمنة من شأنها أن تساهم في تعزيز قيم النزاهة والشفافية، وتحسين مناخ المال والأعمال خاصة وأن المعايير والمؤشرات العالمية المعتمدة تؤكد على أهمية التوفر على نظام رقمي لتدبير القضايا والشكاوى، والاطلاع على الأحكام القضائية في هذا المجال كمدخل لتسريع وتيرة الاستثمارات.
الرقمنة القضائية بالمغرب انطلقت عام 2000 إلا انها لم تكن مخططا إجرائيا واضحا
انطلق مشروع رقمنة الإدارة القضائية بالمغرب منذ سنة 2000 في إطار برنامج الدعم المالي، لكن لم يكن مخططا إجرائيا واضحا، فقط كان هناك بعض التطبيقات المعلوماتية على مستوى المحاكم التجارية، وانتقلت بعد ذلك هذه البرمجيات الى باقي المحاكم الأخرى المشكلة للتنظيم القضائي المغربي.
ميثاق إصلاح منظومة العدالة لعام 2013 كان التأسيس لمرحلة التحول الرقمي
مع صدور ميثاق إصلاح منظومة العدالة سنة 2013 بدأت مرحلة جديدة في عملية التحول الرقمي، الذي هدفت من خلاله وزارة العدل بالمغرب إلى الوصول للمحكمة الرقمية، ولتقديم خدمات قضائية ذات جودة عالية لها تأثيرات مهمة على مرفق العدالة، تتمثل خصوصا في ترشيد الزمن القضائي وترسيخ مفهوم الشفافية، وصولا الى سنة 2020 سنة الإعلان عن المخطط التوجيهي للتحول الرقمي بمرفق العدالة الذي يتضمن أهداف استراتيجية محددة وتشخيصا دقيقا لواقع رقمنة منظومة العدالة.
مخطط التحول الرقمي لمنظومة العدالة إجراء كبير سيمكن من الاندماج في الثورة الرقمية
يعتبر مخطط التحول الرقمي لمنظومة العدالة بمثابة إجراء كبير سيمكن من الاندماج في الثورة الرقمية القائمة على أحدث وسائل الإعلام والتواصل من خلال اعتماد أربع مجالات أساسية : تسهيل الولوج إلى العدالة، تبسيط الإجراءات، التقاضي عن بعد وأخيرا نشر المعلومة القانونية والقضائية.
إذن هو ورش استراتيجي كبير يسعى لتحقيق عدالة ميسرة وفعالة ومتواصلة، ومرفق قضائي يكرس الحقوق الأساسية للمرتفقين، وكذا محكمة ذكية تستعمل التكنولوجيا الحديثة للرفع من جودة خدماتها، فهو ورش يجسد انخراط وزارة العدل في مجهودات السياسة العامة للدولة الرامية لوضع الآليات الضرورية التي ستحول الإدارة التقليدية القائمة على العمليات الورقية إلى إدارة تعتمد على آليات تكنولوجية تساهم في تدبير التقاضي بمختلف محاكم المملكة، وتقديم الخدمات القضائية للمرتفقين بشكل مستمر وبعدة صور.
كما يضم المخطط ستة برامج تتكون من 22 مشروعا، كلها تستهدف نزع الطابع المادي عن المساطر والإجراءات سواء تعلق الأمر بالمسطرة المدنية أو المسطرة الجنائية، ووضع منظومة رقمية للمواطنين لتتبع الملفات ولنشر المعلومة القانونية والقضائية.
ويتخذ المخطط من مرجعياته كل من الدستور والخطب الملكية السامية، بالإضافة الى الالتزامات الحكومية التي تضمنها البرنامج الحكومي 2016 _ 2021 فيما يتعلق بتحديث الإدارة القضائية، والتوصيات التي طرحها ميثاق إصلاح منظومة العدالة، وكذا المقتضيات الواردة بالخطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2018-2021 فيما يتعلق بتبسيط المساطر ورقمنتها وتجويد الخدمات العمومية.
فنتيجة للتحولات التكنولوجية التي عرفها العالم نتج عن ذلك مجموعة من النتائج كان من أبرزها ظهور ” العدالة الإلكترونية ” أو ما يسمى ” بالعدالة الرقمية ” بحيث أنه لم يكن مجال العدالة منعزلا أبدا عن التطورات التكنولوجية، إذ اتاحت هذه الأخيرة للمؤسسات القضائية والقانونية الاستفادة من هذه الطفرة عبر تسخير الثورة الرقمية لخدمة العدالة والقانون، وفي هذا الإطار تم تسطير مشروع المحكمة الرقمية، حيث سيخول ويصبح بإمكان المحامين القيام بجميع الإجراءات المتعلقة بتبادل الوثائق القضائية، وتسجيل المقاولات دونما حاجة الى التنقل الى المحاكم، وذلك بعد إحداث منصة رقمية لهذه الخاصية، على اعتبار أن التطور التكنولوجي يدعو لرقمنة الإجراءات القانونية والقضائية.
ومن خلال دراستنا لهذا الموضوع ارتأينا طرح الإشكالية الآتية:
ما هو دور الرقمنة في تحقيق النجاعة القضائية؟
ومن خلال الإشكالية السالفة الذكر سنعالج في هذه الدراسة دور الرقمنة في المساهمة في تحقيق النجاعة القضائية، بهدف تحقيق العدالة القضائية في ظل التطور التكنولوجي والثورة الرقمية التي يشهدها العالم؛ ولمعالجة هذا الموضوع سنجيب عن هذه الإشكالية وفق التصميم الآتي:
المطلب الأول: المحكمة الرقمية ودورها في تحقيق النجاعة القضائية
المطلب الثاني: التحديات التي تواجه رقمنة الإجراءات القانونية والقضائية
المطلب الأول: المحكمة الرقمية ودورها في تحقيق النجاعة القضائية
إن النهوض بالإدارة القضائية وتحديثها شكل ولا يزال خيارا استراتيجيا في برنامج وزارة العدل، وذلك استجابة لأوامر جلالة الملك الذي يولي أهمية كبيرة لقطاع العدل، بدءا من خطابه في افتتاح دورة المجلس الأعلى للقضاء بالرباط بفاتح مارس سنة 2002، حيث عبر عن إرادته في إصلاح القضاء بقوله: ”بإلزامية التعبئة الكاملة والقوية للقضاة ولكل الفاعلين في مجال العدالة للمضي قدما بإصلاح القضاء نحو وجهته الصحيحة، وإنهاء زمن العرقلة والتخاذل والتردد والانتظار“.
ولم تقف إرادة إصلاح القضاء عبر هذا الخطاب وإنما تعززت عبر العديد من الخطب الملكية فيما بعد، فإرادة إصلاح القضاء حظي بأولوية عبر مختلف المحطات الكبرى، وتتويجا لهذه الإرادة فقد جاء الميثاق بأهداف كبرى لإصلاح هذا القطاع بالمغرب.
ونجد من أبرز هذه الأهداف هو تحديث القضاء والرفع من جودته، من أجل تحقيق المكانة الشاملة لإدارة القضايا، وكان مقررا الوصول إلى غاية حددت كهدف سيتم بلوغه في سنة 2021، كان مقررا كأجل أقصى لتحقيق اللاتجسيد المادي للمساطر والإجراءات أمام المحاكم، والحد من استعمال السجلات الورقية لتجاوز مرحلة ازدواجية العمل اليدوي.
ونظرا لما شهده العالم من تحولات تكنولوجية نتج عن ذلك مجموعة من النتائج كان أبرزها ظهور ”العدالة الالكترونية” أو ما يسمى ”بالعدالة الرقمية” بحيث أنه لم يكن مجال العدالة منعزلا أبدا عن التطورات التكنولوجية، إذ أتاحت هذه الأخيرة للمؤسسات القضائية والقانونية الاستفادة من هذه الطفرة عبر تسخير الثورة الرقمية لخدمة العدالة والقانون.
فالتطور التكنولوجي والثورة التكنولوجية التي أصبح يعرفها العالم، يدعوان لقيام المحكمة الرقمية، باعتبارها هيئة حديثة ستساهم في تحسين عملية التقاضي من جهة، ولتحقيق النجاعة القضائية من جهة أخرى.
الفقرة الأولى: مفهوم المحكمة الرقمية
إن المحكمة الرقمية لها في تصور القانون المقارن تعريفان، الأول وهو تعريف خاص يعتبر المحاكم الرقمية محاكم نوعية تختص بالجرائم الرقمية digital crimes والتي الأصل فيها هو الحاسب الآلي (الكومبيوتر) ثم شبكة الإنترنت الدولية والشبكات الأخرى، كما يشمل الاختصاص نواتج الأجهزة الرقمية.
جرائم إلكترونية ضد الأفراد:
وهي الجرائم التي يتم الوصول فيها إلى الهوية الإلكترونية للأفراد بطرق غير مشروعة.
جرائم إلكترونية ضد الحكومات:
وهي جرائم تهاجم المواقع الرسمية للحكومات وأنظمة شبكاتها، وتركز على تدمير البنى التحتية لهذه المواقع أو الأنظمة الشبكية بشكل كامل.
الإرهاب الإلكتروني:
وهي اختراقات للأنظمة الأمنية الحيوية على مواقع الأنترنيت.
جرائم الابتزاز الإلكتروني:
وهي أن يتعرض نظام حاسوبي أو موقع الكتروني لهجمات حرمان من خدمات معينة، حيث يشن هذه الهجمات ويكررها قراصنة محترفون بهدف تحصيل مقابل مادي لوقف هذه الهجمات.
جرائم التشهير:
وهي تلك الجرائم التي يكون هدفها تشويه سمعة الأفراد.
بالإضافة إلى الوصول للمواقع المشفرة والمحجوبة، ثم جرائم السب والشتم، وكذلك المطاردة الإلكترونية.
وهناك تعريف عام يعتبر المحاكم الرقمية محاكم تفض منازعاتها في إطار جلسات يباشر خلالها القضاة النظر في الدعاوى والفصل فيها، بواسطة مجموعة من التقنيات المعلوماتية ووفق تشريعات تخول لهم ذلك.
أولا: خصائص المحكمة الرقمية
استنادا إلى التعاريف السالفة الذكر، نجد أن المحكمة الرقمية تتسم بالخصائص الآتية:
محكمة بلا أوراق:
حيث أنها إدارة تعتمد على الحاسب الآلي بشكل أساسي ولا تعتمد على الأوراق إلا بشكل ثانوي.
محكمة بلا مكان:
بحيث أنها تعتمد على وسائل الاتصال الحديثة كالأنترنيت، فالمسؤول الإداري يستطيع أن يتخذ القرار من أي مكان في العالم، وليس مرهونا بالمقر المرفق العام.
محكمة بلا زمان:
بحيث الإدارة الإلكترونية لا تلزم بأوقات العمل الرسمي فهي تعمل 365 يوما في السنة، و7 أيام في الأسبوع، و24 ساعة في اليوم.
محكمة بلا تنظيمات جامدة:
فبفضل الإدارة الإلكترونية صار بإمكاننا الحديث عن تنظيمات ذكية، تتسم بالمرونة وقابلة لأن تواكب جميع التغيرات الطارئة.
ثانيا: مقومات الإدارة الإلكترونية
وتتجلى في العديد من الأسس القانونية والمادية والبشرية أهمها:
الإطار التشريعي المنظم لها:
ذلك أن الحديث عن الإدارة الإلكترونية لا يستقيم دون توفر الدولة على مجموعة من التشريعات التي تنظم مختلف العمليات المرتبطة بالإدارة الإلكترونية.
الموارد البشرية المؤهلة:
ذلك أن ثورة المعلومات والاتصال والتوسع في استخدام الحاسب الآلي فرض على الموظف أن يتوفر على حد أدنى من المعرفة في مجال المعلوميات لكي يكون فاعلا في منظومة الإدارة الإلكترونية، لذلك فإن الإدارة الإلكترونية تستوجب التوفر على موظفين متخصصين في هذا المجال.
المجتمع المعلوماتي:
تعتبر قدرة المجتمع على التفاعل مع الثورة المعلوماتية ومدى قدرته على استخدامها بشكل سليم وأساسي لنجاح مشروع الإدارة الإلكترونية.
التوفر على بنية تحتية معلوماتية:
إذ لا يمكن تصور الإدارة الإلكترونية بدون بنية تحتية لازمة، ويدخل هذا الأمر في إطار توفر الوسائل المادية اللازمة لاشتغال الإدارة الإلكترونية، وتتمثل هذه البنية في الحواسيب والهواتف وشبكات الاتصال والأقمار الصناعية…، لتحقيق المكانة الشاملة لإدارة القضايا من أجل تحديث القضاء والرفع من جودته، وتحقيق اللاتجسيد المادي للمساطر وللإجراءات أمام المحاكم، والحد من استعمال السجلات الورقية، وتجاوز مرحلة ازدواجية العمل اليدوي، كما توفر الإدارة الإلكترونية سرعة البت في الدعاوى من جهة وتوفير الجهد والمال على المتقاضين ومحاميهم من جهة أخرى.
لتكريس العدالة في خدمة المواطن نجدها تقدم مجموعة من الخدمات الالكترونية سنذكر منها الآتي :
تندرج بوابة الخدمات الإدارية والقضائية عبر الضبط ضمن الدعامات الأساسية التي تعتمدها وزارة العدل من أجل تفعيل استراتيجياتها المتعلقة بتحديث الإدارة القضائية عبر اللاتجسيد المادي للمساطر والإجراءات القضائية، وتمكن هذه البوابة من القيام بالطلبات عن بعد من أجل الحصول على مجموعة من الوثائق المتعلقة بالدعاوى القضائية والملفات الرائجة لدى جل محاكم المملكة.
تطبيق E -JUSTIC للهواتف الذكية:
أعدت الوزارة تطبيقا خاصا بالخدمات القضائية الإلكترونية e_justice Mobile كتصور جديد يروم تقريب المعلومة القضائية من المواطنين والمرتفقين وتيسير الولوج إليها، ويوفر هذا التطبيق المعلوماتي الجديد العديد من الوظائف التقنية والامكانيات التي تتيح الاستفادة من مجموعة من الخدمات القضائية المتوفرة على مدار 24 ساعة وطيلة أيام الأسبوع، كما تمكن من الحصول على المعطيات بشكل آني ووفق آخر التحيينات بمختلف الأنظمة المعلوماتية لوزارة العدل.
الخدمات التي يوفرها التطبيق المعلوماتي e-justice Mobile:
أولا: خدمة تتبع القضايا:
حيث تمكن هذه الخدمة من الاطلاع على معلومات ولائحة الإجراءات المتخذة في الملفات المدنية والزجرية على مستوى المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، والملفات الإدارية، ومحاكم الاستئناف الإدارية، والملفات التجارية على مستوى المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية.
ثانيا: خدمة الإطلاع على مآل طلبات السجل العدلي:
حيث تمكن هذه الخدمة من التتبع من أجل معالجة طلبات السجل العدلي التي تم وضعها عبر الأنترنيت.
ثالثا: خدمة الإطلاع على لائحة الإعلانات القضائية:
حيث تمكن هذه الخدمة من تصفح مختلف الإعلانات الخاصة بالبيوع العقارية والمنقولة المعلن عنها بمختلف محاكم المملكة دون الحاجة الى التنقل إلى المحاكم.
رابعا: خدمة السجل التجاري:
حيث توفر هذه الخدمة من جهة إمكانية معرفة الوثائق اللازمة لإنشاء المقاولات والمراجع القانونية المنظمة لذلك، ومن جهة ثانية توفر إمكانية البحث والتقصي حول الوجود القانوني للمقاولات المسجلة بالسجل التجاري، سواء بأشخاص ذاتيين أو معنويين.
خامسا: خدمة الخريطة القضائية:
حيث تمكن هذه الخدمة من معرفة المحكمة المختصة مكانيا للبت في النزاع بحسب نوع القضية، انطلاقا من مؤشر الجماعة المحلية، كما يوفر التطبيق معلومات الاتصال بمختلف محاكم المملكة، واحداثيات الموقع الجغرافي الخاص بها عبر نظام الخرائط الذكية.
بوابة المحاكم:
استمرارا في مسار التجسيد اللامادي للمساطر والإجراءات القضائية، وتبسيط الاجراءات الادارية مع تمكين العموم من خدمات الكترونية عن بعد عبر الخط، كخيار استراتيجي لوزارة العدل في تحديث الإدارة القضائية تنضاف بوابة الخدمات الالكترونية للمحاكم المغربية تمكن هذه البوابة من:
الاطلاع على الخريطة القضائية لمحاكم المملكة مع خارطة جغرافية لموقع المحكمة وروابط الاتصال بها، وتتبع الملفات والقضايا بالبحث عن ملف والاطلاع على جداول الجلسات اليومية متضمنة مآل الملفات، وكذا تحميل نماذج طلبات ومقالات متنوعة، وكذلك البحث في الإعلانات القانونية والقضائية والإدارية بمعايير متنوعة، بالاضافة للشباك الإلكتروني للسجل العدلي، هذه الخدمة تسمح بطلب السجل العدلي عن طريق الأنترنيت، وبالإضافة للسجل التجاري وهذه الخدمة تسمح بطلب وتتبع السجل التجاري، ثم مركز تتبع وتحليل الشكايات.
ونستشف مما سبق ذكره أن هذه التطبيقات تعتريها ايجابيات وسلبيات عديدة، فمن أهم الإيجابيات نجد: تجويد الخدمات القضائية وتسهيل الولوج للمعلومة القضائية ثم تسريع وحوسبة الإجراءات، كما أنها تساهم في توفير الجهد والمال والاستغناء عن السجلات الورقية التي كانت تعتمد أساليب تخزين وبحث تقليدية تثقل كاهل المحكمة والموظفين، كما أنها تساهم أيضا في المساهمة في المراقبة والمحاسبة والتدقيق.
أما فيما يتعلق بالسلبيات فنجد: بطئ على مستوى التطوير والتجويد، كما أنها لا تدعم العمل عن بعد للموظفين ولا تغطي جميع الإجراءات…
ولعل من سبل تطويرها يمكن إشراك خلايا المعلوميات والموظفين وتطوير تجويدها، ثم يمكن إضافة الأداء الالكتروني وطرق التبليغ الالكتروني، إضافة إلى تبني التطبيقات المتطورة محليا من طرف المحاكم.
الفقرة الثانية : التقاضي الالكتروني عبر المحكمة الرقمية
انطلاقا مما صاحب التحولات التي شهدتها المنظومة القضائية ببلادنا التي أسفرت عن بروز المحكمة الرقمية وعملية التقاضي الإلكتروني في تنفيذ مبدأ ” القضاء في خدمة المواطن” الذي نودي به في افتتاح الدورة الأولى للبرلمان بتاريخ 8 أكتوبر 2010.
نجد أن اصلاح القضاء حظي بأولوية شاملة، وذلك بغية تسهيل عملية التقاضي انطلاقا من تحقيق اللاتجسيد المادي للمساطر والإجراءات أمام المحاكم، والحد من استعمال السجلات الورقية لما قد تسببه من ضياع للقضايا وتجاوز مرحلة ازدواج العمل اليدوي، والتقاضي الإلكتروني يقوم على سلطة مجموعة متخصصة من القضاة، ينظرون في الدعوى ويباشرون الإجراءات القضائية بوسائل الكترونية مستحدثة، ضمن نظام او أنظمة قضائية معلوماتية متكاملة للأطراف والوسائل، تعتمد منهج تقنية شبكة الربط الدولية (الأنترنت) وبرامج الملفات الالكترونية، وبالنظر في الدعاوى والفصل فيها، وتنظيم الأحكام بغية الوصول لفصل سريع في الدعاوى وتسهيل عملية التقاضي على المتقاضي.
ومن خطوات التقاضي الالكتروني عبر المحكمة الرقمية نجد:
أول إجراءات التقاضي التي تمر بها الدعوى القضائية هو التسجيل في السجلات الرسمية للمحكمة المختصة بعد دفع الرسوم القضائية وتسجيل الدعوى القضائية الإلكترونية، يكون من خلال موقع على شبكة الإنترنت يحمل عنوان معين، يستطيع من خلاله المحامون والخصوم الدخول الى النظام وتسجيل الدعاوى القضائية، وتسليم الوثائق والمستندات ودفع الرسوم القضائية، حيث يقوم كل من المدعي بإعداد عريضة الدعوى، والمدعى عليه بإعداد لائحته الجوابية على الدعوى القضائية على قرصين مدمجين (CD) يملكان السعة ذاتها، ثم تدخل بيانات هذين القرصين للبرنامج الحاسوبي، علما أن لوائح الدعوى التي يتم إرسالها ليست لوائح مطبوعة أو ورقية وإنما لوائح عالية التقنية، ثم يقوم المدعي بتوكيل محام للدفاع عنه بشكل الكتروني عن طريق الربط الإلكتروني مع مديرية الأحوال المدنية المختصة في نطاق مشروع الحكومة الالكترونية، فيطلب منه إدخال رقمه (الكود) الذي يحصل عليه من نقابة المحامين، وذلك من خلال تفعيل قانون التوقيع الإلكتروني والحكومة الإلكترونية، وبعدها يقوم الحاسوب الرقمي بالتحقيق من صحة البيانات والتأكد من هوية مستخدم الموقع ويسمح له بالدخول، ويفتح له قائمة لاختيار المحكمة المختصة مدنية كانت أو زجرية.
ويرفق المحامي بعريضة الدعوى الموقعة الالكترونية بريده الالكتروني أو رقم هاتفه المحمول لمراسلته الكترونيا، وبعد التأكد من كافة المستندات والوثائق المرفقة، وتسديد رسوم الدعوى عن طريق النقود الالكترونية أو وسائل السداد المعتمدة، (ماستر كارد، أو فيزا كارد) أو تحويل بنكي يتم تحويله كمحرر الكتروني بالمحكمة المختصة.
هذا وأن خيارات الدفع الإلكتروني للرسوم القضائية كثيرة ومتنوعة، وإذا لم تدفع للرسوم أو كانت الرسوم ناقصة يشعر كل من يريد فتح ملف الدعوى بأن هناك خللا يتعلق بقيمة الرسم، وبعد اتمام تسجيل عريضة الدعوى القضائية إلكترونيا، ودفع الرسوم القضائية عنها.
مرحلة التبليغات القضائية
بعد المرحلة الأولى نصل إلى مرحلة إجراء التبليغات القضائية، وتحتل هذه المرحلة أهمية بالغة الخطورة في العمل القضائي، لأنه إذا لم يتم التبليغ بصورة صحيحة يتعذر إجراء المرافعة، مما يؤدي الى عدم حسم الدعوى، علما أن الطريقة التقليدية للتبليغ هي الأصل.
وهي أكثر الطرق انتشارا في الأنظمة القضائية، إلا أنه وبالتقاضي عن بعد يتم التبليغ بالطريقة الالكترونية وهي اعتماد وسائل جديدة وحديثة للتبليغ (كالتبليغ بواسطة البريد الإلكتروني…).
تجدر الإشارة إلى أن التبليغ بهذه الوسائل لا يحل محل التبليغ بالطريقة التقليدية.
التقاضي عن بعد كيفيته وطرق إجرائة بالنسبة للمتقاضين والوكلاء
فالتقاضي عن بعد يوفر مدخلا ومستوعبا ورابطا شبكيا بينهما فالمدخل هو الصفحة الرئيسية لموقع النظام على الأنترنيت، يستطيع الخصوم ووكلائهم وبقية الأشخاص الدخول إليه وتحديد نوع الخدمة أو الإجراء المراد تنفيذه.
والمستوعب هو وحدات من الأجهزة الإدارية والقضائية التي تستقبل المراجعين وبرامج حاسوبية تقوم بعملية التوثيق التقني لكل إجراء والربط الشبكي بينهما، هو وسيلة التواصل والدخول من صفحات ضمن موقع الكتروني على خط شبكي عالمي الى خط شبكي حاسوبي مقيد به له أنظمة حاسوبية معروفة، تعتبر جدرانا مانعا من دخول القراصنة والمتطفلين لقواعد البيانات الداخلية الخاصة بالدعاوى، وعليه فلا يشترط الحضور الشخصي للخصوم الى مكان المحكمة، بحيث يستطيع الخصوم الدخول للمحكمة الالكترونية من أي مكان فيه جهاز حاسوب، متصل بشبكة الانترنت بواسطة موقع التقاضي عن بعد، يستطيع المدعي الحصول على المعلومات المتعلقة بالنظام وبكيفية تسجيل الدعاوى وبالدخول الى الموقع والاتصال بالموظفين والتحدث معهم، لمعرفة تفاصيل النظام، وكيفية إقامة الدعاوى القضائية واثبات ما يدعيه المدعي، وبعدها يستطيع الحضور والمثول بواسطة الموقع بالدخول إلى صفحة القاضي وقاعة المحكمة، ليقوم بكتابة المواقع الالكترونية بالتأكيد من صفحته وإدخاله لقاعة المحكمة ليتمكن القاضي من مباشرة الإجراءات القضائية، وكذلك الأمر بالنسبة للمدعى عليه الحاضر، ويتم توثيق هذا الحضور تقنيا.
أما بالنسبة للوكلاء بالخصومة أي المحامون فيستطيعون تمثيل الخصوم من مكاتبهم دون حاجة للحضور الشخصي إلى المحكمة في مواعيد الجلسات، ويمكنهم تجهيز وتصميم ملفات الكترونية تتضمن عريضة الدعوى والبيانات والوثائق المطلوبة، وإرسالها الى وحدة تسجيل الدعاوى القضائية، وفي حالة طلب أصل الوثائق والأدلة المقدمة في الدعوى، يستطيع المحامي تأمين إرسالها إما بالحضور الشخصي الى المحكمة أو إرسالها بواسطة بريد النظام الذي يعتبر جزءا من وحدة التبليغات الالكترونية.
فما هي إذن أهم التحديات التي تواجه رقمنة الإجراءات القانونية والقضائية؟
المطلب الثاني: التحديات التي تواجه رقمنة الإجراءات القانونية والقضائية
من المعلوم أن اعتماد الرقمنة في العدالة أصبح أمرا ملحا لما له من أثر بالغ على تحقيق الحكامة القضائية لتلبية رغبة المتقاضين وتشجيع الاستثمار، بحيث أصبح تقديم خدمة مرفق غير متوقف عند تلبية رغبة المرافق فقط، بل الى مدى جودة الخدمة والسرعة المقدمة بها تلك الخدمة.
غير أن عملية الانتقال من الادارة التقليدية الى الادارة الرقمية القضائية أضحى مطلبا ضروريا، إن هي أرادت أن تستجيب بفاعلية لحاجيات مجتمع اليوم والغد، فإن الظروف المحيطة بعملية الانتقال الى عدالة رقمية غير مطمئن عليها لبلوغ الأهداف المتوخاة، لأن عملية الانتقال ليس بالأمر الهين، لما يشوب ذلك من معيقات بحيث يتطلب العديد من المراحل التي من شأنها أن تؤدي إلى إدماج وإشراك المجتمع بشكل كلي في عملية التحول، بحيث يتأقلم معها ويتطور بتطورها، على عكس ما يحدث عند تطبيق نظام جديد دفعة واحدة، مما يؤدي الى رفضه بالمرة أو عدم استيعابه كما هو الشأن بالنسبة لتطبيق نظام قضائي رقمي.
فعلى الرغم من قيام وزارة العدل بمجموعة من المجهودات تنفيذا للخطابات الملكية التي ترمي إلى عصرنة الجهاز القضائي، وجعله في صلب موضوع الاستراتيجية الحكومية، إلا أن هذه المجهودات لم تبلغ المستوى المطلوب، أي لم تتجاوب مع متغيرات العالم بفعل مجموعة من المعيقات الأمر الذي يدفعنا إلى الحديث من خلال هذا المطلب عن الإكراهات الذاتية (الفقرة الأولى)، في حين سنتحدث عن الإكراهات الموضوعية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الإكراهات الذاتية للرقمنة
من أهم هذه الإكراهات الذاتية التي تقف حجر عثرة أمام تنفيذ مشاريع التحديث والتحول المرتكزة على تحديث قطاع العدالة بوسائل التكنولوجية والإعلام، تكمن في غياب استراتيحية واضحة على تبني الرقمنة، والميزانيات المرصودة لتنزيل المشروع، وفي الأخير غياب مدونة كفيلة بالعمل، وتتجلى هذه الإكراهات في ثلاث، منها ما يتعلق بـ الإكراهات المرتبطة بالاستراتيجية الرقمية، واكراهات مرتبطة بالميزانيات المرصودة، وإكراهات أخرى مرتبطة بالتشريع.
أولا: الاكراهات المرتبطة بالاستراتيجية الرقمية
تعتبر استراتيجية تبني الرقمنة بمثابة الخيط الناظم من أجل البلوغ الى عدالة رقمية، فقبل ذلك سنحاول الوقوف على استراتيجية الحكومة عامة، بحيث أن هذه الأخيرة تبنت أول استراتيجية منذ بداية القرن الواحد والعشرين وتتمثل في الاستراتيجية الوطنية e-Maroc في صيغتها الأولى سنة 2001، مرورا باستراتيجية المغرب الرقمي 2009-2013 لسنة 2008 وصولا الى استراتيجية المغرب الرقمي في 2020 لسنة 2016، التي تلتها الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2018-2021 بحيث يسعى هذا المخطط الى تسهيل عملية التحول عبر اعتماد الأدوات التكنولوجية الحديثة من أجل توفير خدمات عالية ومتعددة القنوات وتحسين تطلعات المرتفقين.
إن وزارة العدل اعتبرت أن تحديث الإدارة القضائية خيارا استراتيجيا في برنامج الوزارة، من أجل تحقيق المكننة الشاملة لإدارة القضايا، للوصول لغاية وهي كما كان مقررا تحديد سنة 2020 كأجل أقصى لتحقيق التجسيد اللامادي للمساطر والإجراءات أمام المحاكم، والحد من استعمال السجلات الورقية وتجاوز مرحلة ازدواجية العمل اليدوي والعمل ، بحيث تم التنصيص على ذلك في ميثاق إصلاح منظومة العدالة بمقتضى التوصيات رقم 187 و188 و189 و190 وحدد أجل تنفيذها ما بين 2013 و2020، الشيء الذي دفع الى التفكير بإصدار مخطط توجيهي للتحول الرقمي للعدالة في المغرب بتاريخ يونيو 2020، كمخطط له أهداف واضحة المعالم من خلال قراءة أجزائه الذي حاول تشخيص واقع ظروف تبني الرقمنة في العدالة.
عموما فإن تنزيل استراتيجية الرقمنة في العدالة لا تتوقف على التنظير فقط، وإنما التقعيد على مستوى الواقع من خلال رصد ميزانية، والتي تعد الجزء الأهم في إنجاح أي استراتيجية كانت، وبالتالي فإن الميزانية المرصودة لتقعيد المخطط تبقى هي الأخرى من بين الإكراهات التي تساهم في عدم انجاح مخطط الرقمنة.
ثانيا: الاكراهات المرتبطة بالميزانية المرصودة:
يعد توفير الاستثمارات المالية من أحد أهم التحديات التي تواجه الإدارة القضائية، إذا تعتمد هذه الأخيرة بجميع مكوناتها على توفير الميزانيات المطلوبة لتوفير المشاريع التي تساهم في إرساء التحول الرقمي.
بحيث يعتبر الجانب المالي من أهم الإكراهات التي تحول دون اعتماد الوسائل التكنولوجية على صعيد محاكم المملكة، لكن ومع ذلك تبقى هناك ميزانيات ومجهودات الوزارة المعنية بتخصيص ميزانيات مهمة، إلا أنها لا تكفي بحيث أن تعميم التكنولوجيا لا يكمن في اقتناء المعدات فقط، بل لابد من تأسيس بنايات تستوعب هذه التجهيزات.
عموما إن الميزانية المرصودة لا تشكل إلا جزءا وإن كان مهم، وتعتبر من الإكراهات التي تحول دون التنزيل الشامل لمخطط الرقمنة، ونقصد هنا رقمنة العدالة، بالإضافة لمجموعة من الإكراهات المرتبطة بالجانب التشريعي.
ثالثا: الاكراهات المرتبطة بالتشريع
ويعتبر التشريع من اللبنات الأساسية للعمل بالرقمنة، بحيث لا يمكن العمل بدون شرعنة الأسلوب، ثم في غياب نصوص جديدة تسهل العمل بالرقمنة لتجاوز التعقيدات وتشتت المساطر يبقى حائلا بين استخدام أساليب من شأنها أن تساهم في فشل تبني الرقمنة على مستوى التبليغ وأداء الرسوم القضائية ..إلخ.
إذ ما زالت المحاكم تعمل بظهائر ملكية تعود لسنة 1962 المتعلق بمجموعة القانون الجنائي، وكذا لسنة 1974 المتعلق بقانون المسطرة المدنية …، بحيث لا يمكن العمل بالرقمنة في ظل هذا التشتت والتعقيد، غير أن الأمر قيد الدراسة بحيث تم ترميم وإصلاح القوانين المنظمة للمحاكم، خصوصا القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، وهو الأمر كذلك بالنسبة للقوانين الأخرى في انتظار خروجها حيز التنفيذ، من أجل تجاوز مشكل التشتت على مستوى النصوص القانونية لما فيه هدر للوقت والجهد في البحث عن المسطرة من أجل سلوكها لرفع الدعوى والنصوص المعتمدة بشأنها.
أما على المستوى الأمني نجد أن الإدارة القضائية تعمل من خلال قضايا المرتفقين بتدبير مجموعة من المعطيات الشخصية المتعلقة بهم، كما هو منصوص عليه في مقتضيات المادة 23 من القانون 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.
وفي إطار الحماية الجنائية أصدر المشرع المغربي عدة قوانين منها القانون رقم 07.03 المتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، ثم القانون الجديد المتعلق بالأمن السبيراني رقم 05.20 من أجل حماية نظام الأمن المعلوماتي.
وبناء عليه، فإن هاجس الأمن المعلوماتي لا زال هو الآخر لم يصل للهدف المنشود لتبني الرقمنة، من أجل تشجيع المتقاضين للتعامل مع النظم المعلوماتية.
الفقرة الثانية: الإكراهات الموضوعية للرقمنة
إن إنجاح مشروع رقمنة العدالة تتظافر من خلاله مجموعة من العوامل، وبالتالي فإنه غير رهين بالميزانية المرصودة لاقتناء التجهيزات المعلوماتية وكذا إدارته، فكثير من المشاريع تم تطويرها لكن لم يتم استغلالها، وهذا يعود الى عدم وجود رغبة من قبل المستخدمين للتغيير التكنولوجي أو تخوفهم من عواقب هذا الاستخدام في ظل نقص على مستوى الضمانات القانونية لتبني الرقمنة.
أولا: الإكراهات المتعلقة بالموارد البشرية
تعد الموارد البشرية المؤهلة من أبرز العناصر التي تقود الادارة القضائية الى تحقيق التقدم والرقي في مختلف المجالات، فخلف كل صدارة متقدمة يقف اداريون ذوي بصر ثاقب وكفاءة عالية، ويشكل تأهيل الموارد البشرية وتطور أساليب تدبيرها الصدارة في برامج الإصلاح الإداري، ومن شأن تأهيلها توفير فرص حقيقية لتحسين أداء المرافق العمومية، ومن تم فإن إنجاز هذا البرامج ونجاحه يتوقفان إلى حد كبير على التعبئة الشاملة لكافة أطر الدولة والموظفين وانخراطهم في مسلسل الإصلاح.
بحيث يعد العنصر البشري دعامة أساسية في الإصلاح وتحديث المحاكم، وبالتالي لا يمكن إنجاح المشروع الرقمي للعدالة بالشكل المطلوب، بحيث إن تطبيق مشروع الرقمنة يجب أن يسهر عليها أطر متخصصة في هندسة المعلوميات، بحيث أن الواقع التكنولوجي والمعالجة المعلوماتية للإجراءات داخل المحاكم في ظل سياسة التحديث تقتضي إلمام القانونيين باستعمال التكنولوجيا الحديثة…
ثانيا: الاكراهات على المستوى اللوجستيكي
يشهد المجتمع تطور وتشعب العلاقات واختلاف أنواع القضايا المعروضة على العدالة وتعقدها، زيادة على ارتفاع معدل السكن وما ينجم عنه من تزايد الطلب عن خدمات العدالة، لذلك كان لابد من إحداث بنايات جديدة نظرا لهشاشة بناية بعض المحاكم القائمة وقدمها، الشيء الذي لا يتناسب مع قيمة القضاء ودوره، فلابد أن تكون كل بناية بشكل هندسي متميز يجعل مرتديها يشعرون بهيبتها وبمكانتها.
وتعتبر هشاشة البنيات التحتية من الإكراهات التي تواجه تبني الرقمنة في قطاع العدالة، أو تنزيل المحكمة الرقمية حسب ما جاء في التوصية 187 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة.
نجد أن وزارة العدل قامت بمجهودات جبارة وذلك ببناء مجموعة من المرافق، إلا أنها لم تستجيب بالشكل الكلي لتأهيل فضاءات تتلاءم مع الانتقال إلى تبني الرقمنة، حسب ما جاء في الهدف الفرعي الخامس ”الرفع من مستوى البنية التحتية للمحاكم” من أجل تيسير ولوج المتقاضين على حد سواء من غير تفاوت على مستوى الخريطة القضائية، وبالإضافة لذلك لا يعد توفير البنايات كافيا لوحده لإصلاح المخطط.
والحقيقة أن مفهوم العدالة الرقمية يختلف تماما عن العدالة التقليدية التي يغلب عليها الطابع المادي، بدءا من اللجوء للمحكمة مرورا بالحضور وصولا إلى التنفيذ لما فيه هدر للوقت، وتفشي جميع الممارسات اللاأخلاقية من قبيل الزبونية والمحسوبية والرشوة، مما يتطلب النهج الجديد من توفير كافة الوسائل المساعدة على الأداء الجيد مثل الكراسي ومكاتيب أمامية وخلفية مهيأة بشكل يؤثر إيجابيا على الإدارة القضائية، وحواسب ذات جودة عالية معممة على جميع القضاة، وتعميم تجهيز قاعات المحاكم بالكاميرات من أجل ضمان مبدأ الحضورية والتواجهية عبر تقنية ما يسمى في أدبيات النظم المعلوماتية ” تقنية المناظرة المرئية ” التي من خلالها يتم استبدال المحاكمة الحضورية بالافتراضية.
ثالثا: الإكراهات المتعلقة بالمتعاملين مع العدالة
نقصد بالمتعاملين مع العدالة المساعدون غير المباشرون للقضاء وللمتقاضين، وتعدد الفاعلين في العدالة يشكل إكراها في حد ذاته في رقمنة العدالة، بحيث أن المحامون لا يخضعون للتكوين بالشكل المطلوب، نظرا لغياب معهد للتكوين، كما هو الشأن بالنسبة للقضاة وكتاب الضبط، في انتظار تخصيص معهد خاص بالمحامين، كما أن أغلب مكاتب المحامين غير مجهزة بأحدث الوسائل حتى يتسنى لهم الترافع عن بعد، على الرغم من تخصيص منصات لذلك، لكن لم ينخرط فيها إلا عدد محدود لم يتجاوز 955 محام من أصل 13150 محام إلى غاية 23 أكتوبر 2020، ونفس الشيء بالنسبة للعدول بحيث تم انخراط 2150 عدلا من أصل 6455، إذن نلاحظ من خلال هذه الإحصائيات ضعف الانخراط والإقبال على هذه المنصات حيث لم ينخرط إلا عدد قليل في هذه التجربة، في انتظار تعميم المنصات على باقي الدوائر القضائية ونفس الأمر بالنسبة للمهن الأخرى.
أما الإكراه الثاني فيتعلق بالمتقاضي، ويكمن في الانتشار الواسع للأمية بالمغرب عامة والأمية الرقمية خاصة، التي تجعل رقمنة الإدارة العمومية بشكل عام أمام تحد كبير، بحيث أظهر البحث المنجز عام 2017 أن معدل نفاذ الانترنيت إلى البيوت بالمغرب، ظل في تصاعد مستمر حيث انتقل من٪ 20 سنة 2009 إلى ٪ 70 سنة 2017، إلا أن التفاعل مع الخدمات العمومية عبر الأنترنيت يبقى محدودا إذ أن ٪ 11.1 من مستعملي الشبكة العنكبوتية لجؤا الى التفاعل مع الإدارات العمومية.
على الرغم من الخطوات المنجزة إلا أن واقع العدالة بالمغرب لم يصل بعد إلى استعمال الرقمنة بشكل معمم
التعليقات مغلقة.