المبدأ الحديدي للحرب هو ان تتخيل ما يريدك عدوك أن تفعله، وليس أن تفعله، غزو “فلاديمير بوتين” لاوكرانيا يتعثر، لقد كذب على الشعب الروسي ليبرره، لقد أخبرهم أن “الناتو” والغرب يسعون إلى هزيمتهم والاطاحة به، لهذا السبب يجب أن يدعموه في معركته، لقد فعلوا ذلك إلى حد كبير.
كان “الناتو” حتى الآن حريصا على عدم لعب لعبة “بوتين”، لقد وقفت بمعزل عن الدعم العسكري النشط لرئيس أوكرانيا “زيلينسكي”، كما فعلت دولها الأعضاء، على الرغم من كل الرقصات الحربية، وتعزيز الدفاع، والتشجيع في العواصم الغربية، ظل الانضباط في حلف الناتو، هذا صراع بين روسيا وجارتها، أصوله عميقة في تاريخ اوروبا الشرقية وانعدام الأمن.
لذلك لا شيء يمكن أن يكون اكثر خطورة من الاتفاق مع رواية “بوتين”، لقبول إحياء عداء الحرب الباردة بين روسيا و الغرب، الدعم المعنوي واللوجستي ل”كييف” شيء، وطائرات الناتو في الجو والأحذية على الأرض شيء آخر، قد يؤدي هذا الأخير إلى تصعيد متهور وربما لا يمكن السيطرة عليه في المواجهة.
“جو بايدن”، وصل الاسبوع الماضي، الى اوروبا متحمسا بخطابه العدائي، وكان قد اقترح في يناير أن التقدم الروسي في أوكرانيا لن يشكل أكثر من “توغل بسيط”، في مارس، أخبر القوات الأمريكية في بولندا أنهم سيرون قريبا اوكرانيين شجعان يتحدون روسيا “عندما تكون هناك”، سترد أمريكا “بالمثل” على هجوم بأسلحة كيماوية على أوكرانيا، هجوم لم يتم التهديد به.
وذهب ” بايدن” إلى أبعد من ذلك، واصفا “بوتين” ب “الجزار”، الذي ” لايمكنه البقاء في السلطة”، وهكذا فقد كسر بروتوكولا طويل الامد ضد الغرب يطالب بتغيير النظام في الخارج (إلا عندما تحرض عليه امريكا)، كانت هذه التصريحات شبيهة ب “التزام”؛ “بايدن” في اكتوبر الماضي قال بأن امريكا ” ستحمي تايوان” في حالة غزو “بكين”، وهو رفض صريح لغموض واشنطن الحذر والطويل الامد بشأن هذا الموضوع.
في جميع هذه الحالات، أنكر البيت الأبيض ووزارة الخارجية على الفور أن “بايدن” قصد ما قاله، لكن الضرر كان قد وقع، لقطات له وهو يدلي بهذه التصريحات المثيرة للقلق، ما بدا للوهلة الأولى أنه شخص لطيف يشير إلى أن الرجل ليس سيد لسانه بالكامل، ناهيك عن موجزه.
وبثت موسكو نية “بايدن” العدوانية للشعب الروسي، شعرت فرنسا وبريطانيا أنه كان عليهما إعادة تأكيد عدم مشاركتهما، مما أثار استياء الاوكرانيين حتما، لقد تم تقويض وحدة “الناتو” الدقيقة، استوعب “بوتين” بفارغ الصبر تعزيز ادعائه.
كان الرد على خطاب “بايدن” من الدبلوماسي الأمريكي المخضرم، “ريتشارد هاس”، جديا حيث قال: “حقيقة أنه كان خارج النص في بعض النواحي وزاد الأمر سوءا “، لأنه يشير إلى معتقداته الحقيقية، كما يشير إلى وجود انقسام في نظرة الإدارة الأمريكية للصراع، مع التزام الرئيس بالفعل بحرب أوسع، وبالتالي فإن الاحتمال هو وجود كتل القوى الرئيسية في العالم بقيادة رجلين باصابعهما على “الزر النووي”، ولكن مع سيطرة غير مؤكدة على الواقع على ما يبدو، إنه بالضبط سيناريو “الجنون” الذي توقعه الاستراتيجيون المتخوفون من الصراع على السلطة في القرن العشرين.
من الواضح ان حرب أوكرانيا عند نقطة تحول،في نهاية بدايته وربما في بداية نهايته، هذه لحظة من عدم اليقين القصوى، قدم حلفاء أوكرانيا الدعم اللوجستي تقريبا بقدر ما تجرؤوا عليه، مع تجنب خطر الإتصال المباشر مع الروس، إنهم يعلمون أن مجرد احتمال وجود قوات “الناتو” في ساحة المعركة من شأنه أن يؤكد صحة رواية “بوتين”، من شأنه أن يخاطر بإطلاق العنان لتصعيد في الأهداف والاسلحة، ستصبح أوكرانيا “حمام دم” ، بينما ستواجه أوروبا أسلوب عام 1914 في إطلاق التزامات التحالف.
لقد كان “زيلينسكي” بارعا حتى الآن في تعبئة الدفاع عن أمته، لقد أظهر ما لم يفهمه المحللون العسكريون أبدا ولكنه خرج من الحروب الأخيرة: أن الأسلحة عالية التقنية والتفوق الجوي لا يمكن أن يكونا متطابقين مع المقاتلين البسطاء،حتى الهواة، الذين لديهم سبب في قلوبهم ووطن على المحك؛ الآن ، ومع ذلك، يجب ألا يكون ” زيلينسكي” أقل براعة، يجب عليه التفاوض على التسويات التي لا مفر منها اذا لم يتم تدمير المدن الأوكرانية بالكامل ووافقت القوات المسلحة “لبوتين” على الانسحاب.
يبدو أن التصريحات الصادرة عن “كييف” قبل محادثات السلام في “إسطنبول” تدرك هذه السياسة الواقعية؛ من حيث الجوهر، يقترح “زيلينسكي” العودة إلى تسوية “مينسك الثاني لعام 2015″، وقد أقر هذا بنفور روسيا الفعلي – الذي تعزز الآن – من أن أي تقدم لحلف شمال الأطلسي إلى حدودها مع اوكرانيا، لقد قبلت ” الفنلدة” الإفتراضية للبلاد، لكن “مينسك” وافقت أيضا على حكم ذاتي كبير، ولكن غير محقق لمنطقة دونباس، ويبدو أن أي رفض له سيحكم الحرب على الجحيم المستمر، من الواضح أن مكانة هذا الحكم الذاتي ستكون حاسمة.
كانت المناطق الصناعية القديمة في “دونباس” مصدرا للفوضى داخل أوكرانيا في السنوات الأخيرة، لقد أفسد هذا الانشقاق الإقليمي استقرار نصف دول أوروبا على مدى العقود الماضية، بما في ذلك حاليا اسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، قد تدينهم الأنظمة المركزية وتعاملهم مع النزعة الانفصالية على أنها لعنة عفا عليها الزمن، لا يوجد شيء فريد في اوكرانيا، لكنها اليوم تثبت سم المركزية عندما تترك لتتفاقم.
إن إيجاد مسار دستوري للحكم الذاتي لمنطقتي “القرم” و”دونباس” في أوكرانيا يجب أن يحمل مفتاح السلام، في مكان ما في المياه المظلمة للحكومات المفوضة، تكمن الكونفدرالية و”السيادة الخفيفة” في مستقبل جديد لهذه الزاوية اليائسة من اوروبا.
تتمتع منطقة “دونباس” بالحكم الذاتي منذ ثمان سنوات، أي منذ عام 2014، ولا بد ان يكون الاعتراف بهذا الأمر ثمنا للسلام، سيكون تحديد حدودها – و ضمان قبولها – أمرا صعبا، آخر شيء يحتاجه هذا الحبل المشدود الدبلوماسي هو أن يجد نفسه العوبة في السياسة الداخلية الغربية.
إثنان من زعماء الناتو ، “بايدن” والبريطاني “بوريس جونسون”، شعبويين لم يتعلموا فن الدبلوماسية، كلاهما يواجه عداء انتخابيا في الداخل، كلاهما يقفزان على طول حدود أوكرانيا ويضربان صدورهما في محاكاة ساخرة لفحولة “تشرشل”.
إن الهجوم المتفجر لا يردع “بوتين” ،لكنه يقوي روايته الوجودية ويرفع من مكانة الحرب العالمية، هذا يجب ان يجعله أقل ميلا لقبول تكلفة أي تنازل في حالة الهزيمة.
التعليقات مغلقة.