الدكتور مختار فاتح بي ديلي طبيب - باحث في الشؤون التركية وأوراسيارفعت الأعلام التركية في شوارع مدينة جدة والعاصمة الرياض استعداداً لاستقبال الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، كما ألغى “الملك سلمان”، اعتكافه في العشر الأخير من رمضان في مكة لاستقبال الرئيس “أردوغان” نظرا لأهمية الزيارة.
طبعا، فالعلاقات التركية السعودية غنية عن التعريف، وهي علاقات تاريخية، بخاصة على مستوى دعم قضايا الأمة الإسلامية، والتعاون الثنائي في كافة المجالات، وهذه الزيارة ستركز على التعاون الاقتصادي، أكثر من الجغرافيا السياسية، وستكون بداية حقيقية فعلية لإعادة تصحيح العلاقات التركية- العربية عامة، والخليجية خاصة.
وللإشارة فتاريخ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، يعود إلى عام 1929، بعد توقيع اتفاقية الصداقة والتعاون بينهما.
وتُوجت قمم العام الأول من حكم الملك سلمان باتفاق الدولتين على إنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجي، خلال زيارة الرئيس “أردوغان” للمملكة، في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2015.
من ناحية أخرى لم تتوقف علاقات تركيا والسعودية خلال الأزمة الخليجية مع قطر، بين أعوام2017-2021 في ظل العلاقات القوية الراسخة أيضا بين أنقرة والدوحة، وعلى كافة الأصعدة، وقد استمرت هاته العلاقات بين البلدين حتى خلال أزمة مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” داخل قنصلية بلاده في إسطنبول سنة 2018.
الآن تتوجه كثير من دول المنطقة إلى طي صفحات الخلافات فيما بينها، وكانت البداية تحسين العلاقات الخليجية العربية، ومن ثم تحسين العلاقات بين تركيا والإمارات، بعد الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين من أعلى المستويات، وعودة أجواء الاخوة بين تركيا ومصر من خلال تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، نتمنى ان تكون الفترة القادمة عودة كاملة للعلاقات التركية المصرية، ولقاء رئيسي البلدين في أنقرة والقاهرة، وبطبيعة الحال هل لمساعي ستشمل إنهاء أزمات ليبيا وسوريا والعراق، حيث ان المصالح الرابطة بين دول المنطقة الآن، وإعادة العلاقات السياسية والاقتصادية ضرورة لا بد منها في ظل المتغيرات الدولية الراهنة.
هذه الزيارة ستكون الأهمَّ في إطار تحركات أنقرة باتجاه تصفير خلافاتها السياسية الخارجية، والبحث عن شراكات جديدة مبنيَّة على رؤى سياسية واقتصادية جديدة وسيؤسسان لبداية جديدة على الأقل، وإعادة الوفاق لوجهات النظر المختلفة والسياسات المتضاربة بين الرئيس “أردوغان” و”الملك سلمان بن عبد العزيز”.
سيكون لعودة العلاقات الثنائية بين الرياض وأنقرة تأثير إيجابي كبير على استئناف حركة التجارة المتبادلة بين تركيا والمملكة السعودية لتصل إلى 25 مليار دولار تقريبا، وهو ما يعني انتعاشاً اقتصادياً مُهماً ستشهده أسواق الدولتين وعلى كافة الأصعدة.
لا شك أن العامل الاقتصادي يلعب دوراً ريادياً في أي علاقات سياسية على مر التاريخ، إذ يرتبط بعناصر أمنية وجيوسياسية ولوجستية؛ وهناك رغبة بين الأطراف في وجود مصالحة في المنطقة ككل، وفي ظل عالم متصارع، ومن هنا تأتي أهمية الزيارة الرئيس التركي، أردوغان، للرياض.
تعي الدول العربية من محيطها الى خليجها، الآن، أن هناك بعض الدول المركزية في الإقليم لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاهلها أو عدم التعاون والتنسيق معها، ومنها تركيا.
إن تحسن العلاقات السعودية التركية قد يدفع إلى مصالحة تركية مع مصر التي لها ثقل سياسي في المنطقة العربية. وبالتالي فإن العلاقات السعودية التركية الجيدة قد تعيد المركب إلى مساره الطبيعي بالنسبة للعلاقات العربية التركية بصفة عامة، وليس الخليجية التركية فقط.
نرى اليوم، أن سياسيات براغماتية كثيرة في منطقة الشرق الأوسط خاصة، والعالم عامة، بعد حرب الروسية الأوكرانية بدأت تتشكل، وهذه السياسيات قلبت الكثير من الموازين في مواقف وسياسيات وأساليب الكثير من الدول وحكومات المنطقة.
التعليقات مغلقة.