ذ. الحسين العويمر
باحث في مجال حقوق الإنسان
في عددها الصادر بتاريخ 24 – 30 مارس 2017، نشرت الأسبوعية الإقتصادية “LA VIE ECO” مقالا بعنوان : laayoune – sakia El Hamra : les fraudeurs dans le viseur du fisc حاولت من خلاله تسليط الضوء على إشكالية التهرب الضريبي للمقاولات، التي تتخذ من جهة العيون الساقية الحمراء مقرا قانونيا لنشاطها الإقتصادي، في غياب تام لأي بعد اقتصادي لها بالجهة، وذلك في ظل تضخم معدلات البطالة بالمنطقة ( والتي تعتبر الأولى وطنيا ) . و تشكل هذه الظاهرة عائقا حقيقيا للإقلاع الإقتصادي بالمنطقة، حيث تستفيد هذه المقاولات من الإعفاءات الضريبية ( LES PARADIS FISCAUX ) دون أن تساهم في إنعاش النسيج الإقتصادي المحلي وتحسين مؤشرات التنمية بالجهة.
فالمسؤولية الإجتماعية للمقاولة أو ما يسمى la responsabilité sociale de l’entreprise باعتبارها أحد المفاهيم الحديثة التي تستهدف إدماج البعد الإجتماعي والتنموي في برامج ومخططات المقاولة، إلى جانب نشاطها الإقتصادي، تفرض على كل مستثمر الإنفتاح على البيئة الإجتماعية للمقاولة، من خلال إدماج الشباب في سوق الشغل، وإنجاز البنى التحتية وتنفيذ مشاريع تستهدف تجويد البنية الصحية والتعليمية والبيئية، بهدف تحقيق تنمية مستدامة بالمنطقة. وفي المقابل، يبرز التشخيص الواقعي لالتزام المقاولات بالأقاليم الجنوبية بهذه المسؤولية الأخلاقية والإجتماعية قصورا كبيرا في منسوب الوعي بأهمية هذه المقاربات، وضعف إدماجها في استراتيجيات الإشتغال، مقابل تغليب الجانب الربحي وإغراءات الإمتيازات الضريبية .
من جانب آخر، يطرح سؤال التنمية بالأقاليم الجنوبية إشكاليات مركزية مرتبطة بمدى تناسق الإستراتيجيات المؤسساتية و القطاعية الهادفة إلى تحقيق تنمية مندمجة ومستدامة، حيث أثار تقرير المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي في أكتوبر 2013 ” سؤال قدرة القطاعات الوزارية على رسم أهدافها، باستحضار البعد الجهوي مع الإعتماد على موارد ومساطر واضحة ومنسجمة ومتحكم فيها “، ويشكل هذا المعطى إكراها حقيقيا للفاعلين الإقتصاديين والإجتماعيين بالمنطقة، فضعف التنسيق بين هذه المؤسسات وتغييب حضور المجتمع المدني كقوة اقتراحية حقيقية قادرة على الترافع عن القضايا الإقتصادية والإجتماعية والبيئية والمساهمة في بلورة المخططات الجهوية للتنمية، أثر بشكل كبير على مستوى إلتقائية السياسات العمومية القطاعية وساهم في تدني مؤشرات التنمية بالمنطقة.
و إذا ما حاولنا تقييم أداء المؤسسات ذات الطابع الإقتصادي والإجتماعي الفاعلة بالأقاليم الجنوبية من حيث خلق فرص حقيقية للشغل وتحسين المؤشرات السوسيو –اقتصادية، سنصدم بتضخم الأرقام والمعطيات الإحصائية التي لا تعبر بشكل حقيقي عن واقع التنمية بالمنطقة، وذلك راجع بالأساس إلى غياب سياسية حقيقية للتتبع وتقييم المشاريع المنجزة ، وعلى سبيل المثال فالمركز الجهوي للإستمثار الذي أحدث في سياق التدبير اللامتمركز للإستثمارات تنفيذا للرسالة الملكية الصادرة في 9 يناير 2002، والذي أنيطت به مهام تشجيع الاستثمار وتسهيل الولوج إلى المعلومة ووضعها رهن إشارة الفاعلين الاقتصاديين، والمساهمة في التعريف بالإمكانات الاقتصادية للجهة، يصطدم بمجموعة من الإكراهات والمعيقات الهيكلية التي ترتبط أساسا بمحدودية الصلاحيات المخولة له، حيث يشتغل لحد الآن تحت وصاية وزارة الداخلية، في ظل غياب نظام أساسي خاص به، وغياب رؤية واضحة لتتبع مسار المقاولات التي تم إحداثها، فرغم إصدار عدد كبير من الشهادات السلبية المتعلقة بتأسيس المقاولات فإن درجة المصاحبة والمواكبة لهذه المقاولات حتى تندمج في النسيج الإقتصادي المحلي تبقى ضعيفة ومحتشمة، وخصوصا في مجال الولوج إلى آليات التمويل والتكوين المستمر، هذا بالإضافة إلى ضعف التأطير و غياب سياسة منسجمة للإستثمار الجهوي وعدم وضوح مستويات تدخل باقي الأطراف المعنية في هذا السياق.
من جهة أخرى، تواجه وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية باعتبارها أحد الفاعلين الأساسيين في التنمية بالمنطقة، مجموعة من الإختلالات البنيوية في مجال تدخلها، فالمشاريع التي تمت برمجتها في إطار المخططات الإستراتييجة للوكالة لا تستحضر بشكل أساسي مستويات البطالة العالية بالمنطقة ، و تبقى المشاريع التي تم تنفيذها ضعيفة الأثر على مستوى تحسين معيشة الساكنة وتشغيل أبناء المنطقة هذا بالإضافة إلى ضعف التشاور وسبر تطلعات الساكنة المحلية حول انتظاراتها من سؤال التنمية المحلية ، كما تركز الوكالة بشكل كبير على البعد الثقافي في برامجها وتكتفي بالإستثمار في البنى التحتية بالجماعات الترابية، والتي رغم أهميتها فإنها لن تكون بديلا عن الإستثمار في العنصر البشري باعتباره الخزان والرافد الحقيقي لأي تنمية مندمجة بالأقاليم الجنوبية.
ويشكل سؤال التكوين في علاقته بآفاق الإدماج في النسيج الإقتصادي مأزقا حقيقيا يؤرق مدبري الشأن العام بالأقاليم الجنوبية، فرغم التقدم الكبير في أعداد مؤسسات التكوين المهني بالجهات الجنوبية وتدفق البرامج والإستراتيجيات ذات الصلة بهذا المجال، إلا أن عدم ملاءمة التكوينات مع متطلبات سوق الشغل يزيد من ارتفاع معدلات البطالة بشكل مضطرد، بسبب غياب تشخيص علمي دقيق لحاجيات المنطقة من اليد العاملة المؤهلة، وضعف التنسيق والشراكة بين مكونات النسيج المقاولاتي ومؤسسات التكوين المهني، مما يحد من فرص الإندماج المهني والولوج إلى سوق الشغل . إن رهان التنمية بالأقاليم الجنوبية مرتبط بشكل متلازم بمدى قدرة الفاعلين المحليين من مؤسسات منتخبة ومؤسسات اقتصادية واجتماعية على التنزيل الحقيقي للبرامج التنموية، عبر آليات واضحة ودقيقة تستهدف المواطن بشكل مباشر، سواء من خلال إشراكه في بلورة وصياغة هذه الإستراتيجيات، أو من خلال استهدافه المباشر في كل المخططات التنموية باعتباره حجر الزاوية لكل المقاربات التنموية في مجالات التشغيل والإدماج السوسيو – مهني وتحسين مستويات العيش عبر تأهيل المنظومة الصحية والتعليمية بالمنطقة ، وذلك من أجل استعادة ثقة الساكنة في النخب المحلية ومؤسسات الدولة، هذه الثقة التي لا يمكن أن تبنى على أسس متينة، إلا إذا تم تجاوز مقاربات الحكامة المرتكزة على الهاجس الأمني واعتماد حكامة القرب القائمة على احترام الحقوق الأساسية للمواطنين و مبادئ دولة الحق والقانون من جهة وعلى منطق التنمية من جهة أخرى .
التعليقات مغلقة.