محمد حميمداني
سنة مليئة بالتحديات والتألق والتصدي للجائحة بروح وقوة الوطنية الصادقة للدفاع عن القضايا والراية المغربية تميزت السنة التي نودعها بمجموعة من الأحداث الكبرى الهامة، ضمنها تحدير السلطات من كارثة وبائية مرتبطة بتفشي كوفيد 19، وخطوات المملكة المغربية في الحد من الآثار التدميرية الشاملة لذلك الوباء عبر حث المواطنين والمواطنات على الإقبال على التطعيم، كما شهدت توثرا حادا في علاقات المغرب مع كل من إسبانيا وألمانيا ارتباطا بالقضية الوطنية الأولى، وحصول فاجعة بطنجة قتل على إثرها العديد من عمال وعاملات أحد المعامل السرية بالمدينة، وتألق البطل المغربي “سفيان البقالي، ورفعه الراية المغربية في سماء طوكيو.
وهكذا فقد عرف العام الذي نودعه تحدير السلطات الرسمية المغربية من حدوث “انتكاسة وبائية” داعية المواطنين والمواطنات إلى تسريع وثيرة تلقي التطعيم المجاني الذي تقدمه السلطات الصحية، محذرة من “تخلي عدد كبير من المواطنات والمواطنين عن التدابير الوقائية الأساسية”، بعد تسجيل 219 إصابة إضافية بفيروس كورونا في يوم واحد، إضافة إلى إعلانها اكتشاف حالة إصابة بالمتحور “أوميكرون” لدى مواطنة مغربية بمدينة الدار البيضاء، كما سجلت السلطات الصحية تراجع الإقبال على مراكز التطعيم، بعد فرض جواز التلقيح في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما صاحبه من جدل واحتجاجات، ضد فرض جواز التلقيح في الشارع العام و التي وصلت إلى توثير أجواء المحاكم بعد إعلان هيئة المحامين بالمغرب رفضها فرض الجواز كشرط لولوج المحاكم، تراجع عزاه البعض إلى تعرض أشخاص أو ذويهم لمضاعفات بسبب اللقاح، وصلت إلى حدوث عاهات وفي بعض الحالات إلى الوفاة، مع تسجيل نفي الوزارة لما تناقلته وسائل الإعلام في هذا الباب، مؤكدة أن ما وقع لا علاقة له باللقاح وأنه آمن.
كما عرفت السنة التي نودعها حصول حادث مأساوي بمدينة طنجة، بعدما غمرت المياه مصنعا صغيرا سريا بالمدينة يشغل العديد من العمال والعاملات داخل سراديب ومرائب تحت أرضية، وهو الحادث الذي أدى إلى وفاة 24 شخصا، وعلى الرغم من الإجراءات الإدارية والقانونية التي اتخذتها السلطات الرسمية إلا أن الحادث نقل إلى الواجهة قضية المعامل السرية واستغلال عمال في ظروف لا إنسانية ولا قانونية.
السلطات كانت قد أشارت إلى أن “الوحدة الصناعية السرية” كانت داخل مرآب تحت الأرض في فيلا سكنية بحي “الأناس” في طنجة، وأن الحادث نجم عن تسرب مياه الأمطار، مما أدى إلى وقوع الفاجعة.
على صعيد القضية الوطنية الأولى، فقد أدت مواقف إسبانيا المعادية للوحدة الترابية للمملكة، وكذلك المواقف الألمانية، خاصة بعد استقبال إسبانيا بشكل سري زعيم “البوليساريو” على أراضيها من أجل العلاج بجواز سفر مزور، حيث استدعت الرباط السفير الإسباني مبلغة إياه أسف وإحباط الرباط بشأن استضافة مدريد “إبراهيم غالي” على أراضيها، وهو المتهم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وقد جاء في البيان الصادر عن المملكة المغربية في هذا الموضوع أن “المغرب يعرب عن إحباطه من هذا الموقف الذي يتنافى مع روح الشراكة وحسن الجوار، والذي يهم قضية أساسية للشعب المغربي ولقواه الحية، وموقف إسبانيا يثير قدرا كبيرا من الاستغراب وتساؤلات مشروعة”.
كما أعلنت وزارة الخارجية المغربية استدعاء سفيرة المملكة لدى إسبانيا للتشاور، عقب الدخول الكثيف والمفاجئ لآلاف المهاجرين إلى سبتة، والذي أثار استياء مدريد التي سبق لها أن استدعت سفيرة المغرب لبحث الأحداث التي وصفها رئيس الوزراء الإسباني “بالأزمة الخطيرة لإسبانيا وأوروبا”.
أزمة تزامنت مع إلغاء رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، زيارة كانت مقررة لباريس وتوجهه إلى سبتة واعدا بـما أسماه “إعادة النظام” إلى المدينة المحتلة، ومعتبرا أن هذه الأحداث تشكل “أزمة خطيرة بالنسبة إلى إسبانيا وأوروبا”.
أوروبا دخلت على خط الأزمة وعبرت عن تضامنها مع مدريد، في مواجهة تدفق المهاجرين القادمين من المغرب في اتجاه سبتة، في ظل أزمة دبلوماسية بين هذين البلدين، داعية الرباط إلى منع العبور من أراضيها، حيث قال رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، في تغريدة باللغة الإسبانية “كل دعمنا وتضامننا مع إسبانيا”، مضيفا أن “التعاون والثقة والالتزامات المشتركة يجب أن تشكل الأسس لعلاقة قوية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب”.
في سياق متصل استدعى المغرب سفيرته في ألمانيا من أجل التشاور بسبب “مواقف عدائية تنتهك المصالح العليا للمملكة”، مرتبطة بقضية الصحراء المغربية، كما تم تعليق كل أشكال التعاون مع سفير ألمانيا في الرباط.
وقد جاء في البيان الصادر في هذا الشأن أن “ألمانيا سجلت موقفا سلبيا بشأن قضية الصحراء المغربية، إذ جاء هذا الموقف العدائي في أعقاب الإعلان الرئاسي الأميركي، الذي اعترف بسيادة المغرب على صحرائه”، معتبرة ذلك “موقفا خطيراً لم يتم تفسيره لحد الآن”.
كما عرف هاته السنة افتتاح المملكة الأردنية الهاشمية قنصلية لها بمدينة العيون، تأكيدا من المملكة دعمها للوحدة الترابية وسيادة المغرب على صحرائه.
وفي هذا السياق قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، خلال مؤتمر صحافي إن افتتاح قنصلية بلده بالعيون “تأكيد للموقف الأردني الثابت، بأننا كنا وسنبقى نقف إلى جانب الوحدة الترابية للمملكة المغربية”، مشددا على “العمل مع الأشقاء من أجل التوصل لحل لقضية الصحراء المغربية وفق قرارات الشرعية الدولية، ووفق مبادرة الحكم الذاتي التي أطلقها المغرب”.
وهي الخطوة التي أتت بعد إعلان الإمارات العربية المتحدة والبحرين عن افتتاح قنصليتين لهما بالعيون أواخر السنة الماضية، إضافة إلى مواقف أخرى لمجموعة من الدول الإفريقية التي أعلنت افتتاح بعثات دبلوماسية لها بكل من العيون والداخلة.
كما تميزت هاته السنة بالنصر الدبلوماسي المغربي الكاسح خاصة على صعيد الأمم المتحدة، وهو القرار الذي لم يرق الجزائر، وضغطها على “البوليساريو” المطعونة بالقرار الأممي إلى إعلانها منذ 13 تشرين الثاني/ نوفمبر إنهاء وقف إطلاق النار المعمول به منذ العام 1991، في المقابل، أكّد المغرب تشبّثه باتفاق وقف النار.
وقد دعا مجلس الأمن الدولي من خلال هذا القرار إلى استئناف المفاوضات المتوقفة منذ 2019 “من أجل التوصل إلى حل سياسي”.
كما تميزت السنة التي نودعها بموقفين رسميين كبيرين صادرين عن أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الأول يتمثل في إصدار جلالته أمرا مولويا بإرسال مساعدات إنسانية إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، كتعبير عن دعم المغرب لفلسطين ولشعب فلسطين وللقضية الفلسطينية، مساعدات تكونت وفق البلاغ الصادر في هذا الشأن من “40 طنا من المواد الغذائية الأساسية، وأدوية للحالات الطارئة وأغطية”، مضيفا أنه “سيتم تسليم المساعدات الإنسانية بواسطة طائرات القوات المسلحة الملكية”.
وأشار البيان إلى أن “المملكة المغربية سبق أن دانت، بأشد العبارات، العنف المرتكب في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، لافتا إلى أن هذا العنف “لا يؤدي استمراره إلا إلى توسيع الفجوة وتعزيز الحقد والتشويش على فرص السلام في المنطقة”.
و الثاني بالرسائل السلمية التي بعث بها صاحب الجلالة الملك المعظم للجزائر من خلال دعوة جلالته هاته الأخيرة في الخطاب السنوي بمناسبة ذكرى جلوسه على العرش، الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” إلى “تغليب منطق الحكمة” والعمل في أقرب وقت على تطوير العلاقات المتوترة بين البلدين بسبب قضية الصحراء، مجددا أيضا الدعوة إلى فتح الحدود.
حيث قال العاهل المغربي “أدعو فخامة الرئيس الجزائري للعمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية التي بناها شعبانا عبر سنوات من الكفاح المشترك”، في إشارة إلى تعاون الحركتين الوطنيتين في البلدين أثناء مواجهة الاستعمار الفرنسي في خمسينات القرن الماضي.
وتشهد علاقات الجارين توترا منذ عقود بسبب دعم الجزائر لجبهة “البوليساريو” والتي بلغت أقصى درجات التوتر بعد قرار الجزائر التصعيد ضد المطالب السلمية التي أرسلها عاهل البلاد المفدى.
كما تميز العام الذي ودعناه باحتضان المغرب لمناورات “الأسد الأفريقي” المشتركة بين القوات المسلحة الملكية المغربية والقيادة العسكرية الأمريكية ل”أفريكوم”، والتي استمرت من الثامن من يونيو/ حزيران وإلى غاية 18 منه.
وقد عرفت هاته المناورات مشاركة كل من المملكة المتحدة والبرازيل وكندا وتونس والسنغال وهولندا وإيطاليا إضافة إلى الحلف الأطلسي ومراقبين عسكريين من 30 بلدا. وتضمنت أولى المناورات تمارين هبوط بالمظلات وإطلاق قذائف في الصحراء على مشارف المنطقة المتنازع عليها مع “جبهة البوليساريو”.
وفضلا عن أهميتها الاستراتيجية العسكرية فإن الرباط هدفت من خلالها تعزيز شرعيتها على صحرائها، خاصة وأنها أقيمت فوق تراب المنطقة المتنازع عليها من الصحراء المغربية و”لأول مرة”، وهو ما مثل حسب الرباط “تأكيدا للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء الغربية”، إلا أن إدارة الدفاع الأمريكية سارعت لنفي الأمر.
على الصعيد الرياضي فقد تميزت السنة التي ودعناها بتألق كبير للعداء المغربي “سفيان البقالي” خلال الألعاب الأولمبية التي أقيمت بطوكيو، بعد أن حاز على الذهب الأولمبي في مسابقة 3 آلاف متر موانع، قاهرا أباطرة المسافة من الكينيين والإثيوبيين.
تألق قوبل بإشادات، خاصة و أنها المرة الأولى التي يحقق فيها بطل مغربي هذا الإنجاز في هاته المسافة الصعبة، و التي حظر فيها بصمة مدربه القدير الإطار “كريم التلمساني”.
حيث تلقى البطل “البقالي” برقية تهنئة من جلالة الملك “محمد السادس” نصره الله وأيده، جاء فيها “نشيد بهذا التتويج العالمي المستحق، والذي رفعت به راية المغرب خفاقة في هذه التظاهرة الدولية المرموقة، لنرجو لك موصول التوفيق والتألق في مسيرتك الرياضية الحافلة، مشمولا بسابغ عطفنا وسامي رضانا”.
وكان “البقالي” ذا 25 سنة من العمر، قد حل رابعا في أولمبياد “ريو” سنة 2016 قبل أن يحرز فضية مونديال “لندن” سنة 2017، وبرونزية قطر سنة 2019.
وقد صرح “البقالي” عقب السباق قائلا “أنا سعيد جدا بهذا الفوز، وهو لقب غال جدا بالنسبة لي بعد سنوات من العمل الجاد التي لم تكن سهلة، خاصة بعدما حللت رابعا في ريو، طمحت أن أكون بطلا أولمبيا وقد تحقق ذلك”، مضيفا “كنت أسعى لتحقيق ذلك منذ سنوات لأظهر أن المغرب قادر على الفوز باللقب أمام الكينيين (…) حاولت مرات عدة مقارنة نفسي بالكينيين والإثيوبيين لأرى ما إذا أنا قادر على تحقيق الذهب وها أنا حققته”.
[…] post سنة 2021 سنة الدبلوماسية المغربية بامتياز في مقابل السعا… appeared first on جريدة […]