عزيز باكوش
هل يدرك شباب تاوردانت وإمليل وساكنة الحوز الذي استنفر هواتفه الذكية بسرعة ونقل فيديوهات انجرافات سيول تارودانت والحوز مباشرة وبعفوية ، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفايسبوك أنه قام بعمل إعلامي جبار وسبق صحفي متميز دون أن يتقاضى ولو درهما واحدا؟
هل تناهى إلى علم شباب الحوز وهم ينقلون في اللحظة والحين تفاصيل رعب السيول الجارفة التي غمرت التربة والناس، ويواجهون رعب الطبيعة القاسي بسلاح الاندفاع والتهور ونكران الذات، أن العالم أجمع كان على علم بنبل ما فعلوه ؟ وأنهم أنجزوا سبقا صحفيا لم تستطع المؤسسات الإعلامية الرسمية المنذورة لذلك القيام به ؟
بودنا اليوم وساكنة سوس والحوز تحصي خسائرها أن نتساءل هل كنا سنكون على علم بتفاصيل الفاجعة ، لولا أشرطة الفيديو التي نقلها لنا شباب سوس والأهالي في اللحظة والحين ؟
وهل من واجبهم القيام بذلك ؟ أي المخاطرة بأرواحهم وإنجاز سبق إعلامي اعتمادا على ما يمتلكونه من ذاتية الاندفاع وعفوية المبادرة وسرعة البديهة في نقل مشاهد السيول الجارفة عن قرب وهم على بعد أمتار من الخطر ونشر الوقائع في فورانها وسخونيتها بدل مؤسسات إعلامية رسمية منذورة لذلك ؟
لذلك ، ومن شبه المؤكد ، أنه و بدون ما قدمه لنا هؤلاء الهواة اليافعين من صور وفيديوهات حول كوارث الجنوب، كنا سنكون أمام صورة عامل أقليم أوباشا أو قائد نفوذ ترابي يتفقد المكان بحذر أمام عدسات كاميرا الأولى والثانية ، وبشكل مبالغ فيه بعد أن تكون الكاميرا شاعلة والطبيعة قد أنجزت انجرافاتها الساحقة بنجاح
يجب علينا كمغاربة أن نرفع القبعة احتراما لهؤلاء ، وأن نقتنع اليوم أن الأوصياء على التلفزيون المغربي لم يكونوا في الموعد ، ولم يستطيعوا القيام بما قام به هؤلاء الشباب رغم توفرهم على العتاد المادي والمعنوي ،ورغم أن ذلك من صميم واجبهم المهني . وعلى الرغم من إن ما قام به هؤلاء اليافعون من مجازفة ومخاطرة بحياتهم، وهم يقفون وجها لوجه أما السيول الجارفة والمدمرة ، ليقتنصوا مشاهد مرعبة ستجول مناطق العالم، فإنهم وبكل عفوية قد خلدوا وأرخوا لسبق صحفي ليسوا منذورين له يستحق منا كل التمجيد والفخر ..
فنحن بصفة المواطنة الإعلامية نتاج الفورة التكنولوجية التواصلية نقدر ذلك أيما تقدير ، لا يسعنا أصالة عن أنفسنا ونيابة عن دار لبريهي وعين السبع وباقي الشتات إلا أن نقدم لشباب تارودانت والحوز تحية غامرة مفعمة بالأمل ، ليس لأنهم نقلوا لنا الخطر الجارف إلى شرفاتنا، وصورا الموت الداهم على أبواب قلوبنا المرعوبة ، وسهلوا تقاسم لحظاته المروعة كوكبيا ، بل لأنهم كانوا السباقين لذلك ، واستحقوا لقب الإعلام البديل، والإخبار النبيل دون منازع ودون مقابل.
لذلك نرى من باب الواجب أن يقوم الأوصياء عن التلفزيون المغربي بقنواته الجمع بصيغة المفرد أو المفرد بصيغة الجمع سيان بتقديم باقات الشكر الجزيل لهم وهو ينوبون عنها في نقل وقائع صادمة مباشرة من عين المكان معتمدين في ذلك على اندفاعهم الذاتي وجهلهم المعرفي بالخطر ، بل من اللازم للتلفزة المغربية بجميع تشعباتها الجامدة أن تحيي جماعة من الشباب الذي تسلح بالانفعال واندفع دون تردد وخاطر بنفسه وحياته كي ينقل لنا وللعالم أجمع تفاصيل جحيم سيول تارودانت وانجرافات الحوز الساحقة والمدمرة .
إزاء كل هذا وذاك كنا سنكون كمغاربة مندهشين ومذهولين وحريصين أشد الحرص على التمويل المواطناتي للتلفزيون من جيوبنا كي يمطرنا بصور احتفائية جافة لمأتم اجتماعي أليم .
كنا سنكون أمام خطابات صور فلكلورية جامدة لمشاهد دموية حية .. هذا هو دور التلفزيون عندنا .. فهو مجرد شحان يجهز على كل شيء حقيقي وواقعي بأي شيء خرافي وغير قابل للتصديق ويفلح بأعلى الدرجات في تحويل أحزاننا إلى مسرات…
شباب يتصدى بشجاعة يصور بعفوية وينشر في اللحظة والحين وسلطات أقصى جهودها تشكيل لجن خاصة للتحقيقي من أجل الوقوف على الخسائر التي تكبدتها الساكنة بملعب الواد ووادي إمليل ووادي إمنان واوريكا والبقيات الآتيات …
ما نريد التأكيد عليه ، هو ضرورة الحرص على التنزيل الأرضي للنشرة التحذيرية التي تصدرها مديرية الأرصاد الجوية بشكل منتظم ومتواصل وتفعيلها أفقيا وعموديا أي من السماء إلى الأرض ، إذ لا يجب ان تكون مجرد إعلان أثيري على الهواء، لابد من الاتصال بالساكنة عبر الشيوخ والمقدمين عبر القواد والباشوات والمنتخبين لاستنفار الساكنة وإجبارها عن الابتعاد عن الأمكنة الخطرة والمهددة لحياة الكائنات، وتفادي الأخطار المحدقة بالنأي عن الرعي بالوديان الوفية لمجاريها ، قبيل السيول بساعات . وبذلك نتفادى الخسائر البشرية المؤلمة والقاسية . ونتجنب فداحة السيول الجارفة والمدمرة وحصيلتها الكارثية التي تأتي على الأشجار والأحجار وتجرف الديار وتعبث بالسواقي والحقول والأنهار .. مع تحيات عزيز باكوش
التعليقات مغلقة.