أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

شباب مغاربة يموتون في قوارب الهجرة السرية.

بقلم: سلوى داوود

تعالت الأصوات والصور والفيديوهات التي تؤرخ لشبان وشابات وأسر بكاملها تختار قوارب الموت للهرب من واقع اجتماعي مزري، وأمل مفقود في تحسين وضعية عيشهم.
هو يأس أصبح يسكن الشبان المغاربة بشكل مخيف، فقد كنا نسمع عن شباب ذوي مستويات تعليمية متدنية حيث العاطلون هم الذين لا يحملون شواهد أكاديمية ولا صنعة يعيشون بها، ولا يبقى لهم سوى اختيار الهجرة السرية.
غير أن ما انتشر اليوم هو ذلك اليأس الذي سكن نفوس الشباب حتى حاملي الشواهد العليا، حيث لم يعد يقنعهم شيء أن الوضع قد يتحسن، وكل الوعود بالنسبة لهم هي “استهزاء وضحك على الذقون”، هي وضعية لم تأتي من فراغ، بل هي نتيجة حصيلة من الفشل التي تراكمت في نفوس الطبقات الفقيرة والمتوسطة حيث عايشوا كفاح الآباء، وتحدوا الواقع من أجل التمدرس والحصول على شهادات عليا في سبيل تحسين وضعية آبائهم وتجاوز تلك المعاناة وتعويض آبائهم، ليجدوا أنفسهم عالة بشواهد أضاعوا سنوات من أجل الحصول عليها وليعيدو إنتاج معاناة آبائهم ويبقى ابن الغفير غفيرا وابن الوزير وزيرا،ونعيد انتاج الفقر، وليتحصروا عن عدم تعلم صنعة تقيهم ذل سؤال آبائهم، وليجد المتعلم نفسه يشتغل أو يبحث عن عمل ب 1500 درهم في زمن 2018 أو ينصب عليه صاحب مقاولة انتهازي أو يستغله ساعات طوال بأزهد الأثمان.
هي حقائق صادمة لا ندري هل لا يعلمها غير من يعيشونها أم أن الأمر متعلق بتجاهل مقصود.
هي حصيلة جعلت الشباب يرون في الحياة بدون مستقبل موتا حتميا يجعلهم يسترخصون الرمي بأرواحهم في عرض البحر.
فمادام البقاء موت بطيء، والرحيل موت مع احتمال النجاة والحصول على مستقبل أفضل، فهم يفضلون الرحيل والمغامرة، ومن لم يستطع فسيعيش ميتا يمشي على الأرض أو يصعد لإحدى العمارات لنسمع أن أحدهم رمى بنفسه أو قام بالإنتحار بطريقة ما.
وزادت من استفحال الجدل حول موضوع الهجرة “ثقافة الصورة” التي اصبحت توجه اعلاميا متتبعيها، حيث نلحظ أن المغاربة يبنون اعتقاداتهم على منطق اذا عمت هانت.
وانتشار الراحلين في قوارب الموت جعلت الأغلبية يجمعون على أن الهجرة هي الحل والضفة الأخرى هي معبر النجاة.
وهذه الصورة ليست بالبريئة، فانتشارها بهذا الكم في الآونة الأخير وتداول فيديو يدعى فيه أن خفر السواحل يساعدون بعض المهاجرين في العبور لاسبانيا، وبقايا اشخاص ماتوا في عرض البحر او اطرافهم فقط “بعدما تناولهم سمك القرش” في صور نتساءل عن مدى مصداقيتها حيث تأتي تزامنا مع اعلان مصطفى الخلفي: ” أن المغرب لن يلعب دور الدركي في المنطقة”، وترحيل عدد من الأفارقة، هي معطيات قد تبدو بعيدة غير أنه لا بد من فتح باب التساؤل على مصراعيه من أجل أن نستطيع الوصول لإجابات حقيقية.
فيكفي أن أحد مواقع التشغيل بعد استطلاع للرأي خلص الى أن ما يناهز ثلاثة أرباع الشبان المغاربة يرغبون في الهجرة.
أيضا نتساءل عن هذا الصمت الذي تنهجه الحكومة مقابل ما يحدث. في الوقت الذي أصبحت قوارب الموت هي موضوع الساعة. والأدهى من ذلك أن حتى من يملكون وظائف وعائلة “ومستقرون اجتماعيا” يريدون الرحيل أيضا، فلماذا؟ سؤال يجب أن تطرحه الحكومة على نفسها من أجل إيجاد حلول استعجالية، وخاصة بالنسبة لحاملي الشواهد العليا والذين وجدوا أنفسهم في مفترق الطرق ويعيشون حالة من الضياع فالقطاع الخاص يعاملهم كأداة قابلة للاستغلال بأبخس الأجور- حيث كاذب من يدعي أن هناك حماية اجتماعية لهؤلاء- في حين يخبرهم القطاع العام أنه غير قادر على استيعابهم ويحدد شروطا غريبة من أجل توظيفهم من قبيل تحديد سن معينة من اجل اجتياز المباريات أو بكالوريا حديثة وكأن لها تاريخ محدود الصلاحية.
هي معايير غريبة تجعل حاملي الشواهد يعيشون حالة من الضياع تحتاج إلى حل آني وتشغيل فوري، فشاب بدون عمل هو بالمقابل شخص محروم من تأسيس حياته ومن تحقيق متطلباته الفزيولجية سواء منها البيولوجية أو الجنسية أو الروحية فهذا الشيء من ذاك.
ومادام الشباب لم يحققوا أبسط المتطلبات فلايمكننا مطالبتهم بالتشبث بأرضهم وعدم الرحيل فالأمر لا علاقة له بالحب ولكن بالحاجة للحياة.
فجل المهاجرين قد يجدون صعوبة في الاندماج غير أنهم يتحدثون عن آدميتهم حيث التطبيب في أوروبا يعادل مستوى المستشفيات الخاصة في بلادنا، ومؤسسات إدارية تحترم المواطن وتحسبه صاحب حق، حيث لا يكون مرغما على محابات المقدم أو الشاوش أو غيرهم.
هي تفاصيل قد لا يعيرها المسؤولون اهتماما لكنها تعمق من الهوة بين المواطن و تشبثه ببلده. فالحب شيء ولقمة العيش والكرامة شيء آخر، قد نبحث عنه في ضفة أخرى لنعود محملين بالعملة الصعبة والسياحة لنعيش الحب بكرامة.
هذه إذن هي الحمولة الثقيلة والمؤلمة التي أصبح يرددها شباب المغرب، في واقع نستنكره جميعا ونتمنى أن يتوقف وتتحقق أحلام شبابنا في أرضهم الأم دون الحاجة للإرتماء في أحضان قوارب الموت.

التعليقات مغلقة.