أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

شباب وشابات في اليمن يموتون في مراكز يُزعم إنها عيادات للشفاء بـ”كلام الله”.

عارف الواقدي 

لم تجدِ صرخاتها نفعًا عند أسرتها المؤمنة بتلك المعتقدات في شعب أزهقته الحرب فعادت به قرونًا إلى الوراء، إذ أنها أي أسرة الفتاة الشابة ساعدت في تثبيت أيدي فتاتها وأجبرتها على تناول مزيجٍ من أعشاب، هو سمٍ قاتلٍ قام بخلطه أحد من يدعون قدرتهم شفاء المرضى بكلام الله. 

في مدينة إب اليمنية، كانت شابة تدعى (م. ع. أ) وهي تواجه الموت على أيدي أسرتها المعتنقة جهلاً لا دينًا، ورجلاً يلبس ثوب الوقار ويدعي المعرفة والقدرة على الشفاء بكلام الله، تأمل أن تشفع لها دموعها، وثلاثية استعطاف، استجداء، وتوسل، عند والدتها مما يحدث لها، لكن لا حياة لمن تنادي، فكانت السماء لروحها أقرب.

الحرب سببًا

في اليمن، وهو بلد يشهد حربًا لسنة سابعة على التوالي، أتت معها على كل مقدرات العيش بكرامة للإنسان، فأصبحت سوء الحالة النفسية هي سيدة الواقع المعاش لدى أغلب سكان هذا البلد، ربما كانت (م. ع. أ) أحدهم، لكن أسرتها التي كانت قد أتمت استعدادات زفافها كان لها رأي آخر، فذهبت بها إلى إحدى عيادات ما تسمى “التداوي بالرقية” ومنها خرجت جثة هامدة.

في تلك العيادة الواقعة في أحد شوارع المدينة ويطلق عليه “شارع تعز” يجلس رجل يدعي الشفاء بكلام الله، يمارس طقوس ضرب مبرح بحق المرضى القادمين إليه، المؤمنة معتقدات أغلبهم بالحصول على شفاء من أو في تلك العيادة، وأيضًا يمارس الصعق بالكهرباء، وصف حالة (م. ع. أ) بـ”السحر” الذي يحتاج حد زعمه عديد جلسات وخلطات أعشاب، هي علاج الفتاة مما أصابها.

ذلك القارئ الذي تقول مصادر محلية في المدينة لـ”جريدة أصوات” إنه يجهل ما يعطي الناس من أعشاب ربما تكون سامة أو غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وتوافقها الرأي مصادر طبية تحدثت لـ”جريدة أصوات” قام بإعطاء الفتاة الشابة شربةٍ من مزيج من أعشاب، وهي (خلطة شعبية داخل قارورة مياه) قال إنها دواء،  وأجبرها على شربها بالقوة وتحت الضرب والصعق بالكهرباء وبرضاء تام من أسرتها.

المصادر تقول إن (م. ع. أ) فارقت الحياة بعد أن تجرعت تلك الخلطة، رغم توسلاتها ونداءتها للمعالج ومن حولها بأن الخلطة أعطتها مضاعفات والتهاب في جسمها بشكل عام، غير أنه لم يستجب أحد لتوسلاتها المتكررة وإنقاذها لتعيش فرحة قادمة كانت تتهيأ لها، وتعد الساعات والأيام لتأتي، كيف لا وهي حفل زفافها، وهي أيضًا أجمل ليال العمر، كما يتفق على تسميتها الجميع.

صدمة مجتمعية 

وفاة (م. ع. أ) بتلك الطريقة المأساوية كانت لها أثرها الكبير في المجتمع، حيث تسببت بصدمة مجتمعية كبيرة، في محافظة لم تكن قد أفاقت بعد من حادثة وفاة الشاب العشريني، أسامة يحيى الحوشبي، على يد قارئ آخر يدعى “عرفات الجماعي” تلذذ فيها الأخير وهو يمزق جسد “أسامة” بألة الكهرباء التي كان يصعقه بها.

يتحدث سكان محليون لـ”جريدة أصوات” من مديرية النادرة، وهي المنطقة التي ينتمي إليها الشاب أسامة، إنه كان يبكي ويقول “سأموت سأموت..” من شدة آلام الصعق الكهربائي، غير أن المعالج بالرقية أستمر في استخدام آلة الكهرباء بجسد الشاب ظنًا منه وادعاءً أن الذي يتلفظ بذلك هو “الجان” لا “أسامة”.

انتشار واسع 

تتحدث مصادر محلية من عديد محافظات يمنية أخرى عن انتشار واسع لتلك العيادات أو ما يطلق عليها “مراكز التداوي بالرقية الشرعية” في ظل لا رقابة مجتمعية مسؤولة أمام ما يحدث من تجارة بأرواح البشر، في بلد الحرب فيه هي سيدة الموقف.

تشير مصادر متطابقة في حديث لـ”جريدة أصوات” إلى إن تلك المراكز أضحت لها تأثيراتها على المجتمع، وهي التي تستخدم الدين عباية لجذب الناس في شعب محافظ لا يرفض أو ربما يواجه شيئًا متعلقًا بمعتقداته، لافتةً إلى أن تلك العيادات والمراكز استخدمت في تحقيق ما تهدف إليه النقطة الأكثر ضعفًا لأهل البلد وهو “الدين”.

تقول المصادر إن قراء الرقية الشرعية في تلك المراكز يزعمون لكل الحالات الوافدة إليهم أن “مس شيطاني” أو “سحر” أو “جآن” تلبس بالمريض، معها يدعون قدرة شفاء المريض بكلام الله، وفيها يقوم الراقي بجلسات عدة يمارس فيها قراءة القرآن، وأدعية، وأحيانًا يتم فيها ضرب المريض أو صعقه بالكهرباء.

تجارة مربحة 

إلى جانب القراءة والضرب والصعق بالكهرباء، بعضًا من هؤلاء القراء يقدمون لمرضاهم خلطات شعبية أو عشبية أو ماء يقرأ عليه بعض آيات من القرآن، يتم رشه في منزل المريض أو أماكن أخرى يطلبها المعالج، وذلك مقابل أموال كبيرة، وهو ما يشير – وفق مصادر مطلعة لـ”جريدة أصوات” – أن أهداف تلك المراكز هي “التجارة المربحة“.

تشير المصادر إلى أن أسعار خلطات الأعشاب في تلك المراكز تتراوح أسعارها بين 5 إلى 10 الآلاف ريال من مركز إلى آخر، فيما قوارير المياه والزيت من ألف إلى 3 آلاف ريال، وذلك إلى جانب الجلسة الواحدة التي خلالها يدفع المريض قرابة 3 آلاف ريال.

امتداد 

إن ما تحدث في العديد من المحافظات اليمنية من حرب وجهل وفقر، دفعت مئات الآلاف من المواطنين على الذهاب إلى تلك المراكز، وهي المراكز التي حصدت طوال الأعوام السابقة أرواح عشرات البشر في ظل لا رقابة مجتمعية تحد من ذلك، أو وعي من شأنه كشف تلك الجرائم.

التعليقات مغلقة.