شبهات فساد تهز جهة مراكش آسفي: دعوات متجددة للتحقيق في صفقات النقل المدرسي والصهاريج المائية
جريدة أصوات
مراكش، المغرب – في ظل الحديث المتزايد عن تخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد، وتزامناً مع تدخلات المجالس الجهوية للحسابات وإحالة العديد من المنتخبين على العدالة في جهات مختلفة، تبرز جهة مراكش آسفي كاستثناء يثير التساؤلات، حيث ظلت في منأى عن أية مساءلة قانونية بخصوص ملفات فساد مشبوهة.
اشتعل التساؤل حول مصير صفقة شراء سيارات النقل المدرسي وشاحنات الصهاريج المائية التي تمت على عهد أحمد اخشيشن، الرئيس السابق لجهة مراكش آسفي، المحسوب على حزب الأصالة والمعاصرة.
كانت البداية تحت عنوان “شهد شاهد من أهلها” من طرف أحد الأعضاء الرئيسيين بالحزب. حيث تساءل حميد بنساسي، الأمين الإقليمي لحزب الأصالة والمعاصرة بإقليم الحوز سابقاً، ورئيس لجنة السياحة والصناعة التقليدية بجهة مراكش-آسفي خلال الولاية السابقة (2015-2021)، في تدوينة على “فيسبوك” عن مصير ملف اقتناء سيارات النقل المدرسي لتلاميذ العالم القروي وشاحنات صهاريج لنقل الماء الشروب.
وأكد بنساسي أن هذا الملف تم طرحه على المستوى القضائي حيث استمعت له الشرطة القضائية بتاريخ 28 يونيو 2019، مستغرباً لـحفظ الملف من طرف النيابة العامة وقتئذ، رغم أن الأمر يتعلق بالمال العام.
وأشار حميد بنساسي إلى ما أسماه “صرخة ضمير” كان قد وجهها عبر الفضاء الأزرق، قال فيها: “يا سكان جهة مراكش-آسفي أموالكم المستخلصة من صفقات مشبوهة الخاصة باقتناء سيارات النقل المدرسي لتلاميذ العالم القروي وشاحنات صهاريج لنقل الماء الشروب للدواوير المنكوبة بسبب ندرة المياه بها والتي سبق لسكانها اللجوء إلى تنظيم مسيرات احتجاجية على العطش في كل من إقليم قلعة السراغنة وشيشاوة والحوز والصويرة”.
وقدم حميد بنساسي أرقاماً صادمة في تدوينته، مؤكداً أن الجهة قامت باقتناء 240 سيارة نقل مدرسي بثمن 61 مليون سنتيم لكل واحدة، بمبلغ إجمالي قدره 14 مليار و640 مليون سنتيم، بينما ثمنها الحقيقي لا يتعدى 30 مليون سنتيم للواحدة، بمبلغ إجمالي قدره 7 مليارات و200 مليون سنتيم. مما يعني أن المبلغ الذي تم تبديده هو 7 مليارات و440 مليون سنتيم.
أما صفقات شراء شاحنات الصهاريج، فقد سبق للجهة أن اقتنت عدداً كبيراً منها بثمن 59 مليون سنتيم لكل واحدة، في حين أن ثمنها الحقيقي لا يتعدى 35 مليون سنتيم للواحدة. وأبرز بنساسي أن المبلغ الذي تم تبديده في صفقة واحدة هو 7 مليارات و440 مليون سنتيم، دون احتساب صفقات شراء الشاحنات وعشرات الصفقات الخاصة بإنجاز الطرق والتهيئة وشراء التجهيزات والسفريات والمأكل والمشرب والمبيت.
ووصف بنساسي جهة مراكش-آسفي بـ”جهة اجي-هاك الموسعة والتقدمة”، متسائلاً: “أليس هذا التصرف يعاكس جميع توجهات وخطابات جلالة الملك محمد السادس نصره الله”. مؤكداً أن “هذه الأموال نجحت في تلجيم الأفواه وإسكات الأصوات وتجفيف الأقلام”، مشيراً إلى أن أموال الجهة قليلة جداً لا تستطيع تلبية “حاجياتهم” باستثناء “اقتناء بعض الفيلات الفخمة والسيارات الفاخرة بالمغرب وإسبانيا”، علماً أن جلهم يتوفر على جنسية مزدوجة.
واختتم حميد بنساسي تدوينته بالقول: “سكان الجهة، أنني كعضو بهذه الجهة رئيس اللجنة السياحة والصناعة التقليدية سابقاً، لا أظن أن هذه الأموال المبددة ستسكت العاصمة الرباط وستسكت المجلس الأعلى للحسابات وستسكت أعضاء مجلس الجهة كما يظنون”. وقد قدم بنساسي بعض الفواتير الخاصة باقتناء وسائل النقل المذكورة، مؤكداً أنه سيلجأ إلى العدالة من جديد لفضح هذه الصفقات المشبوهة.
هذا وسبق أن طالب فرع الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب رئيس النيابة العامة بالرباط بضرورة فتح تحقيق معمق حول صفقة سيارات النقل المدرسي بجهة مراكش-آسفي، مشيراً إلى تورط محتمل لرئيس الجهة السابق، أحمد اخشيشن.
وأوضحت الجمعية أنها جددت هذا الطلب بعد مراسلة سابقة قدمتها في 17 سبتمبر 2019 حول نفس الموضوع، والتي استندت فيها إلى مقطع فيديو انتشر على “يوتيوب”، يشير إلى “فضيحة صفقة مشبوهة” متعلقة بشراء سيارات النقل المدرسي، حيث تم تسليط الضوء على دور اخشيشن في القضية.
وكشفت الجمعية، بناءً على ما ورد في الفيديو، أن الصفقة تضمنت شراء 20 سيارة نقل مدرسي من طراز “هونداي H 350” بتكلفة إجمالية بلغت مليار و200 مليون سنتيم، أي بمعدل 61 مليون سنتيم لكل سيارة، في حين أن القيمة الحقيقية تتراوح بين 32 و34 مليون سنتيم. وأضافت الجمعية في شكايتها أن الشركة التي فازت بالصفقة قد تم تأسيسها قبل أربعة أشهر فقط من الإعلان عن الصفقة، ومالكها لا يزال مجهولاً.
وأشارت الجمعية إلى أن المجلس الإقليمي لآسفي سبق أن اقتنى نفس نوع السيارات بسعر 34 مليون سنتيم لكل سيارة، وأن عملية الدفع تمت لشركة تحمل نفس الاسم ومقرها في العيون، ولكنها تحمل رقم تعريف ضريبي مختلف. وبحسب الجمعية، فإن ما ورد في الفيديو أظهر أن المجلس الجهوي لمراكش-آسفي لم يتبع الإجراءات القانونية الضرورية لإبرام هذه الصفقة، بما في ذلك المعايير المتعلقة باختيار المتعاقدين.
كما أكدت الجمعية على وجود خروقات غير قانونية في عملية إبرام الصفقة، مشيرة إلى أن هذه الخروقات تعارض القوانين المعمول بها لحماية المال العام وضمان الشفافية والمساواة بين المتنافسين، وهو ما يتنافى مع دور الصفقات العمومية في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وطالبت الجمعية النيابة العامة بإجراء تحقيق شامل حول الاتهامات المرتبطة بصفقة سيارات النقل المدرسي لصالح المجلس الجهوي لمراكش-آسفي، مبرزة دور السلطة القضائية في مكافحة الفساد المالي والإداري وتعزيز مبدأ المساءلة ومنع الإفلات من العقاب.
التعليقات مغلقة.