لم تفهم بعض الأطراف السياسية، أن الانتخابات قد وضعت أوزارها، وأن نتائجها أفرزت أغلبية وحكومة جديدة، وأن موقع المعارضة تزين بالتحاق أحزاب؛ إما أنها ابتعدت عن هذا الدور لعشر سنوات خلت، أو أنها ليست مهيأة للعب هذه الوظيفة ذات الملمح الدستوري الكبير، فكانت المحصلة، أنها فهمت “المعارضة”، موقعا ووظيفة، بأنه استمرار لحملة انتخابية ممتدة، بنفس شعبوي، يتغذى من توظيف، وقائع، سياقات كما معطيات خارج إطارها…بل الأدهى من ذلك، أنها تطالب الحكومة بحصيلة وعودها، وهي التي لم تطفئ بعد الشمعة الأولى لميلادها…
إن الحكومة، في حاجة إلى معارضة، معارضة بناءة، مقترحة، مقومة، لا معارضة المشاعر التي لم تعد تنطل على أحد، فمعارضة اليوم تشتكي من ثقل فاتورة الطاقة على القدرة الشرائية للمواطنين، لكنها، من موقعها بالأمس كأغلبية، من أخرجتها من صندوق المقاصة، وجعلتها “مُقايسة”… معارضة اليوم، تشتكي، من أزمة وتداعيات الجفاف، لكنها نسيت أنها عطلت سياسة مائية عرضت على أنظار جلالة الملك في إحدى “الجلسات الملكية”، وأن مشروع تحلية مياه مدينة البيضاء، مثلا، قد دخل إلى غياهب المجهول… لتكن لأغلبية الماضي، معارضة اليوم، ذاكرة، كما طالبها بذلك السيد رئيس الحكومة، وليكن لها انسجام في الموقف، فسياسة ما كانت “حلالا” في الماضي، وتصبح “حراما” اليوم، لأن الحكومة الحالية استمرت على منوالها، لا يمكن أن يشكل “خطابا معارضا”…
واقع اليوم، الحكومة ليست مسؤولة عنه، فقد ورثت إرثا ثقيلا تئن له الجبال؛ مديونية ضخمة، وفشل في التدبير، وضعف للرؤيا المستقبلية، وأوراش معطلة، وإدارة مسيسة، وزمن مهدر، وفوق كل ذلك تأجيل لانتظارات المغاربة، بفعل توقيف “الحوار الاجتماعي”، وازدياد الفجوة بين الأجور والأسعار، واضمحلال الطبقة الوسطى، واتساع دائرة الفقر، واللاتوازن المجالي الكبير…
لكن الحكومة لا تتهرب من مسؤوليتها، وتطلب فقط إنصاتا وتعاطيا مع ما تقترحه، ونقدا موضوعيا له، وبدائل ملموسة عملية، وأن تُمكن من فسحة الزمن الضروري والمعقول لإنجاز برنامجها، وبعد ذلك لتأتي المحاسبة والتقييم من قبل المعارضة، أو من قبل الناخبين في المواعيد المستقبلية…
تتناسى المعارضة، أن دورها هام، وأن موقعها ضروري لتوازن النسق، وأن لهذه الغاية خولها الدستور حقوقا، وأن الأغلبية لا بُد لها من محاور مؤسساتي هو “المعارضة”.
لكل ذلك، تأبى إلا أن تحول البرلمان إلى “فرجة”، لكنها فرجة “حامضة” كما يعلق المغاربة تعليقا على الإنتاجات التلفزية الرمضانية…
“فرجة” تأثيرها ظرفي، والعائد منها معدوم، وفائدتها صفرية، بل إنها تنفر الجمهور العريض من السياسة، وعن متابعة أشغال البرلمان، مما يؤدي، في النهاية، إلى اتساع دائرة التيئيس والتبخيس والعدمية…
إن الأزمات الوطنية أو الدولية، تطرح أسئلة وجودية على الدولة والمجتمع المغربي، وتطالبنا جميعا بمناعات متعددة الأوجه، وبأجوبة ملائمة، قادرة على تجاوز تداعياتها، وحين يعتبرها فريق داخل الوطن، بأنها مناسبة وفرصة سانحة للانقضاض على الخصم المفترض، وأنها نقطة يمكن استغلالها سياسويا للمزايدة، ولربح مُتوهم…
هنا تصبح مصالح البلاد في كف عفريت، وتضعف الجبهة الوطنية، ويجد الشك واللايقين مكانه بيننا وحولنا… إن للمعارضة شرف، فهل ستحترم المعارضة “شرف المعارضة” ونبل أدوراها، أم أنها ستفضل، كما يظهر، “استثمار الأزمات”، عقيدة وسلوكا؟؟
التعليقات مغلقة.