حالة من السخط تعتري كل فئات الإطار البشري على وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وعبر احتجاجات مزمنة وملتهبة.
واقع ينقل صورة قاتمة عن الوضع المتعلق بالمدرسة العمومية وحضور العنصر داخل المنظومة التعليمية والتربوية، حيث تكافؤ الفرص مجرد حلم قديم جديد بعيد المنال، والهدر المدرسي دابة سوداء لا تخفي عورها لا أرقام التعميم، ولا إحصائيات التعتيم، والأندية التربوية فضاءات فارغة لمجرد الاستهلاك، وكل هذا يعرقل النهوض بالمنظومة التي نريدها عمادا للتنمية المستدامة والنهوض الوطني الشامل.
في هذا السياق يمكن تسجيل الاضطراب الموسمي لإعادة الانتشار، وتدبير الفائض والخصاص، وقبله ظاهرة الأقسام المشتركة، فما حقيقتها وما حجمها؟، هل هي ظاهرة صحية أم مرضية؟، حيث يفتخر بعض المدبرين بأن الدولة بذلت جهودا جبارة حتى أنها تدرس نفرا قليلا من التلاميذ والتلميذات في رأس جبل في منطقة نائية، لا يشكلون قسما كاملا ولو بمستويات ثلاثة أو أربعة أو ربما خمسة وستة، فجمعت الكل في قسم مشترك (سمطا)، لكن بأية بيداغوجيا وبأي أفق؟، وللظاهرة وجه آخر حيث تفيض كل من ليست لهم حصة كاملة، ثم تدخل في اضطراب إعادة انتشارهم عبر مؤسسات الخصاص أنى وجدت ولو في بلدة أخرى قريبة أو بعيدة؟.
وهنا يتساءل المتسائلون، لماذا أصبحت الأقسام المشتركة وكأنها هي الأمر الطبيعي وغيرها هو الأمر غير الطبيعي؟، هل ينبغي أن تتزايد أم تتناقص ولم لا تتناقص؟، وأين هي جهود مكاتب المديريات في التدبير والتخطيط والتوقعات والخريطة المدرسية والحركة الانتقالية في معضلة الفائض والخصاص؟، هل أصبح عندهم الأستاذ لا شأن له ولا أسرة تستحق منه الاستقرار؟، هل أصبح الأستاذ من الرحل (الرباعة) قد يرحل 3 أو 4 مرات في نفس الموسم إلى حيث أرسله صاحب المزرعة حسب هواه؟، مرة بآخر من التحق، ومرة حسب الأقدمية في المنطقة، ومرة بالتكليف، ومرة بالتعيين الإجباري والنهائي..؟، هل هذا كل مبلغ شعارات الجودة، والحكامة، وتكافؤ الفرص، والحياة المدرسية، التي يتشدق بها المتشدقون، الفائض عندهم في الظاهر لإنقاذ مؤسسة من الخصاص، ولكنه يستفحل كل سنة ونحن مع كل بداية موسم نطبع مع أزمته واضطرابه النفسي والمادي وتلك كارثة؟.
لماذا الامتحانات المهنية بداية السنة بدل آخرها؟
لا ندري أي جرم شنيع يرتكبه الإداريون عندما يعلنون عن نتائج الامتحانات المهنية بداية السنة بدل آخرها، فإذا بمدراء المؤسسات التربوية يقعون في ورطة كبيرة تربك دخولهم المدرسي واستقرارهم التربوي، إذ يكونون قد دفعوا خريطة مدرسية إلى مديرياتهم بدون خصاص آخر السنة، وإذا بهم ينجح بعض الأطر العاملين عندهم في بداية السنة، ولا يجدون ما يعوضونهم به رغم زوبعة الفائض والخصاص، فالمديرية ككل قد يكون عندها خصاص في الأطر في بعض المواد، مع حذف ما كان ساريا من الحركة الانتقالية المحلية والحركة الجهوية التي كانت توازن الإشكال بعض الشيء؛ أضف إلى ذلك الموظفات اللواتي يذهبن في رخصة ولادة، أو الذين يذهبون في رخصة مرض، فإذا العديد من المؤسسات في أزمة خصاص مع بداية الموسم الدراسي، وإذا بالعجز على التعويض واستحالته في بعض الأحيان يفرضان المعالجة المرة والقسرية على الجميع، بحشر التلاميذ في أقسام أربعينية وخمسينية غاية في الاكتظاظ الذي ندعي محاربته، وحذف التفويج في المواد العلمية على المستوى الإعدادي والثانوي، حتى يفجروا أعصاب الأساتذة العاملين وينغصوا عليهم طريقة عملهم التجريبية وكأنهم هم المسؤولين عن هذه الأزمة والاضطراب، وعليهم أن يتحملوا وحدهم تكلفة ترقيعها المكلف نفسيا وتربويا، بدل العشوائية المقرفة لبرمجة الامتحانات، وبدل غياب مكاتب التخطيط والتوقعات أو سحب القرار الإجرائي منهم كما يسحب من غيرهم؟.
هذا الواقع هو ما يكشف حقيقة الإصلاحات القائمة، إذ لا تزال فيها المخرجات بعيدة عن احتياجات الواقع وسوق الشغل ومهن الحاضر والمستقبل، وتبلغ نسبة البطالة في صفوف الخريجين ضعف المعدل الوطني بحوالي 21،9 %،أي بحوالي (168 ألف خريج عاطل)، بل أكثر في صفوف خريجي التعليم التقني والتكوين المهني رغم وجود ما يدعى بالوكالة الوطنية للتشغيل والكفاءات التي لا تتوسط إلا في تشغيل حوالي 4% فقط من الباحثين عن الشغل، وطبعا، مع كل ما تسببه البطالة لضحاياها من اليأس والقنوط والقلق بشأن المستقبل وعدم الاستقرار واضطراب اندماجهم الاجتماعي، يحاول الجميع البحث عن حلول فردية عاملين وخريجين، حيث ظهرت جيوش من الموظفين الأشباح، وسماسرة في غير مهنهم، ومن يتعاطون التجارة، ومن يجمعون بين العمل في التعليم العمومي والخصوصي، ومن يسترزقون من الساعات الإضافية؟، وكذلك الطلبة المتفوقين يكون كل سعيهم كيف سيدرسون في الخارج بأي مؤهلات كانت، حتى إذا ما تأتى لهم ذلك فضلوا البقاء في دول الاستقبال بعد التخرج، بشكل يستنزف الطاقات الوطنية حيث يتحدث ضجيج أرقام المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن وجود حوالي 14 ألف طبيب مغربي مهاجر، بما يعني أن (ثلث من أطباء المغرب يعملون في الخارج)، في حين أن البلد يحتاج إلى 32 ألف طبيب و65 ألف إطار صحي إضافي؟.
إنها شروخات تربوية وتدبيرية في زمن الإصلاح، على كثرتها وإن اكتفينا فقط بالذي سبق، كان على الإصلاح أن يقضي عليها أو على الأقل أن يخفف من وطأتها وحدتها، ويخطط لذلك بصدق وفعالية، ولكن العكس هو الذي يقع، من هنا يطرح السؤال: كيف يكون الإصلاح يا سادة، إذا لم تؤطره رؤية واضحة، جرأة قوية، عدالة مجالية، ميزانية كافية، برامج بمؤشرات معيارية، زمن إصلاحي محدد، تراكم إنجازات ميدانية بناءة، وبالأخص تملكه روحا وفلسفة وطنية صادقة، وتسهر على تنفيذه فرق ولجان من رجال إصلاحيين صالحين، ترى كل هؤلاء الأطر في مختلف الهيئات التدبيرية والمجالات التربوية، والذين كانوا على الدوام بشكل أو بآخر سببا في كل هذا التردي والفساد الذي ينخر المنظومة طوال تاريخها، هل سيأتي اليوم على أيديهم الإصلاح؟، هل يحلمون أو نحلم بذلك؟، هل يملكون أو يتملكون بعضا من المفاتيح الحقيقية لذلك؟، وهم الذين لم اعتادوا طوال حياتهم المهنية “التسلقية التملقية” إلا على تدبير الفساد والسطو به، وربما هم أول من لا يقتنع بخطابهم ومراميهم الإصلاحية رغم دفاعهم المستميت عنها، على أي يبقى السؤال التحدي مطروحا على الجميع، لماذا كل هذا الجهد الإصلاحي والنتيجة ضعيفة غير مرضية، إن لم تكن في بعض الملفات مشروخة وفي بعض المجالات منعدمة؟.
التعليقات مغلقة.