دار الشعر بمراكش
اختار الشعراء، “رجاء الطالبي” و”يونس الحيول” و”عمر العسري“، أن يخصون ليلة الاحتفاء باللغة العربية بجديد قصائدهم، حيث الاحتفاء ببهاء الحرف، ومجازات اللغة، والرغبة في الطيران بين سماوات الاستعارات. في فقرة “نبض الأبجدية” لدار الشعر بمراكش، وهي فقرة جديدة ضمن برمجة الدار الشعرية للموسم الخامس، التقت تجارب شعرية تنتمي لشجرة الشعر المغربي الوارفة، والقصيدة المغربية الحديثة، كي تخط جدارية للوجود واللغة والقصيدة. أقانيم وحدت رؤى وصيغ القصائد، حيث تجلى الحرف، سيد الأبجدية، كي ينسج صياغات ورؤى من بهاء الكلمة الشعرية.
وهكذا فقد احتضن مقر الدار، بالمركز الثقافي الداوديات، يوم الجمعة 24 دجنبر، لقاء شعريا مائزا جمع الشعراء، “رجاء الطالبي” و”يونس الحيول” و”عمر العسري“، في فقرة شاركت فيها الفنانة (الكناوية)، هند النايرة، والتي سهرت على إعطاء ملمح خاص لفقرة تحتفي ببهاء الحرف ومجازاته، من خلال مقامات كناوية تخاطب قيم الحرية والإنسان. وشاركت الشاعرة والمترجمة رجاء الطالبي، والتي راكمت العديد من الإصدارات الشعرية (برد خفيف، حياة أخرى، عزلة السناجب، مكان ما في اللانهائي، قرصة على خد الخسارات..) في “نبض الأبجدية” بإطلالة فريدة من خلال قصائد جديدة خصت بها اللقاء.
تقول الشاعرة في قصيدة “يقتفي الحبر خطاي”: (أترك القصيدة خلفي/ يناديني ألق يسكن نداء الحياة/ أستجيب لإشارات تداهمني،/ تشظيني، أمشي،/ يقتفي الحبر خطاي/ يجمع قطعي المشظاة).
الشاعرة رجاء الطالبي، والتي تعتبر الشعر “مسكون بنداءات اللايقين والتشوش، وبمساءلة الوجود والذات”، اختارت مجموعة من القصائد مسكونة بتيمات “اللايقين”، وحفريات في اللغة ومنتهاها، ومساءلة الوجود وقلق الشاعرة في اختيارها التفرد حيث العزلة. وحضر الشاعر والناقد عمر العسري، متأبطا ديوانه الشعري الجديد «المقر الجديد لبائع الطيور»، وهو الرابع له في أعماله الشعرية. يختار الشاعر القصيدة التي تشتبك مع الوجود وتحاور الأشياء وكينونتها، كما يظل الشاعر حريصا على تأمل خطابات اليومي وهندسة القصيدة. وكما في دواوينه “من أي جهة يأتي الصياد؟”، و”عندما يتخطاك الضوء”، و “يد لا ترسم الضباب”، ينشغل الشاعر عمر العسري بالشعر وبالقصيدة التي تشبهه حد التطابق.
في قصيدته “المقر الجديد لبائع الطيور”، يزاوج الشاعر عمر العسري عزلته مع الطيور قائلا: (يبتسم الطائر/ وأبتسم أنا / يقول لي سرا:/ لقد داويت أيامي/ ضمدت جراح وحدتي ياصاحبي/ سأبقى هنا/ في مقري الجديد/ كي أراك كل نهار..)
الشاعر يونس الحيول، والذي ينتمي للحساسية الجديدة في الشعر المغربي، اختار “نبض الأبجدية” كي يرسم شكلا آخر للشاعر والحياة. صاحب مجموعات “الموت بكل خفة”، “ترويض الندم”، و”رجل يقرأ طالعه”، قرأ من قصائده الحديثة “نبضا آخر للقصيدة” حيث تفاصيل الحياة الأخرى، واللاشكل الذي يقتفي وجودنا. قصيدة الشاعر يونس الحيول تتجرد من “التباسات المعنىّ، وتتخذ مسارات المقابلة حيث الذات وشجونها، والعالم وظلاله، والقصيدة ولغاتها. يقول الشاعر يونس الحيول في قصيدته “معزوفة حزينة من أجل السعادة”: (كنتُ أحتاجك/ لكنَّكِ مثلَ غزالٍ جافلٍ لا يلتفِت/رَكضتِ في بريَّة الغيّاب حتّى جَفَّت نظرتك/وكانت النّمور تشمُّ حيرتكِ في الظّلام/ثمّ حلُمتُ بكِ فجئت لأُنجيكِ/وأدفعَ عنكِ الأذى/ما زلتُ أحتاجكِ / لذلكَ أنا هُنا لأعيدَ الأُشياء إلى مكانها).
لقد شكل لقاء “نبض الأبجدية”، نافذة جديدة لدار الشعر بمراكش للإطلالة على تجارب الشعر المغربي، من ديدن غنى هذه التجربة التي رسخت أفقها في الشعريات العربية والكونية. كما تواصل الدار من خلال هذه الفقرة الجديدة، الانفتاح على رموز القصيدة المغربية الحديثة وهي تفتح شرفات على مجازات الأبجدية.
التعليقات مغلقة.