فنّدت صحيفة “هآرتس” العبرية ما روجته تل أبيب عن مزاعم قطع رؤوس أطفال إسرائيليين وحرق جثثهم بهجوم حركة “حماس” على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر، مؤكدةً أن تلك الرواية “غير صحيحة ولا أساس لها في الواقع”.
وفي تحقيق جديد عن الروايات التي روجتها مؤسسات حكومية ومسؤولون كبار في إسرائيل منذ 7 أكتوبر، قالت الصحيفة إن ما جرى في ذلك اليوم أدى إلى انتشار “قصص رعب لم يحدث أي منها على أرض الواقع”.
واستندت إسرائيل إلى حد كبير في تبرير حربها المدمرة على قطاع غزة إلى هذه المزاعم التي كشف التحقيق الاستقصائي عدم صحتها.
ومنذ 7 أكتوبر يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة، خلّفت 15 ألفا و899 شهيدا فلسطينيا و42 ألف جريح، بالإضافة إلى دمار هائل في البنية التحتية و”كارثة إنسانية غير مسبوقة”، بحسب مصادر رسمية فلسطينية وأممية.
نشر الأكاذيب
وقالت الصحيفة: “لقد ارتكب رجال حماس والجهاد الإسلامي وسكان غزة الذين دخلوا إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقتلوا بوحشية حوالي 1200 شخص، معظمهم من المدنيين العزل واختطفوا نحو 240 مدنيا وجنديا، بينهم بالغون وأطفال ونساء”، على حد تعبيرها.
وأضافت: “كل هذا ليس محل نزاع، لكن إلى جانب الوصف المبرر لهذه الجرائم، نشرت بعض المصادر معلومات غير مؤكدة حول أحداث ذلك اليوم، ومن بين الشهادات الشنيعة التي تم تداولها بعد المجزرة، الإعلان عن العثور على عشرات من جثث الأطفال مقطوعة الرأس”.
وأشارت إلى أن مثل هذا الوصف ظهر في تقرير لشبكة “إسرائيل 24″، على سبيل المثال، حيث تقول إحدى المراسلات إن “أحد القادة الميدانيين أخبرها أن ما لا يقل عن 40 طفلاً قتلوا، وأن الإرهابيين قطعوا رؤوس بعضهم”، وفق مزاعم التقرير.
ومضت هآرتس تقول: “أفادت إسرائيل 24 بأن تقارير الفظائع وتقدير الأعداد استندت إلى شهادات الضباط الذين نقلوا الجثث في المستوطنات المحيطة، وتم جمعها خلال جولة للصحفيين الأجانب أجراها متحدث الجيش الإسرائيلي بعد أربعة أيام من اندلاع الحرب”.
وتابعت: “كما تكررت أرقام مماثلة في شهادات أعضاء فرق الإنقاذ الإسرائيلية (زكا)، وقد نُقل هذا الوصف لاحقًا على وسائل التواصل الاجتماعي”.
تغيير القصة
الصحيفة العبرية أشارت أيضا إلى أنه “في بعض الأحيان يتم تغيير القصة إلى جثث الأطفال المحروقين أو جثث الأطفال المعلقين على الحبل”.
وقالت: “على سبيل المثال، نشرت القناة الرسمية لوزارة الخارجية شهادة المقدم جولان فاش من قيادة الجبهة الداخلية، والتي جاء فيها أنه عثر على جثث ثمانية أطفال محترقة في أحد المنازل”.
وأضافت: “كما أشار الحساب التابع لمكتب رئيس الوزراء على منصة إكس إلى مقتل أطفال رضع، عندما نشر صورا شديدة الخطورة وكتب: هذه صور مرعبة لأطفال قتلوا وأحرقوا على يد وحوش حماس، كما جاء في التغريدة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عرض الصور على وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن”.
لكن هآرتس خلصت إلى أن “هذه الأوصاف غير صحيحة في الواقع”.
وأوضحت في هذا السياق أن “أرقام القتلى من مؤسسة التأمين الوطني (رسمية) والمعلومات التي تم جمعها من مسرح القتل، من قادة الكيبوتس (المستوطنات) والشرطة، تظهر عمليات قتل مختلفة”.
وأضافت أنه “في 7 أكتوبر، قُتلت الطفلة ميلا كوهين (عام واحد) من كيبوتس باري، مع والدها، وفي حالة أخرى، كانت سيدة بدوية حامل مسافرة باتجاه سوروكا لأنها كانت تشعر بتقلصات، وفي الطريق أصيبت برصاصة في بطنها، وولد الطفل في المستشفى، وتوفي بعد ساعات قليلة”.
وتابعت: “بحسب مؤسسة التأمين الوطني، توفي في ذلك اليوم خمسة أطفال صغار آخرين تبلغ أعمارهم 6 سنوات أو أقل”.
وأردفت أنه “إلى جانبهم، قتل 15 طفلاً آخرين تراوح أعمارهم بين 11 و15 عاماً، ثلاثة منهم بصاروخ وليس في مشاهد المجزرة في غلاف غزة”.
وذكرت أنه “قُتل معظم الأطفال الآخرين في منازلهم أو بالقرب منها، وغالباً مع أفراد آخرين من الأسرة”.
وأكدت أنه “حتى يومنا هذا، لا يوجد مشهد معروف تم فيه اكتشاف أطفال من عدة عائلات قتلوا معًا. وهذا يدل على أن وصف نتنياهو في حديثه مع الرئيس الأميركي جو بايدن بأن إرهابيي حماس أخذوا عشرات الأطفال وقيدوهم وأحرقوهم وأعدموهم، لا يطابق تماما الصورة الواقعية”.
حديث متغير
وفي نفس السياق، لفتت “هآرتس” إلى تغيير بعض الأوصاف والتعبيرات والروايات من قبل أعضاء “زكا” أنفسهم، حيث “روى أحدهم عدة شهادات مصورة ومسجلة ومكتوبة عن الفظائع التي شاهدها في الكيبوتسات المحيطة”.
وأضافت: “على سبيل المثال، قال بعضهم إنهم رأوا 20 جثة مشوهة ومحترقة لأطفال عثر عليها في أحد الكيبوتسات”.
وتابعت: “ولكن في حديث مع هآرتس قيل إن هؤلاء كانوا مراهقين تراوح أعمارهم بين 10 و15 عاما، فتيان وفتيات، تم العثور عليهم خلف غرفة الطعام في كيبوتس كفار غزة، وقيل إنه في مكان آخر تمت رؤية 20 طفلاً من كيبوتس بئيري وُضعوا فوق بعضهم البعض وأُحرقوا حتى الموت وأيديهم مقيدة”.
لكن الصحيفة العبرية أشارت إلى أن “هذه الشهادات لا تتطابق مع قائمة القتلى، فالقاصران اللذان قُتلا في كفار غزة هما يفتاح كوتز (14 عامًا) وشقيقه يوناتان (16 عامًا)، كما قُتلت معهما شقيقتهما روتم، وهي جندية تبلغ 18 عامًا”.
وقالت: “في (مستوطنة) بئيري، قُتل تسعة قاصرين، بعضهم على الأقل كان مع أحد والديهم وقُتلوا في منزلهم، لذا فمن غير الممكن أن تكون 20 جثة متراكمة في مكان واحد، فقد كان معظمهم مع أحد والديهم على الأقل في منزلهم أو في مكان قريب”.
رواية مزيفة
وأوضح تحقيق هآرتس أن “أحد أعضاء فريق زاكا أدلى بشهادته حول مشهد آخر من الرعب، وروى في عدة مناسبات عن جثة امرأة حامل عثر عليها في كيبوتس بئيري، وبطنها ممزقة وجنينها الملتصق بها بالحبل السري قد طعن أيضا”.
كما كرر الشهادة في حديث مع “هآرتس” بل وذكر أنه شاهدها في المنزل رقم 426 في الكيبوتس، وقال إنه عثر على المرأة قرب مدخل المنزل، وإنه في مركز الشرطة عثر على طفل يبلغ من العمر 6 أو 7 سنوات مصاباً بالرصاص.
واستدركت الصحيفة بالقول: “قُتل 87 عضوًا في كيبوتس بئيري في 7 أكتوبر، كما عُثر على جثة عضوة أخرى في الكيبوتس، جوديث فايس، في غزة بعد اختطافها، كما أُعلن عن وفاة عضوة الكيبوتس عوفرا كيدار، التي اختطفت من منطقة بئيري، لكن لم يكن هناك أطفال في السادسة أو السابعة من العمر أو ما يقرب من ذلك من بين قتلى بئيري”.
ولفتت إلى أن “المنزل رقم 426 يقع في حي أشليم، حيث يعيش معظم قدامى المحاربين في الكيبوتس – كبار السن”.
وأضافت: “تم تداول مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يُزعم أنه يصور جريمة قتل المرأة الحامل، إلا أن منظمة Fake Reporter ومصادر أخرى أفادت بأن الفيديو لم يتم تصويره في إسرائيل على الإطلاق”.
وأشارت الصحيفة إلى أنه “حتى الكيبوتس نفسه نفى هذا الوصف، قائلا إن قصة المرأة الحامل التي روتها زكا لا علاقة لها ببئيري، وحتى الشرطة ليست مطلعة على القضية على الإطلاق”.
ونقلت عن “زكا” قولها رداً على ذلك، إن “المتطوعين ليسوا خبراء في علم الأمراض، وليس لديهم أدوات مهنية للتعرف على القتيل وعمره، أو الإعلان عن طريقة ذبحه، سوى شهادة شهود عيان”.
وفيما يتعلق بالشهادة عن المرأة الحامل، أوضحت “زكا” لهآرتس أنه “بسبب الحالة الصعبة للجثث، ربما أخطأ المتطوعون في تفسير ما رأوه”.
التعليقات مغلقة.